نخبة بوست – أماني الخماش

شهدت العلاقات الأردنية – الإيرانية مؤخرا حراكاً دبلوماسياً نشطاً، حيث التقى جلالة الملك عبدالله الثاني الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك والتي أقيمت 23 الشهر الماضي.

جلالة الملك جدد خلال اللقاء التأكيد على أهمية خفض التصعيد بالمنطقة، وضرورة التوصل إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، ووقف الحرب الإسرائيلية على لبنان، كما تناول اللقاء عددا من القضايا الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

هذا اللقاء لم يكن الأول بين البلدين؛ حيث سبقه زيارة وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي إلى طهران في آب الماضي والتي نقل خلالها رسائل الملك عبدالله إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ومن بين هذه الرسائل، كان هناك بحث في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.

الأردن وإيران: من التوترات الإقليمية إلى العلاقات الدبلوماسية
وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي ونظيره الإيراني خلال زيارته إلى إيران في آب الماضي

وضمن إطار العلاقات الأردنية- الإيرانية؛ أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان – ممثل حزب الإصلاح – خلال مؤتمر صحفي بثه التلفزيون الإيراني مؤخرا عن رغبته في توطيد العلاقات مع دول عدة، بما في ذلك الأردن، مما أثار التساؤلات حول مسار العلاقات بين البلدين في المستقبل، وانعكاسات هذا التطور على المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.

ويعتبر بزشكيان من المؤمنين بسياسة الانفتاح والتقارب مع الدول العربية والغربية، وهذا قد يدفع بعجلة العلاقات الدبلوماسية إلى الأمام؛ ومع ذلك، قد يواجه هذا السيناريو بعض العقبات، نظراً لأن زمام الأمور في الجمهورية الإسلامية ليس بيد رئيس الدولة وحده.

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان

نظام صنع القرار في إيران معقد، حيث لا يقتصر اتخاذ القرارات على رئيس الدولة فقط، بل يشمل أيضاً شخصيات ومؤسسات متعددة تؤثر في صياغة المشهد السياسي الداخلي والخارجي لإيران

شنيكات: تحسين العلاقات مع إيران يعني توطيدها مع سوريا والعراق

وفي هذا الصدد، بين رئيس جمعية العلوم السياسية، د. خالد شنيكات، أن إيران دولة إقليمية كبيرة ذات نفوذ ممتد في العراق وسوريا، اللتين لهما حدود طويلة مع الأردن، خاصة سوريا؛ وبالتوازي، فإن تحسين العلاقات الأردنية الإيرانية سيدفع باتجاه تحسين العلاقات الأردنية مع العراق وسوريا.

وأوضح شنيكات أن مسار تحسين العلاقات الأردنية الإيرانية قائم على أسس عديدة، تبدأ من احترام الجوار الجغرافي، وضمان عدم التدخل في الشؤون الداخلية وزعزعة أمن الطرفين، مروراً بالعمل على تعزيز السلام والاستقرار الإقليمي، خاصة فيما يتعلق بالحدود الأردنية، بالإضافة إلى التعاون في مجال التنسيق الأمني في المناطق الحدودية، مثل الجنوب السوري والعراق.

وأكد شنيكات أنه إذا تكلمت إيران بصوت واحد وسمحت للعلاقات الدبلوماسية بالنمو والتطور، فمن المتوقع أن ينعكس ذلك إيجابياً على الإقليم في مجالات التعاون السياسية والاقتصادية والأمنية.

وأشار إلى أهمية أن يكون للأردن علاقاته الخاصة مع العراق وسوريا، خاصة في المجالات التجارية، ورغم توقيع الأردن اتفاقيات متعددة مع العراق، فإنها لا تزال تواجه عقبات على صعيد التطبيق، كما أن هناك حاجة لزيادة حصة الأردن في السوق العراقي وزيادة نسبة التبادل التجاري بين البلدين.

وفيما يتعلق بسياسة الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان وهو ممثل للحزب الإصلاحي، أشار شنيكات إلى أن بزشكيان يفضل اتباع سياسة التعاون على سياسة التنافس أو الصراع، ويسعى نحو تطوير العلاقات الدبلوماسية والتعاون مع العديد من الدول، بما في ذلك أمريكا، وهو ما اتضح في تصريحاته الأخيرة.

شنيكات: المشكلة تكمن في أن السياسة الخارجية في إيران لا تدار من قبل جهة واحدة فقط، بل هناك مؤسسات متعددة مثل المرشد الأعلى، علي خامنئي، والحرس الثوري، وغيرها من المؤسسات التي تلعب دوراً في صياغة هذه السياسات

وأشار شنيكات إلى أن الأردن يقع ضمن منظومة الإقليم العربي، وبالتالي فإن سلوك إيران تجاه الأردن أو الخليج سيؤثر في الآخر، فإذا سعت إيران لتحسين علاقتها مع الأردن، سيؤدي ذلك إلى تحسين العلاقات مع الدول العربية الأخرى.

شنيكات: هناك مصلحة مشتركة بين الدولتين لتحسين العلاقات الدبلوماسية، لضمان انسيابية وصول السلع والبضائع إلى العراق وسوريا، ولتعزيز الأمن الإقليمي واحترام سيادة كل منهما

العبادي: مشهد العلاقات الأردنية الإيرانية “معقّد”

من جهته، بين خبير الشؤون الاستراتيجية والأمنية، د. إبراهيم العبادي، أن مشهد العلاقات الأردنية الإيرانية يتسم بالتعقيد، خاصة أن إيران لا تزال تحاول نشر نفوذها الاستراتيجي في المنطقة؛ على غرار تواجدها في العراق وسوريا واليمن، تسعى إيران لزرع أدوات نفوذها في الأردن.

انفوغراف النفوذ الإيراني والتواجد العسكري الأميركي في الشرق الأوسط

وأوضح العبادي أن هناك عوامل عديدة تجعل العلاقات بين البلدين معقدة، أبرزها دعم إيران للميليشيات التي تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة، والموجودة في جنوب سوريا والعراق، وقد رصدت محاولات عديدة من قبل هذه الميليشيات لاختراق الحدود الأردنية لتهريب السلاح والمخدرات، لكن الجيش الأردني تمكن من ضبط الحدود.

العبادي : إيران تدعي أنها تخوض مواجهة عسكرية ضد إسرائيل بشكل مباشر، وتعتبر الأراضي والأجواء الأردنية مناطق عبور تستخدمها في هذه المواجهات

وفي الرد الإيراني الأخير، كان موقف الأردن واضحاً بعدم السماح باستخدام مجاله الجوي أو إدخال العناصر التابعة لإيران عبر الحدود الأردنية، لأن ذلك قد يؤدي إلى إقحام الأردن في هذه المواجهة.

وأكد العبادي أن العلاقة ستبقى معقدة وربما تزداد سوءاً في حال عدم ضبط الميليشيات وإبعاد تهديداتها عن الأردن؛ أما إذا تم ضبطها، فإن ذلك سيعزز من إمكانية تطوير العلاقات ضمن إطار المصالح المشتركة.

وفيما يتعلق بتصريحات الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بشأن توطيد العلاقات مع الأردن، أشار العبادي إلى أن بزشكيان، منذ قدومه إلى الحكم، سعى لإقامة الحوار بين إيران والقوى الإقليمية والدولية؛ وفي ضوء تصريحاته الأخيرة، يتضح أنه يسعى جاهداً لفتح قنوات حوار مع الأردن وقوى المنطقة للتخفيف من وطأة العقوبات المفروضة عليها في مجال استثمار الغاز وتصديره.

وأضاف العبادي “تسعى إيران لإيجاد علاقات تجارية مع الأردن، وتحرص على إعادة إحياء ملف السياحة الدينية الذي يأخذ بعداً أمنياً، إلا أنه من غير المرجح أن يكون هذا الملف محلاً للحوار على المدى القريب”. وأشار إلى أن تطوير العلاقة بين البلدين يتطلب إعادة النظر في العديد من الملفات العالقة، بالإضافة إلى ضبط التهديدات التي تشكلها الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة.

وتابع العبادي قائلاً: “هناك نموذجان عربيان لتطوير العلاقات مع إيران: الأول هو النموذج السعودي الذي انتقل من أوج المواجهة إلى فتح أدوات حوار جديدة مع إيران، مما أدى إلى تعاون مشترك واستثمارات سعودية في إيران.

أما النموذج الآخر فهو النموذج الإماراتي، الذي رغم احتلال إيران للجزر الثلاث التابعة للإمارات، تعتبر الإمارات أكبر الشركاء التجاريين لإيران؛ لذا، لا يوجد ما يمنع من تطوير العلاقات بين الأردن وإيران والجلوس على الطاولة بدلاً من التصعيد.”

الجزر الثلاث التابعة للإمارات المحتلة من قبل إيران

وأكد العبادي على أهمية الاستثمار في التيار الإصلاحي الموجود في إيران وبناء علاقات تجارية ورسمية بين البلدين، مما قد يخدم المصالح الأردنية، خاصة أن إيران تدرك أن الأردن يشكل محوراً استراتيجياً في المنطقة.

العتوم: الأردن معني بالتهدئة مع إيران .. والعلاقات “غير مستقرة”

بدوره، أوضح الأكاديمي والمتخصص في الشأن الإيراني، د. نبيل العتوم، أن العلاقات الأردنية الإيرانية تشوبها حالة من عدم الاستقرار، ومع ذلك، فإن الأردن معني بالتهدئة مع إيران، وأرسل مجموعة من الرسائل التي تركز على أهمية التعاون الثنائي وتطبيع العلاقات بين البلدين بشكل يضمن تحييد الأزمات الإقليمية واتباع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية.

العتوم: أسباب توتر العلاقات بين البلدين تتضمن الرد الإيراني على إسرائيل، حيث أعلن الأردن آنذاك عدم السماح لأي طرف بتحويل مجاله الجوي وأراضيه إلى ساحة لتبادل الرسائل بين الخصوم

كما تشمل أسباب التوتر ملف تهريب المخدرات ومحاولة إيران التأثير على البيئة الداخلية للأردن، وسعي إيران لاستغلال حدودها المشتركة مع سوريا لإرباك الساحة السياسية الأردنية عبر عمليات ممنهجة لتصدير المخدرات.

وأضاف العتوم “أشارت بعض الإحصائيات إلى أن عمليات تهريب الأسلحة تحدث بمعدل 24 يوماً، وتخللها محاولات لتهريب 3 آلاف نوع من الذخيرة، بالإضافة إلى إرسال الطائرات المسيرة.”

وأشار إلى أن تهريب الأسلحة إلى الأردن يثير تساؤلات حول الأهداف الإيرانية من هذه العمليات، التي من شأنها أن تضفي مزيداً من التوتر على العلاقة؛ ورغم إمكانية إرسال الأسلحة عبر وسائل أخرى، فإن إيران كانت تتذرع بحجة إيصالها إلى المقاومة في الضفة الغربية.

الجيش العربي يحبط تهريب مخدرات من سوريا –  24 يوليو 2023

وأضاف العتوم “تحاول إيران استغلال القضية الفلسطينية من خلال سياسة خلط الأوراق والزج بأذرعها في المنطقة بحجة الدفاع عن فلسطين. بناءً على ذلك، اتخذت بعض الإجراءات، مثل دفع الحشد الشعبي إلى الحدود العراقية في محاولة لاختراق الحدود الأردنية، وحشد أذرعها في الجنوب السوري لتبادل الرسائل مع الجانب الإسرائيلي، مما سيؤدي إلى إرباك المشهد الإقليمي برمته وبالتالي المساس بالأمن الوطني الأردني.”

وتابع العتوم الإيرانيون يشاطرون الإسرائيليين الأجندة ذاتها من خلال استنزاف قدرات المنطقة، بما في ذلك الأردن، وفي ضوء سيطرة الحرس الثوري على مركز القرار، لا يمكن بناء علاقات بين البلدين على أسس واضحة.

شحادة: إيران تؤمن بمنهجية تصدير الثورة

من ناحية أخرى، بين المحلل السياسي والخبير في الجماعات والحركات الإسلامية، د. مروان شحادة، أن العلاقات الأردنية – الإيرانية تسودها حالة من الحذر الشديد وعدم الثقة المتبادلة، ويرجع ذلك إلى إيمان الجمهورية الإيرانية بمنهجية تصدير الثورة، كما أن التحالفات التي تقيمها إيران في المنطقة تشكل تهديداً أمنياً ليس فقط على الأردن، بل على الإقليم برمته.

وأوضح شحادة أنه من الجيد تكوين علاقات دبلوماسية بين الأردن وإيران ضمن مسار صحيح، لكن هذه العلاقات قد لا تكون دافئة بالقدر الذي تطمح إليه الدولتان. ومن السيناريوهات المتوقعة أن ينشأ تعاون بينهما في بعض المجالات، إلا أن ملف السياحة الدينية يعتبر الأهم لدى إيران، رغم ما ينطوي عليه من خطورة.

وأضاف شحادة “التواجد الإيراني في المنطقة يشكل خطراً على الأردن، بسبب علاقات طهران مع أذرعها الشيعية القريبة من الحدود الأردنية مع العراق وسوريا، بالإضافة إلى أن تزعم إيران لمحور المقاومة والممانعة يؤثر على مستقبل العلاقات مع الأردن، لأن إيران تعتبر الأردن حليفة لأمريكا، التي تصفها طهران بالشيطان الأكبر”.

وأشار شحادة إلى أن الأردن لا يسعى لبناء عداوات مع الدول. وفي حال لم تتعارض هذه العلاقات مع مصالح الأمن الإقليمي الأردني، فإن التركيز سيكون على تطوير العلاقات في المجالات الاقتصادية، بالإضافة إلى البحث في ملف محاربة تهريب المخدرات، وضبط المجال السياسي والتصعيد الإعلامي ضد الأردن، مما قد يدفع نحو جعل هذه العلاقة مميزة ودافئة ضمن الحد الأدنى.

خلاصة القول: تسوية الملفات العالقة بين البلدين

رغم ما شهدته العلاقات الأردنية الإيرانية من تعقيدات، إلا أن كلا الطرفين يمتلكان إيماناً كبيراً بمدى تأثير الآخر على مجريات الأحداث في الإقليم.

ومن هذا المنطلق، يسعى كل منهما إلى تسوية الملفات العالقة بينهما في محاولة لتعزيز السلام في المنطقة. ومع ذلك، فإن مسار الوصول إلى علاقات دبلوماسية بين الأردن وإيران لا يتحقق إلا بإزالة أسباب هذه التعقيدات.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version