نخبة بوست – أماني الخماش
على نحو مفاجئ وقبل نحو عام من اليوم، أعلن القائد العام لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف في بيان أدخل المنطقة برمتها في مرحلة مصيرية “انتهاء الوقت الذي يعربد فيه الاحتلال دون محاسب” لتبدأ بذلك كتائب القسام عملية “طوفان الأقصى”، وتشن هجمات مزدوجة على الأراضي المحتلة، في محاولة لكسر الحصار على غزة واستعادة الأسرى والوقوف في وجه المخططات الإسرائيلية التي تسعى لتهويد فلسطين.
وبالتوازي مع ذلك، جاء الرد الإسرائيلي قاسياً جدا ليبدأ حرب شرسة ضد القطاع وأهله والتي لم تهدأ وتيرتها منذ عام.
ومع تصاعد وتيرة الأحداث؛ تسعى تل أبيب جاهدة إلى ترجمة مشروعها الكبير على أرض الواقع، وخلق شرق أوسط جديد وفقا لرؤيتها، ومن هذا المنطلق أعلنت رغبتها بالاستمرار في الحرب حتى تحقيق أهدافها المعلنة، متجاهلة بذلك ارتفاع فاتورة الحرب التي وصلت إلى 42 مليار دولار، والخسائر الكبيرة التي منيت بها.
حرب غزة تدخل عامها الثاني
اليوم؛ ومع دخول الحرب على غزة عامها الثاني؛ يزداد المشهد تعقيدا حول مصير هذه المعارك الدائرة في القطاع منذ عام، وتتعمق التساؤلات عن مدى إمكانية الحد من تصاعد المواجهات قبل أن تبلغ ذروتها لتدخل المنطقة مرحلة الحرب المفتوحة لاسيما في ظل تصاعد وتيرة المعركة مع جبهات اسنتاد غزة المتمثلة في ايران ومحور المقاومة في لبنان من جهة والعراق اليمن من جهة أخرى.
ومع تصاعد وتيرة العمليات العسكرية في المنطقة لاسيما بعد توجيه إيران ضربات صاروخية على إسرائيل عبر “الوعد الصادق 1″ و ” الوعد الصادق 2 ” تجد تل أبيب في ترميم معادلة الردع فرصة ذهبية لجر طهران إلى سيناريو الحرب الشاملة.
أبو طير: شروط اسرائيل “مستحيلة”
وفي هذا الصدد، أوضح الكاتب والمحلل السياسي ماهر أبو طير أنه من المتوقع الوصول إلى اتفاق، لكن هذا الاتفاق لن يكون محصورًا بغزة بل سيشمل الوضع الإقليمي بشكل عام، خصوصًا لبنان، نظرًا لوجود ترابط بين الجبهات.
ومع ذلك، فإن فرصة هذا الاتفاق تظل “منخفضة” بحسب أبو طير إلا إذا تأكدت إسرائيل أنها تخسر على جميع الجبهات، ولو بشكل جزئي.
وفيما يتعلق بالسيناريوهات المحتملة لنهاية الحرب على غزة، أشار أبو طير إلى أن الأمر مرتبط أولاً بالوضع الميداني في غزة ولبنان، بالإضافة إلى تقديرات واشنطن للوضع قبل الانتخابات الأميركية والمشهد السياسي في إسرائيل.
وأضاف: “يلعب اليوم التالي للحرب في غزة دورًا أساسيًا في تحديد نهايتها، حيث إن لدى إسرائيل تصورًا أسوأ لليوم التالي من الحرب، مما قد يقود إلى وضع أصعب من الوضع الحالي”.
وتابع قائلاً: “هناك ترابط كبير أو متوسط بين الجبهتين، حيث إن إسرائيل تسعى إلى إطفاء كل الأخطار المحتملة من خلال توسيع الحرب؛ ومن المؤكد أنها تحاول الانفراد بالدول التي تشكل خطرًا عليها بشكل متتالي ومتسلسل، في الوقت ذاته، تجاهر تل أبيب بأنها تواجه حربًا مع سبع جبهات، مما يعني أن غزة كانت البداية، وقد تقود إلى حرب إقليمية بشكل تدريجي”.
مدانات: فرصة التوصل إلى اتفاق “بعيدة”
بدوره، أشار المحلل السياسي شادي مدانات إلى أن فرصة التوصل إلى اتفاق ما زالت بعيدة، خاصة أن إسرائيل كانت متوهمة بقدرتها على تحقيق مشروعها وتحويل لبنان إلى غزة ثانية، على الرغم من عدم انتهاء المعارك في غزة.
وبخصوص سيناريو إنهاء الحرب على غزة، أوضح مدانات أن هناك عاملين يتحكمان في هذا الأمر. الأول هو رغبة الولايات المتحدة في الضغط على إسرائيل لوقف الحرب والوصول إلى تفاهمات، وهذا مرتبط بنتائج الانتخابات الرئاسية في أمريكا. أما العامل الثاني فهو مجريات الحرب البرية في لبنان وإمكانية إرهاق إسرائيل من خلال عمليات المقاومة في فلسطين. ومن هذا المنطلق، فإن السيناريو الأفضل هو فتح جبهة الجولان عبر الحلفاء، مما يشغل الاحتلال بجبهة جديدة ويكبده خسائر كبيرة.
وأوضح مدانات أنه رغم توغل الإسرائيليين في قتل المدنيين، إلا أنهم تكبدوا خسائر عديدة أثناء محاولتهم الاجتياح البري للجنوب اللبناني؛ ووسط هذه التداعيات، لن تستطيع إسرائيل تحقيق أهدافها من الحرب، خاصة أن القوة الصاروخية لحزب الله لا تزال بكفاءتها وإمكانياتها.
وأضاف قائلاً: “خلال الفترة القادمة، ستظهر قوة المحور، وسيعاد صياغة معادلة الردع للوقوف في وجه الكيان. وفي ذلك الوقت، سيتدخل الأمريكيون للسيطرة على إسرائيل”.
شنيكات: لبنان أصبحت جبهة الحرب الرئيسية
من جهته، أوضح رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، د. خالد شنيكات، أن لبنان أصبح جبهة الحرب الرئيسية، بينما باتت غزة في المرتبة الثانية. ويُضاف إلى ذلك ارتباط الجبهتين ببعضهما، بالإضافة إلى المناوشات عبر الأراضي السورية واليمنية والعراق، وإن كانت بدرجة أقل بكثير.
كما أكد شنيكات على دور إيران، الدولة الإقليمية الأكبر، التي وجهت ضربات جوية لإسرائيل، مشيراً إلى أنه إذا قامت إسرائيل بالرد، فإن إيران سترد بضربات أخرى.
ولفت شنيكات إلى أن الحديث عن وقف إطلاق النار مرتبط بالميدان ومدى استمرارية إسرائيل في حربها على لبنان وغزة والضفة الغربية، بالإضافة إلى مناوشاتها في سورية واليمن وإيران.
وفي ضوء ذلك، فإن وقف إطلاق النار لن يقتصر على جبهة غزة فحسب، بل سيمتد ليشمل الإقليم برمته الذي دخل في حالة حرب، وأن قرار وقف إطلاق النار، إن حدث، سيطبق على كافة الجبهات العسكرية.
مشيراً إلى أن صناع القرار والحكومة في إسرائيل يضمون بين صفوفهم متطرفين لديهم رغبة في تغيير الإقليم وفقاً لرؤيتهم. وقد تحدث بنيامين نتنياهو عشية الهجمات التي نفذتها إسرائيل على لبنان عن أن منطقة الشرق الأوسط ستشهد تغييراً كلياً، لكن هناك صعوبة تواجه تطبيق هذا السيناريو بسبب مجريات الميدان التي لا تجري كما يتمنى نتنياهو، رغم اعتماده على القوة العسكرية.
وفيما يتعلق بالسيناريو المحتمل لإنهاء الحرب، أشار شنيكات إلى أن الإسرائيليين قد يتخذون قراراً بإيقاف الحرب بسبب العمليات العسكرية والنتائج المخيبة للآمال. وقد تدخل أطراف إقليمية في الحرب، وفي هذه الحالة ستطلب إسرائيل الدعم الدولي لتوسيع الحرب بدخول الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، الذين يشكلون الداعم الأكبر لإسرائيل وإن كان بشكل متفاوت.
ونوّه شنيكات إلى أن غزة ولبنان جبهتان مرتبطتان ببعضهما، تخوضان نفس المعركة لنفس الهدف. وجاءت جبهة لبنان لإسناد جبهة غزة، كما ذكر قادة حزب الله، خصوصاً نصر الله.
مضيفاً أن دخول حزب الله للحرب خفف من الثقل العسكري على جبهة غزة، حيث تستنزف قدرات إسرائيل لدفعها للقبول بالتسوية. وفي ضوء ذلك، انسحبت فرقة 98 والعديد من الوحدات الأخرى من القطاع وذهبت باتجاه لبنان، مما يعني أن حرب غزة لم تعد هي الحرب المركزية.
واختتم بقوله: “إسرائيل لن تقبل بالتسوية بسبب الدعم الاقتصادي والعسكري الذي تلقته، والمقدر بمليارات الدولارات؛ لكن هذا الدعم لن يستمر إلى ما لا نهاية، وفي هذه الحالة ستقبل إسرائيل بالتسوية بحكم ميزان القوة. بالإضافة إلى أن الحرب أنهكت إسرائيل وكبدتها خسائر على الصعيدين الاقتصادي والسياحي، فضلاً عن الخسائر العسكرية، وجميع هذه المعطيات ستترك ندوبًا لا يمكن الشفاء منها بسهولة”.
الملكاوي: استراتيجية التقارب هي الحل
وفي سياق متصل، قال أستاذ الدراسات السياسية والاستراتيجية د. عصام ملكاوي إنه لا أمل في إنهاء الحرب على غزة في الوقت القريب، ولا يمكن التنبؤ بموعده لعدم تحقيق أي من الطرفين حالة انتصار كاملة. وبالتالي، فإن هناك حالة واحدة للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وهي استراتيجية التقارب، بمعنى أن يشعر كل من الطرفين أنهما حققا الانتصار.
وأشار الملكاوي إلى أن استراتيجية التقارب تتمثل في مشهد يقوم بين عاملين: الأول هو أن يصل أحد الأطراف إلى حالة لا يستطيع أن يتحمل فيها المزيد من الخسائر، والثاني هو أن يتحقق إنجاز عسكري لا يستطيع الطرف المعني بعد ذلك تحقيق المزيد. والمسافة الفاصلة بين أكبر خسارة وأقل ربح هي تلك الاستراتيجية، وفي نهاية المطاف ستكون المعادلة (رابح – رابح).
وبيّن الملكاوي أن صاحب الحق يرى نفسه منتصراً لقدرته على إعادة دائرة القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى المربع الأول، والتي كادت أن تُنسى من الذاكرة العربية والعالمية. ومن هذا المنطلق، كانت القدرات القتالية للمقاومة في غزة والضفة ولبنان تعمل على أساس أنها أنجزت شيئاً ما. أما الإسرائيليون فقد وصلوا إلى حالة ظنوا فيها أن الملف الفلسطيني قد دُفن كلياً، وأنهم على مشارف علاقات جديدة مع عالم إسلامي عربي أنهى اعترافه بالقضية الفلسطينية.
وفيما يتعلق بالقدرة على إنهاء الحرب، أشار الملكاوي إلى أن إسرائيل تريد تقديم صورة نصر لمجتمعها الداخلي قبل السابع من أكتوبر، لكن ما حدث هو أنها غرقت في وحل جبهات الحرب. وهنا تكمن نقطة الانعطاف في إمكانية حصول اتفاقية لوقف إطلاق النار، وذلك بسبب فشل إسرائيل في الجبهات الثلاث، سيما أن أمريكا عاجزة عن إعطاء طوق النجاة لإسرائيل لانشغالها بالانتخابات الرئاسية.
ولفت الملكاوي إلى أنه من المنظور العسكري، تفكر إسرائيل في فتح هضبة الجولان لمحاولة إحكام السيطرة على قوات حزب الله من جميع المنافذ. مضيفاً أن السيناريو المطروح لجبهة سوريا كان قائماً على إنهاء حكم النظام السوري الحالي، باعتبار أن المناوشات بين إيران وإسرائيل قد تسفر عن الوصول إلى اتفاق يُفضي إلى منح مكافآت مجزية لإيران مقابل انسحابها من لبنان وسوريا، وبالتالي تصبح هاتان المنطقتان مجالاً حيوياً لإسرائيل، التي تعمل مع الأمريكيين والروس لإخراج إيران من سوريا. وهذا السيناريو مرتبط بالحالة العامة للمنطقة وليس بغزة أو لبنان.
أبو زيد: الحل السياسي هو “الأرجح“
على صعيد متصل؛، قال الخبير العسكري والمحلل السياسي نضال أبو زيد إن السيناريو المتوقع لإنهاء المعارك الدائرة هو التوجه نحو حل سياسي قد يكون مرضياً لأحد الطرفين، والأهم هنا هو من سيقبل بشروط الآخر.
وأشار أبو زيد إلى أن المقاومة ما زالت تقاوم، وهناك معادلة للربط بين الجبهات لم يتم التنازل عنها، تبعاً لنظرية وحدة الساحات واستقلالية الجبهات، التي تعتمد على الربط بين جبهتي غزة ولبنان.
وفيما يتعلق بانعكاس تداعيات حرب لبنان على حرب غزة، أوضح أبو زيد أن مجريات حرب لبنان لن تنعكس بشكل مباشر على غزة، ويرجع ذلك إلى المعادلة التي تسير وفقها كل من غزة ولبنان واليمن، والتي تندرج تحت إطار وحدة الساحات واستقلالية الجبهات، مما يعني أن الارتباطات والهياكل التنظيمية مختلفة.
وأشار إلى أنه بالرغم من ازدياد المعارك وارتفاع وتيرتها في جنوب لبنان، والخسائر التي يتعرض لها الاحتلال بالتزامن مع الخسائر المتزايدة في قطاع غزة، إلا أن الاحتلال ما زال متصلباً برأيه فيما يتعلق برفضه قبول الحل السياسي، حتى تجبره الإدارة الأمريكية على القبول بمفاوضات وفقاً لنظرية “لا غالب ولا مغلوب”.
غيشان: الحرب ستبقى في إطار الاستنزاف
من جهته، بين الكاتب والمحلل السياسي د. نبيل غيشان أن التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار ليس قريباً، ويرجع ذلك إلى أن الأحداث قد تجاوزت هذا الأمر تماماً، والحرب ستستمر في إطار حرب الاستنزاف.
وأضاف قائلاً: “معطيات الاغتيالات والعدوان الهمجي على غزة ولبنان وفشل أمريكا والمنظومة الدولية في وقف إطلاق النار، كل ذلك يشكل انهياراً للمنظومة الأخلاقية العالمية، وبالتالي فإن الاغتيالات التي حدثت أربكت المقاومة اللبنانية، لكنها لن تنتهي ولن تستسلم”.
منذ السابع من أكتوبر لم تهدأ المساعي الدبلوماسية الحثيثة في محاولتها لاحتواء المشهد، ووقف التصعيد العسكري في المنطقة، إلا أنه إلى الآن لم تؤت المحاولات ثمارها، ولم تنجح في جمع جميع الأطراف على طاولة واحدة للاتفاق على صيغة مرضية للجميع.
وفي ضوء ذلك، الحرب التي بدأت من غزة قد لا تنتهي إلا في ميدان غزة، وبشكل تدريجي ستتوقف في جميع الجبهات، وإلى أن يتم الوصول إلى حلول سياسية يبقى مستقبل المنطقة معلقاً بتداعيات ومجريات الميدان، وبنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي لها دوراً مهماً أما في التصعيد أو التهدئة.
سيناريوهات إنهاء الحرب متعددة
في ظل التعقيدات المتزايدة للأوضاع في غزة، تبدو سيناريوهات إنهاء الحرب متعددة، وتعتمد بشكل أساسي على توازن القوى الإقليمية والدولية، حيث تتطلب هذه السيناريوهات إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، فضلاً عن الدعم المستمر من المجتمع الدولي.
وبالمحصلة؛ نجاح أي جهود للسلام يعتمد على تحقيق توازن يضمن حقوق الفلسطينيين ويعالج مخاوف إسرائيل الأمنية؛ كما يجب أن تتضمن الحلول مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الإنسانية والاقتصادية، مع ضرورة إعادة إعمار غزة وضمان عودة الحياة الطبيعية للمدنيين المتضررين.