نحبة بوست – كتب : د. عدلي قندح

ناقش الأردن مؤخرًا مع صندوق النقد الدولي التقدم المحرز في إطار تسهيل الصندوق الممدد (EFF)، مما يعزز من مرونة البلاد والتزامها بالإصلاحات الاقتصادية رغم الضغوط الخارجية. في هذا المقال، نقدم تحليل لأبرز نقاط القوة والضعف والتحديات والفرص التي أظهرها تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في 10 أكتوبر 2024 استنادًا إلى المراجعة الثانية للاتفاقية مع الصندوق، والذي يقيم أداء الاقتصاد الأردني وآفاقه المستقبلية.

أولا: نقاط القوة

الاستقرار الاقتصادي الكلي: تستمر الأردن في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي رغم الصراعات الإقليمية. وقد التزمت الحكومة بتحقيق جميع المعايير الهيكلية ومؤشرات الأداء، مما يبرز التزامها بسياسات اقتصادية قوية.

  1. السياسة النقدية القوية: التزام البنك المركزي الأردني باستقرار الأسعار ساهم في إبقاء التضخم منخفضًا عند 2%، مع الحفاظ على استقرار سعر الصرف. هذا الموقف يعزز ثقة المستثمرين ويعزز مرونة الاقتصاد.
  2. الانضباط المالي: على الرغم من التحديات، نجحت الحكومة الأردنية في السيطرة على العجز الأساسي للحكومة المركزية بنسبة 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي. كما أنها تسير على الطريق الصحيح لخفض الدين العام إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028، مما يظهر التزام الأردن بالاستدامة المالية على المدى الطويل.
  3. تحسن التصنيف الائتماني: حققت الأردن أول ترقية لتصنيفها الائتماني منذ أكثر من 20 عامًا، وهو ما يعكس مصداقية السياسات الاقتصادية والتقدم في الإصلاحات. هذا يعزز جاذبية الأردن للمستثمرين ويفتح أبوابًا جديدة للتمويل.

ثانياً: نقاط الضعف

  1. ارتفاع معدل البطالة: تظل البطالة قضية ملحة، خاصة بين الشباب والنساء. رغم التحسينات الاقتصادية الكلية، لم يتوسع سوق العمل بالسرعة الكافية، مما يحد من الفوائد الأوسع للنمو الاقتصادي.
  2. نقص الإيرادات: أدى ضعف الطلب المحلي وانخفاض أسعار السلع التصديرية إلى تأثير سلبي على إيرادات الحكومة. وعلى الرغم من تعديل السياسات المالية لتعويض هذا النقص، تظل هذه النقطة منطقة ضعف في الاقتصاد الأردني.
  3. عجز قطاع المرافق: تستمر شركات المرافق الأردنية في تشكيل عبء مالي مع استمرار الخسائر التشغيلية. الحاجة إلى إصلاحات لتحسين أدائها المالي أمر بالغ الأهمية لتقليل المخاطر المالية وتعزيز استدامة الخدمات العامة.

ثالثاً: الفرص

  1. رؤية التحديث الاقتصادي: توفر رؤية الأردن للتحديث الاقتصادي على المدى الطويل خارطة طريق واضحة للإصلاحات التي تهدف إلى جذب الاستثمار، وتعزيز بيئة الأعمال، وتحسين كفاءة الخدمات الحكومية. يعتبر التحول الرقمي في نظامي الضرائب والجمارك خطوة كبيرة نحو تبسيط الإجراءات.
  2. الدعم الدولي: يوفر الدعم الدولي المستمر، خاصة في ظل استضافة الأردن للاجئين السوريين، فرصًا لتعزيز التعافي الاقتصادي وضمان استقرار البلاد ماليًا وسياسيًا وسط الأزمات الإقليمية.
  3. الإصلاحات الهيكلية: من خلال تسريع الإصلاحات الهيكلية – مثل زيادة مرونة سوق العمل، وتحسين المنافسة، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي – تمتلك الأردن فرصة لتحقيق نمو اقتصادي أعلى، مما سيوفر المزيد من فرص العمل ويرفع مستويات المعيشة.

رابعاً: التهديدات

  1. الصراعات الإقليمية: يشكل تصاعد الصراعات في الدول المجاورة خطرًا كبيرًا على الاقتصاد الأردني. تؤدي التوترات الجيوسياسية المستمرة إلى حالة من عدم اليقين في مجالات التجارة والاستثمار والأمن، مما قد يعوق آفاق النمو في السنوات المقبلة.
  2. الاعتماد على المساعدات الخارجية: يعتمد الأردن بشكل كبير على الدعم الدولي للتعامل مع الصدمات الخارجية، وهو سلاح ذو حدين. فعلى الرغم من فائدته على المدى القصير، فإن الاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية قد يخلق نقاط ضعف إذا تدهورت الظروف الاقتصادية العالمية أو انخفضت المساعدات الدولية.
  3. الضغوط الاقتصادية الخارجية: لا تزال التقلبات في أسعار السلع العالمية والطلب على الصادرات تشكل مخاطر على الاقتصاد الأردني. الأداء الأضعف من المتوقع في بعض القطاعات التصديرية الرئيسية هذا العام يبرز مدى ضعف اقتصاد الأردن الذي يعتمد على التجارة.

خامساً: مرونة والتزام

يظهر أداء الأردن في إطار تسهيل الصندوق الممدد مع صندوق النقد الدولي مرونة البلاد والتزامها بسياسات اقتصادية سليمة. وعلى الرغم من وجود نقاط قوة كبيرة – مثل الاستقرار الاقتصادي الكلي، والسياسات المالية المنضبطة، ووعد الإصلاحات الهيكلية – إلا أن التحديات مثل ارتفاع معدلات البطالة وعدم الاستقرار الإقليمي يجب معالجتها لتحقيق إمكانات الاقتصاد الأردني الكاملة. سيكون مفتاح النجاح هو قدرة الأردن على تجاوز هذه التحديات مع تسريع وتيرة الإصلاحات لضمان نمو مستدام وتحسين مستويات المعيشة

سادساً: مقترحات أخرى لتحسين الأداء

لا شك أن الجهود التي بذلها الأردن كبيرة للمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات لتحسين الأداء الاقتصادي. نقدم أدناه بعض الأفكار العملية لتحسين الأداء الاقتصادي، ودعم صمود ومقاومة الاقتصاد، لتحقيق التنمية المستدامة.

  • الاستقرار النقدي: إلى جانب الحفاظ على الاستقرار النقدي، يمكن اصدار “سندات خضراء” للمواطنين، بحيث يتم توجيه العوائد إلى تمويل مشاريع الطاقة المتجددة. يمكن للمواطنين الاستثمار في هذه السندات بعوائد منخفضة ولكن مضمونة، مما يعزز الشمول المالي ويسهم في تمويل مشاريع البنية التحتية الخضراء بطريقة مبتكرة.
  • الدعم الخارجي: بالإضافة إلى المساعدات الخارجية، يمكن إنشاء “منصة تمويل جماعي” دولية موجهة لمشاريع التنمية المستدامة في الأردن، حيث يمكن للأفراد والمنظمات الدولية الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة. هذه المنصة ستتيح للأردن الوصول إلى مصادر تمويل جديدة ومبتكرة لتعزيز النمو المستدام، مثل الطاقة المتجددة والزراعة الذكية.
    1. جهود التنويع: لتعزيز التنويع الاقتصادي، يمكن إنشاء “مناطق اقتصادية ذكية” متخصصة في الصناعات المستقبلية مثل تصنيع السيارات الكهربائية والطائرات بدون طيار. مثل هذه المناطق ستكون مدعومة بالبنية التحتية المتطورة وتوفر حوافز ضريبية للشركات العالمية والمحلية للاستثمار فيها، مما سيخلق فرص عمل ويعزز الابتكار .
    1. إصلاح سوق العمل: إلى جانب منصة التوظيف الإلكتروني، يمكن إنشاء المزيد من “حاضنات ريادة الأعمال المتخصصة” في المدن الكبرى والصغرى لتشجيع رواد الأعمال على تطوير شركاتهم الناشئة، خصوصًا في القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا والزراعة والطاقة. ستوفر الحاضنات دعمًا ماليًا واستشاريًا لتسريع نمو المشاريع الصغيرة، بالإضافة إلى تمكين الفئات الشبابية والنساء في هذه المجالات.
  • الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار: بالإضافة إلى إنشاء صناديق استثمار، يمكن إطلاق “برنامج وطني للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية” بالشراكة مع القطاع الخاص والجامعات، حيث يتم تطوير حلول ابتكارية لتحسين الخدمات المالية والبنكية، مثل الذكاء الاصطناعي في مكافحة الاحتيال وتطوير تقنيات الدفع الرقمي، مما يسهم في تحديث البنية التحتية المالية وزيادة الكفاءة.
  • إدارة الدين العام: لتحسين إدارة الدين العام، يمكن إنشاء وكالة وطنية مستقلة لمراقبة الإنفاق الحكومي وتقييم فعالية المشاريع، مع نشر تقارير دورية حول الفعالية الاقتصادية لكل مشروع ممول من الدين العام. هذه الوكالة ستساعد في تحسين الشفافية وتقليل الهدر المالي. وإلى جانب إنشاء وكالة لمراقبة الإنفاق، يمكن إطلاق “منصة شفافية مالية” متاحة للجمهور تمكن المواطنين والمستثمرين من متابعة تفاصيل المشاريع الحكومية الممولة من الدين العام ومراقبة تنفيذها. هذه المنصة ستعزز الشفافية والمسائلة، وتزيد من ثقة المواطنين والمستثمرين في إدارة المالية العامة.
  • إصلاحات قطاع الطاقة: إلى جانب الحوافز المالية للطاقة النظيفة، يمكن إطلاق “برنامج تبادل الطاقة” بين المنازل والمصانع، حيث يمكن للمنازل التي تولد طاقة متجددة فائضة (مثل الطاقة الشمسية) بيع الفائض للشركات والمصانع القريبة. هذا النظام يمكن أن يقلل من تكلفة الطاقة على المصانع ويشجع الأفراد على الاستثمار في الطاقة المتجددة.
    1. التجارة الإقليمية والدبلوماسية: لتعزيز التجارة الإقليمية، يمكن إطلاق “مبادرة التعاون الصناعي العربي” لتطوير صناعات مشتركة بين الأردن والدول المجاورة، مع التركيز على تصنيع المنتجات التي تخدم الاحتياجات المشتركة مثل الأدوية والمواد الغذائية. سيساهم هذا التعاون في تقليل تكاليف الإنتاج وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات المحلية في الأسواق الإقليمية.
  • تنويع الشركاء التجاريين والاستثماريين: يمكن تعزيز هذه الجهود من خلال إطلاق استراتيجية وطنية لتنويع الأسواق تستهدف دخول أسواق جديدة في أفريقيا وآسيا، وتقديم حوافز للشركات الأردنية للتوسع في تلك الأسواق. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تطوير برامج تعاون مشترك مع الدول المستهدفة لتعزيز التجارة الثنائية. وإلى جانب تنويع الشركاء التجاريين، يمكن إطلاق “مبادرة الشركات المتعددة الجنسيات الصغيرة”، التي تهدف إلى تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة في الأردن على التعاون مع نظيراتها في الدول النامية في آسيا وأفريقيا، مما يمكنها من الوصول إلى أسواق جديدة وتبادل التكنولوجيا والخبرات.
  • تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي: لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، يمكن إنشاء صندوق طوارئ وطني تموله المنظمات الدولية لتوفير دعم مالي سريع للعائلات المتضررة من الأزمات الإقليمية أو الأزمات الاقتصادية، بما يساعد في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي خلال الأزمات. بالإضافة إلى صندوق الطوارئ، يمكن إطلاق “منصة وطنية للرعاية الاجتماعية الرقمية”، حيث يمكن للمواطنين المستحقين تقديم طلبات للحصول على الدعم الاجتماعي عبر الإنترنت، مما يقلل من الإجراءات البيروقراطية ويضمن توزيع المساعدات بشكل أكثر كفاءة وسرعة.
  • الانضباط المالي مع الاستثمار الاستراتيجي: يمكن تعزيز الانضباط المالي من خلال إطلاق “مشروع المدن الذكية” الذي يركز على تحسين الخدمات العامة من خلال الرقمنة والذكاء الاصطناعي، مثل تحسين إدارة المرور، توفير الطاقة، وإدارة المياه. هذه المشاريع ستوفر استثمارات جديدة وتعزز من كفاءة الموارد، مما يساهم في النمو المستدام.

بإضافة هذه الأفكار الريادية، يمكن للأردن تعزيز أدائه الاقتصادي بشكل أكثر فعالية وابتكارًا. إن التركيز على الشفافية، التكنولوجيا، والابتكار المستدام سيجعل الاقتصاد الأردني أكثر قدرة على التكيف مع التحديات العالمية والإقليمية، مع تعزيز النمو والتنمية الشاملة.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version