نخبة بوست – أماني خماش

مع التطور السريع للتكنولوجيا وازدهار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت إلى السطح تحديات جديدة تهدد أمن وسلامة المستخدمين، أبرزها ظاهرة” التحرش الإلكتروني” هذا الوجه الأسود للعالم الرقمي يعكس الجانب المظلم لتلك المنصات التي أُنشئت أساسًا لتعزيز التواصل والتفاعل الإيجابي بين الناس.

ويرى الخبراء أن التحرش الإلكتروني لا يقتصر على كونه مجرد إزعاج عابر وحسب، بل يمتد ليصبح تهديدًا حقيقيًا يتسبب في أذى نفسي واجتماعي كبير للضحايا، وخصوصًا النساء والفتيات، لذا يُعد فهم أبعاد هذه الظاهرة والسبل الممكنة لمكافحتها أمرًا ضروريًا لضمان بيئة رقمية آمنة ومحترمة للجميع.

“ريم”.. تروي تعرضها للابتزاز من خطيبها السابق

تقول الثلاثينية ريم إنها تعرضت للابتزاز عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل خطيبها السابق، الذي سرق حسابها على تطبيق الفيسبوك بعد أن قامت بفسخ الخطوبة، وكنوع من العقوبة، نشر صورها من غير حجاب وبدأ بمحادثة صديقاتها برسائل غير أخلاقية، فتوالت الاتصالات على هاتفها من قبل عائلتها وصديقاتها لمهاجمتها على فعلتها التي لم ترتكبها من الأساس.

حاولت ريم مرارًا الدخول إلى حسابها ولكن دون جدوى، بعد عودتها إلى المنزل، ذهبت مع أهلها إلى وحدة الجرائم الإلكترونية لإبلاغهم عما حدث وتقديم الشكوى، وخلال مدة زمنية قصيرة، استطاعت الوحدة معرفة هوية الفاعل ومن ثم تمت إحالته للقضاء وإعادة الحساب لصاحبته.

الحال قد يبدو مختلفا بعض الشيء لدى المصورة هبة التي تعرضت أيضا للتحرش الإلكتروني إلا أنها فضلت الصمت عن ذلك وعدم اللجوء إلى الجرائم الإلكترونية.

وفي هذا الصدد، تقول هبة بدأت القصة عندما قمت بتحميل تطبيق سناب شات بهدف البحث عن عمل من خلال عرض ما تلتقطه من صور، وتضيف “خلال فترة وجيزة، حصد حسابي آلاف المتابعات، وتخلل ذلك إرسال صور ومقاطع فيديو مسيئة من قبل بعض المتابعين، مما دفعني إلى حذف التطبيق والاستغناء عنه بشكل كامل”.

معاقبة المتحرش وفقا للنصوص القانونية

وفي هذا المحور، أوضحت المحامية تغريد الدغمي أنه يمكن قانونيًا تعريف التحرش من خلال تجريم الأفعال في النصوص القانونية.

واشارت إلى ان التحرش الإلكتروني هو نشاط يكون من خلال استخدام التقنيات الرقمية، سواء من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أو الرسائل أو الهاتف.

يقوم المتحرش بإرسال رسائل أو صور أو فيديو منافٍ للأخلاق، أو مكالمات صوتية، أو التلفظ بكلمات أو وضع تعليقات أو نكات ذات إيحاء جنسي، أو طلب ممارسة الجنس الإلكتروني، وقد تصل إلى ابتزاز الشخص وتهديده بنشر الصور والرسائل

وبينت الدغمي أن أنواع التحرش الإلكتروني متعددة، منها التحرش اللفظي من خلال إرسال رسائل أو مكالمات صوتية منافية للأخلاق أو وضع تعليقات جنسية، بالإضافة إلى التحرش البصري من خلال إرسال صور أو مقاطع فيديو خادشة للحياء أو طلب القيام بأفعال فاضحة أو قيام المتحرش بذلك. ومن أشكال التحرش أيضًا التحرش بالإكراه، وهو قيام المتحرش باختراق جهاز الضحية والحصول على صورها الشخصية وتهديدها بنشر الصور أو النيل من سمعتها.

وأشارت الدغمي إلى أن قانون الاتصالات جرم كل من أقدم بأي وسيلة من وسائل الاتصالات على توجيه رسائل تهديد أو إهانة أو إرسال رسائل منافية للآداب بالحبس مدة لا تقل عن سنة أو بغرامة لا تقل عن 300 دينار ولا تزيد عن 2000 دينار أو بكلتا العقوبتين.

وفي السياق ذاته، بين الخبير القانوني د.صخر الخصاونة أن المشرّع الأردني لم يعرف التحرش بشكل واضح، إلا أنه عاقب على صور تدخل تحت مفهوم التحرش.

بموجب قانون الجرائم الإلكترونية، عاقب المشرع كل من يقدم على ارتكاب فعل الذم والقدح والتشهير ونشر الصور أو نشر ما يحرص الإنسان على صونه

وأوضح الخصاونة أن قانون الجرائم الإلكترونية الجديد نص على عدد من العقوبات، منها عقوبة الحبس بمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة مالية لا تقل عن عشرين ألف دينار ولا تزيد عن أربعين ألف دينار، لكل من استخدم منصة تواصل اجتماعي لنشر تسجيل أو صورة أو فيديو وكل ما يحرص الشخص على صونه بقصد الإساءة أو الحصول على أي منفعة وإن كان قد حصل عليها بطرق مشروعة. ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة وعشرين ألف دينار ولا تزيد على خمسين ألف دينار، من استخدم منصة التواصل الاجتماعي لإجراء معالجة على تسجيل أو صورة أو مشهد أو فيديو لما يحرص الشخص على صونه بقصد التشهير أو الإساءة أو الحصول على منفعة.

عندما يتحول الصمت إلى عبء .. قصص فتيات يتعرضن للتحرش والابتزاز الإلكتروني

على صعيد متصل، عرضت منسقة شبكة مناهضة العنف ضد المرأة، روان صرايرة، ملخصًا تنفيذيًا لدراسة أجرتها الشبكة، تتناول زيادة حالات العنف الرقمي المُرتكبة ضد النساء، أجريت الدراسة من خلال استطلاع تجارب (525) سيدة وفتاة يعشن في الأردن، من خلال توزيع استبانة تحتوي على (28) سؤالًا.

وأفادت الصرايرة أن نتائج الدراسة أظهرت أن 28% من المستجيبات تعرضن للعنف الرقمي. وتبعًا لتحليل العلاقة التبادلية بين مدى التعرض للعنف الرقمي والحالة الاجتماعية، بينت النتائج أن المطلقات هن الأكثر عرضة للعنف، حيث أكدت 53.1% تعرضهن للعنف الرقمي. أما بما يتعلق بالمستوى التعليمي للنساء، بينت النتائج أن المستوى التعليمي للإناث غالبًا لا يحميهن من العنف الرقمي؛ حيث أفادت 38% من الحاصلات على الدكتوراه والماجستير تعرضهن للعنف الرقمي.

وأوضحت الصرايرة أن توصيات الدراسة أظهرت أنه يجب توفير الدعم النفسي اللازم لضحايا العنف الرقمي، ومن جهة أخرى إجراء تعديلات قانونية لتشديد العقوبات على المتحرشين، وتكثيف برامج ودورات التوعية بالسلامة الرقمية للنساء.

وأشارت الأرقام الخاصة بالجرائم الإلكترونية لدى المجلس القضائي إلى أن عدد التهم بقضايا الجرائم الإلكترونية بين عامي 2019 – 2023 بلغ 22 ألفًا و759، وعدد المشتكى عليهم مع إزالة التكرار للشخص الواحد في نفس القضية والإبقاء على القضايا الأخرى 21 ألفًا و654.

وبينت دراسة أجرتها اللجنة الوطنية لشؤون المرأة قبل عامين أن العنف الإلكتروني هو “الأكثر شيوعًا” بين أشكال التحرش، وأظهرت نتائج الدراسة تعرض 63.1% من المستجيبات للعنف الإلكتروني.

حجج واهية تبرر فعل التحرش

من جهتها، بينت الباحثة لدى مؤسسة جمعية تضامن النساء الأردني د. زهور غرايبة أن أسباب انتشار ظاهرة التحرش كثيرة، أبرزها اعتقاد المتحرش بأن جميع الأماكن والفضاءات مفتوحة له بسبب نوعه الاجتماعي، بالإضافة إلى تبرير المتحرش فعله هذا متحججًا بلباس الفتيات ونشر صورهن على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأشارت إلى أن التصدي لهذه الظاهرة يبدأ من الضحية نفسها، وذلك من خلال عدم سكوتها على سلوك المتحرش وتقديم بلاغات أمنية بحقه، بالإضافة إلى تنفيذ جلسات لرفع الوعي فيما يتعلق بالسلامة الإلكترونية، والاتجاه إلى مفهوم العيادات الرقمية.

ونوهت غرايبة  إلى أن النساء والفتيات من ضمن الفئات الأكثر استغلالًا في هذا الجانب، حيث يتعرضن إلى المطاردة والابتزاز والتحرش الجنسي، إذ أظهرت الإحصاءات زيادة في حالات التحرش بين عامي 2019 و2020 بمقدار ألفي جريمة إلكترونية، حيث سُجلت 9500 جريمة إلكترونية لعام 2020.

أسباب انتشار التحرش ومنهجية العلاج

وحول أسباب التحرش، قالت المحامية نسرين زريقات إن دوافع القيام بفعل التحرش متعددة فمنها الاجتماعية، النفسية والأخلاقية، والأهم غياب منظومة التربية السلمية والمشاكل العائلية والبعد عن الأجواء الأسرية الصحية والسليمة، التي تغيب عنها المحبة والمودة والتي بدورها تعزز العزلة الاجتماعية وعدم الانفتاح نحو الآخر، مما يؤدي إلى مشاكل نفسية تدفع البعض للقيام بالتحرش.

أما في يتعلق بمنهجية العلاج، لفتت زريقات إلى وجود أساليب متعددة من ضمنها الحفاظ على منظومة اجتماعية وأخلاقية وتربوية متكاملة، تعنى برفع الوعي للنساء والأسر والمجتمع، بالإضافة إلى الدور المهم لوسائل الإعلام بتعزيز الأمن الرقمي، ودور العبادة التي تلعب دورا مهما بهذا الاتجاه، إضافة الى وجود آلية حقيقة لمعالجة العنف المجتمعي والعزلة الاجتماعية، مع ضرورة الاهتمام بالمناهج المدرسية والأنشطة اللامنهجية.

عدم الصمت حيال التحرّش ..

بالرغم من اتساع ظاهرة “التحرش الإلكتروني” وانتشارها، إلا أن السبيل الوحيد لاجتثاث هذه الظاهرة من جذورها يكمن في نشر ثقافة الوعي لدى المجتمع ككل لمعرفة كيفية التعامل مع مثل هذه القضايا، وعدم الصمت حيال التحرش أو الرضوخ لعمليات الابتزاز،كما يتطلب الأمر تعزيز مفهوم العيادات الرقمية والأمن الرقمي للحد من حالات التحرش والابتزاز الالكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version