نخبة بوست – رهف عطية
شهدت الساحة السياسية الأردنية مشاركة غير مسبوقة من الشباب في الانتخابات البرلمانية لعام 2024، وذلك كجزء من نتائج الإصلاحات السياسية التي انطلقت لتعزيز دورهم في العمل السياسي.
هذه الإصلاحات فتحت الأبواب أمام الشباب للتعبير عن رؤيتهم وأفكارهم بشكل يضمن لهم مشاركة فعلية في صنع القرار، في ظل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الأردن، حيث يرى الشباب هذه الإصلاحات والتغييرات نافذة أمل للتغيير السياسي؛ لكن يبقى السؤال الأبرز هنا: هل نجحت هذه التجربة في إحداث فرق ملموس بالانتخابات النيابية 2024؟
تعديلات وقوانين عززت مشاركة الشباب
جاءت التعديلات على قانوني الأحزاب والانتخاب لعام 2022 بهدف تمكين الشباب من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية.
ونتيجة لهذه التوجهات والإصلاحات الوطنية، شهد الأردن زيادة في انخراط الشباب في العمل الحزبي، حيث تأسست أحزاب جديدة شغل الشباب فيها مراكز قيادية، كما شكل الشباب نسبة كبيرة من المنتسبين لهذه الأحزاب، كما ساهمت منظمات المجتمع المدني والمبادرات والبرامج الوطنية في تشجيع هذه المشاركة من خلال برامج توعية وتدريب على العمل السياسي، مما منح الشباب فرصة أكبر للمساهمة في الفهم والتحليل والمشاركة الحقيقية.
تحديات المرحلة: عقبات تواجه الشباب
بالرغم من جميع التعديلات القانونية، والبرامج والجهود الوطنية، يبقى الواقع أكثر تعقيدًا وصعوبة من تعديل تلك القوانين.
إضافة إلى ذلك، تتردد بعض الفئات المجتمعية في منح ثقتها للمرشحين الشباب، اعتقادًا بأن الخبرة السياسية لا يمكن تعويضها بالحماس والطاقة وحدهما.
كما أن القدرات المالية المحدودة للأحزاب والبرامج الشبابية، إلى جانب التكاليف الكبيرة التي تتطلبها الحملات الانتخابية في الأردن، دفعت الشباب إلى الاعتماد بشكل أساسي على وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأنفسهم.
وعلى الرغم من أن ذلك ساهم في كسب دعم الفئات الشابة، إلا أنه لم يكن كافيًا للوصول إلى الشرائح التقليدية التي تفضل الوسائل التقليدية لنشر برامج المرشحين، وهي الفئة الأكثر اندماجًا في عملية الانتخاب على مدار السنوات.
كيف يرى الشباب الأردني هذه المرحلة: رحلة زمنية خلال الأعوام ( 1989-2024 )
خمسة وثلاثون عامًا مرت بين بداية الحياة البرلمانية بعد انقطاع طويل، وبداية الحياة الحزبية بعد انقطاع أطول. نحن اليوم نقف على مفترق طرق ذو أثر بالغ، والأسئلة الكثيرة تحوم في الأفق: هل سنرى نفس الأثر والاندفاع الذي شهدناه في برلمان 1989؟
هذا ما تحدث عنه الناشط الشبابي جهاد القاسم في حديثه لـ “نخبة بوست”؛ حيث أشار إلى أن تنوع الأطياف المرشحة للوصول إلى البرلمان العشرين، والمشهد المليء بالاختلاف، يعيدنا إلى حديث رئيس الوزراء الأردني الأسبق مضر بدران عن برلمان 1989، حين كان المجلس يضم إسلاميين ويساريين وقوميين ووطنين كُثُر؛ إلا أن “الوطنيين كانوا أكثر معارضة من المعارضين”، وفقًا لما قاله بدران آنذاك.
وذكر بدران أن المعارضة لم تكن لأجل المعارضة فقط، بل كان الجميع، باختلاف أطيافهم، يجتمعون على حب الوطن، وثوابتهم كانت واضحة لا تقبل التحريف أو التبديل. يا حبذا!
وأضاف القاسم بقوله “يا حبذا لو يقتبس مجلسنا القادم من تجربة ذلك المجلس ذات الأثر والصدى؛ نتمنى أن نرى نسبة اقتراع أعلى، فهذا هو أول مجلس بعد التعديلات على “قانوني الأحزاب والانتخاب” ومخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. بالإضافة إلى دعوات تمكين الشباب والمرأة، ومساعي جلالة الملك الواضحة لنشر أهمية ضخ دماء جديدة في الساحة السياسية الأردنية. على هذا المجلس أن يعيد للدور التشريعي والرقابي مكانته كما ينبغي له. ألن نصل بذلك إلى مبتغانا ونتخلص من عثرات مسيرتنا؟”
وأوضح القاسم أن مشروع التحديث السياسي لا ينتهي بانتخابات العاشر من أيلول، بل يبدأ بها. والتسلسل الزمني الأول يمتد لثماني سنوات أخرى وصولًا إلى برلمانات ذات أغلبية حزبية ومنافسات يتعطش الشباب لخوض غمارها، سيشهدها الأردن ويمارس فيها الشباب والأحزاب دورهم الديمقراطي الواضح.
وأكد أن الوصول إلى هذا الهدف هو مشروع طويل الأمد والكفاح، وهو مشروع وطني واجب على كل مواطن أردني أن يدفعه نحو النور. ويبدأ ذلك أولا بالمشاركة الفاعلة في انتخاب المرشحين القادرين فعلًا على تحقيق رفعة الأردن، والذين يسعون لتحقيق ما يريده الشعب فعلًا، من خلال برامج علنية واضحة.
النقطة الثانية بحسب القاسم تكمن بمراقبة سير العملية الانتخابية، وإدراك أن دور المواطن لا ينتهي بعد التصويت، بل يجب أن يظل متابعًا للتأكد من نزاهة العملية وصدق تمثيل النواب لفكر الشعب وإرادته. وهنا يتجلى دور الواحد والأربعين مقعدًا المخصصة لممثلي الأحزاب، حيث يكون النائب مرغمًا على تنفيذ برنامجٍ اتفق عليه الآلاف من حزبه، والمؤيدين لتلك البرامج، والمؤمنين بالتجديد.
وعي الشباب الأردني بالمرحلة: تساؤلات وطموحات
على صعيد متصل، قدم القاسم تطلعاته بتساؤلات واضحة: هل سنرى مجلسًا أردنيًا نزيهًا وديمقراطيًا، يهز صداه الإقليم ويخيف من صحوة ديمقراطية بين بقية الشعوب العربية؟ وهل سنشهد مجلسًا ينبثق من الشعب ويعمل لأجل الشعب، يحافظ على ثوابت الوطن ويدافع عن قضاياه من خلال حلول وتشريعات وأضواء مسلطة على القضايا الأساسية؟
وقال القاسم هناك العديد من التساؤلات الأخرى تدور في عقولنا، نحن الشباب الذين علقوا آمالهم على هذا البرلمان، وعلى نجاح التجربة الحزبية، وعلى أن يحمل الأردن راية الديمقراطية ويكون رائدًا لها في المنطقة. نتطلع إلى أن نرى حقًا آمالنا تتحقق، والرؤى التي طالما حلمنا بها تصبح واقعًا نحكي عنه ونعرضه للعالم بأسره.
وفي ختام حديثه، حذر القاسم الشباب الأردني من أن كل ما تم إنجازه من تغييرات مرجوة وآمال معقودة هو الآن في أيدينا. أنا وأنتَ وأنتِ، نحن من سنسمح لمن يستحق بالوصول إلى المكان المناسب، ومن سنمنع من لا يستحق.
الشباب في الأحزاب: تجربة شباب “الميثاق الوطني“
من جانبه؛ تحدث الشاب مازن الخضراء عضو حزب الميثاق الوطني لـ “نخبة بوست” عن دور الشباب خلال فترة الانتخابات، حيث أكد أن لهم دورًا بارزًا عبّروا من خلاله عن طاقاتهم وتطلعاتهم لهذه المرحلة، كلٌّ وفق مجاله وخبرته.
وأوضح أن الشباب كانوا جزءًا من كل لجنة واجتماع، وشاركوا بآرائهم وأفكارهم، لافتا إلى أن يوم الانتخابات كان حافلًا، حيث تمكن الشباب من الاندماج مع الميثاقيين من مختلف المحافظات، في سعيهم لتحقيق أهداف الحزب وطموحاتهم آنذاك.
النتائج: بين الواقع والتوقعات
على الرغم من أن النتائج الرسمية أظهرت فوز 6 شباب بالمقاعد الحزبية لمن هم دون الخامسة والثلاثين عامًا، إلا أن هذا العدد لم يرقَ إلى التوقعات الكبيرة التي علّقها الشباب على التعديلات القانونية في العامين الماضيين.
في بعض الدوائر، تمكن الشباب من إحداث تغيير واضح، حيث برزوا بخطاب متزن وقدرة على طرح قضايا تلامس احتياجات الشارع الأردني، مثل البطالة وارتفاع الأسعار والتحديث السياسي والاقتصادي والإداري.
ماذا بعد: هل سيغير الشباب المستقبل، أم المستقبل سيغير الشباب ويثبط طاقاتهم؟
بالمحصلة؛ وفي ظل عدم وصول عدد كبير من الشباب إلى البرلمان، جاءت انتخابات 2024 كمرحلة تأسيسية للشباب الأردني، منحتهم تجربة حزبية وسياسية فتحت لهم الباب لاكتساب الخبرة اللازمة لمواصلة الطريق في المستقبل. على المستوى المحلي، لا تزال الحاجة قائمة لتعزيز ثقة الناخبين بالشباب كقادة سياسيين، ولن يتحقق ذلك إلا بزيادة الوعي السياسي والثقافي في المجتمع، وإعداد الشباب المقبلين على العمل السياسي.
ومع مرور عدة أسابيع على انتهاء الانتخابات، بدأت ملامح المستقبل تتشكل؛ الجميع بات يدرك أن توجه الأردن نحو تعزيز مشاركة الشباب لم يكن مجرد “ترند”، بل بداية حقيقية لعهد جديد. صحيح أن صناديق الاقتراع قد أغلقت، لكن الطريق نحو الإصلاح لا يزال ممتدًا أمامهم، مليئًا بالتحديات والآمال. الشباب الأردني شارك بثقة في هذا الاستحقاق الدستوري مؤمنًا بدوره وتأثيره.
ولكن نجاح هذه التجربة لن يتحقق بجهودهم وحدهم؛ إذا كانت الحكومة ترغب حقًا في تسليم الراية للشباب، يجب أن تواصل بناء جسور الثقة والدعم، وتخلق بيئة سياسية تتميز بالشفافية وتشجيع الدمج الفعلي.
أما المجتمع، فدوره اليوم أكبر من أي وقت مضى؛ يجب أن يعزز صوت الشباب ويشركهم في مساحات الحوار الوطني، حتى يصبحوا جزءًا لا يتجزأ من صنع القرار. كما يجب أن يتقبل فكرة أن الكفاءة هي الأساس في الاختيار، لا أي عامل آخر.
ولن يكتمل هذا المشهد إلا بتجديد البرامج الحزبية لتكون أكثر قربًا من نبض المواطن، قادرة على الإجابة عن تساؤلاته اليومية، ومواجهة التحديات المتزايدة التي تتراكم يومًا بعد يوم؛ وعندما تتحد “الحكومة، المجتمع، والشباب” في مسار واحد، يمكننا أن نرى بذور هذه الانتخابات تنبت في أرض الواقع، وتتحول الأحلام إلى حقائق، والأصوات إلى أفعال، والتغيير إلى واقع ملموس يستمر عبر الأجيال.