نخبة بوست – رحل زيد الرفاعي الشخصية التي شغلت الأردنيين، وتخطت مكانتها السياق الوطني لتمتد ظلالها عربيا ودوليا.
رحل الرفاعي بعد عقود من الخدمة العامة في الأردن، وكان لسنوات طويلة في عهد الملك الراحل الحسين صانع قرار، ومدرسة سياسية يُشار لها بالبنان، ولا يمكن قراءة هذه المرحلة من عمر الأردن دون أن تتوقف عند الرئيس الرفاعي، وترى بصمته السياسية في المواقع المختلفة التي شغلها.

لم يكن زيد الرفاعي عابرا في تاريخ الأردن، وعند الذين اختلفوا معه، قبل الذين ناصروه، وكانوا من مريديه يعترفون له، ويشهدون أنه صاحب حنكة لا تُضاهى، وحين شاع مصطلح المدرسة «الزيدية» في مواجهة المدرسة «المضرية» نسبة إلى دولة مضر بدران لم يكن ذلك اعتباطا، بل ترسيخ لدور رجالات الدولة في الحكم، فطوال عقود تناوب الرئيسان على رئاسة الحكومة، وكانا أهم مستشارين للراحل الحسين، وكلما جاء أي منهما للحكم، كانت ملامح التحولات السياسية، والاقتصادية تحضر معه.

كان الملك الحسين يحب زيد الرفاعي، ولا يطيب له أن يبتعد عن المشهد، وكلما اضطر إلى ذلك بسبب مقتضيات محلية، او إقليمية، أو دولية كان يقتنص الظروف لإعادته إلى صدارة المشهد، إما في قمة السلطة التنفيذية، أو في مجلس الأعيان، وحتى في الديوان الملكي الهاشمي.

ومثلما نجا الرفاعي من محاولة اغتيال له تركت في يده ندوبا، استطاع أن ينجو من كل محاولات إقصائه السياسي، وحين صعد نجله سمير الرفاعي إلى رئاسة الحكومة قبيل ما سمي «الربيع العربي» قرر الأب اعتزال العمل السياسي، وكان السؤال الأبرز على لسان المراقبين السياسيين، وهل يمكن لمن اعترك السياسة لعقود طويلة، وعايش كل معارك الدولة الأردنية أن يعتزل؟

لا أعرف إن كان الرفاعي قد ترك يوميات مدونة، أو كتب مذكراته، ولم يُفصح عنها، وآن الأوان للابن دولة سمير الرفاعي «أبو زيد» أن يرعى تركة والده، لأنها باعتقادي قضية مهمة، وترصد، وتوثق محطات أساسية من تاريخ الأردن، وكل ما يتركه رجالات الدولة إرث لا يمكن الاستغناء عنه للأجيال القادمة، وأقترح إن كان الرفاعي لم يقم بتوثيق رحلته السياسية في العمل العام، أن تشكل وزارة الثقافة، أو الشؤون السياسية فريقا من الباحثين لتولي هذه المهمة.

حظيت منذ عودتي للعمل الإعلامي في الأردن عام 1990 بلقاءات متعددة مع الراحل الرفاعي، وكان في كل اللقاءات قادر على احتواء اندفاعي كصحفي، ورغبتي في استنطاقه، ورغم قلة كلامه، إلا أن شروحاته للسياق الوطني، والإقليمي، والدولي كان تساعدني على فهم أفضل، وفي كل المرات التي جمعتني به لم يشارك في حلقات النميمة التي تمارسها الصالونات السياسية.
حين كنت رئيسا لتحرير جريدة الحدث كتبت عنه بورتريه سياسي، أعجبه، وإن لم يخلُ من انتقادات، ولم يكل الاتهامات مثلما فعلت شخصيات أخرى معروفة حين كتبت عنها.

أكثر ما كان يدهشني حرصه على التواجد مع الناس، وتفاعله معهم، ولسنوات كان يحضر الأمسية الرمضانية التي كان يقيمها مركز حماية وحرية الصحفيين، وفي آخر أمسية حضر، كانت عكازته تسنده، ولكنه لم يغب.
حرص الراحل الحسين على إنصاف الرفاعي بعد أن تعرض لاتهامات، وبعد أن حمل المسؤولية عن إخفاقات صعبة في الأردن، فاختاره رئيسا للأعيان (مجلس الملك)، وأنصفه الملك عبد الله الثاني، فلم يغب عن دائرة المقربين، والمستشارين، وكان في مقدمة المشيعين له، ودفن بأمره في المقابر الملكية، وهو شرف لم يحظَ به إلا القلة، وحين أعود بالذاكرة أقف عند وداع عميد رؤساء الحكومات دولة أحمد اللوزي، والجنازة المهيبة التي حظي بها، وكانت توجيهات الملك ان يدفن أيضا في المقابر الملكية.
سيغيب زيد الرفاعي بعد رحيله عن مسرح الأحداث، لكن إرثه لن يغيب، وربما حضور ونشاط الابن سمير الرفاعي سيظل يُذكّر بالمدرسة الزيدية، وتجددها.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version