نخبة بوست – شذى العودات
في الأيام الأخيرة من عهد حكومة بشر الخصاونة، وتحديداَ في 12 سبتمبر الجاري أقرت الحكومة القرار رقم “62” لسنة 2024، والذي يتضمن تعديلات ضريبية شاملة على جميع منتجات التدخين.
وشملت التعديلات السجائر التقليدية، معسل الأرجيلة، منتجات التبغ المسخن، والسجائر الإلكترونية ايضا؛ ولكن الزيادة على السجائر الإلكترونية فاقت المعقول بحيث وصلت إلى ما نسبته 1200%، مما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية والصحية.
ومنذ صدور القرار وُجهت له انتقادات حادة ، حيث اعتبره القطاع ضربة قوية؛ خصوصاً مع غياب الوقت الكافي للشركات للتكيف مع هذه الزيادة، مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار السجائر الإلكترونية؛ هذا الارتفاع أثر بشكل مباشر على المستهلكين، ودفع بعضهم للعودة إلى التدخين التقليدي.
ولتسليط الضوء عن كثب على هذا الموضوع؛ نتناول ضمن هذا التقرير آراء الخبراء والمختصين حول التأثيرات المتوقعة لهذه الخطوة من جميع الجوانب.
“مستوردي السجائر الإلكترونية” : قرار غير منطقي
وفي هذا السياق؛ قال الناطق باسم شركات استيراد السجائر الإلكترونية أنس رمزي، في تصريح خاص لـ “نخبة بوست”، من الضروري تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة حول تأثير السجائر الإلكترونية، مؤكداً أن اعتبار السجائر الإلكترونية ضارة بقدر السجائر التقليدية هو تصور “غير علمي” تماماً.
وأوضح أن الدراسات التي أجرتها هيئة الصحة العامة في بريطانيا وأبحاث أخرى أمريكية تشير إلى أن السجائر الإلكترونية أقل ضرراً بأكثر من 90% مقارنة بالتدخين التقليدي.
وأكد رمزي أن القرار الأخير الذي اتخذته الحكومة الأردنية يعامل هذه المنتجات وكأنها تضاهي التدخين التقليدي من حيث الأضرار الصحية، وهو ما وصفه بأنه مغالطة كبيرة.
وأشار رمزي إلى تأثير الزيادة الضريبية على الأسعار، موضحاً أن أسعار السجائر الإلكترونية شهدت ارتفاعاً غير مسبوق؛ وقائلاً :
وفيما يتعلق بالأزمة المالية التي تواجه شركات الاستيراد، كشف رمزي أن التحدي الأكبر يتمثل في كميات البضائع العالقة في المطار وبلد المنشأ، والتي تم دفع ثمنها بالكامل قبل صدور القرار الضريبي الجديد. وأضاف أن هناك كميات ضخمة من المنتجات التي كانت معدة للتوزيع، ولكن لا يمكن تخليصها بسبب ارتفاع الضرائب بشكل غير معقول.
وحذّر من التأثيرات الاجتماعية المحتملة للقرار، مشيراً إلى أنه إذا استمر الوضع على هذا الحال، فسيؤدي إلى إغلاق آلاف المحلات التجارية التي تعتمد على تجارة السجائر الإلكترونية.
وبيّن رمزي أن القطاع يوظف بشكل مباشر وغير مباشر نحو 25 الف شخص، مما يعني أن آلاف الأسر مهددة بفقدان مصدر رزقها، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة في الأردن، ويؤثر على مستوى معيشة آلاف المواطنين الذين يعتمدون على هذا القطاع في حياتهم اليومية.
دية : رفع الضرائب المفاجئ يزعزع استقرار السوق ويعزز السوق السوداء
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي منير دية ، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، رؤيته حول التأثيرات الاقتصادية السلبية لهذا القرار المفاجئ، مشيراً إلى أن رفع الضرائب بشكل مفاجئ ودون منح الشركات فرصة زمنية للتكيف معها يُعد خطوة غير محسوبة، مما يؤثر بشكل مباشر على استقرار السوق الأردني.
وشدد على الحاجة إلى بيئة اقتصادية مستقرة وثابتة لجذب الاستثمارات، معتبراً أن القرارات الفجائية تزعزع الاستقرار وتدفع المستثمرين إلى البحث عن بيئات أكثر استقراراً خارج الأردن.
وأشار دية إلى أن هذه السياسات لا تزيد الإيرادات كما قد تأمل الحكومة، بل تقلل من حجم السوق وتدفع المستهلكين إلى الشراء من مصادر غير شرعية؛ وبيّن أن هذا الانعكاس السلبي يؤثر على الاقتصاد الوطني ويؤدي إلى خسائر كبيرة للشركات العاملة في هذا القطاع.
وتطرق دية إلى العواقب المتوقعة لهذه السياسات، مؤكداً أن الاعتماد المفرط على زيادات ضريبية مفاجئة يعكس نهجاً اقتصادياً غير مستدام.
وفسّر دية أن هذه السياسات تؤدي إلى خلق بيئة غير جاذبة للاستثمار وتدفع المستثمرين إلى سحب أموالهم من السوق الأردني، مما ينعكس سلباً على الاقتصاد الوطني ويؤثر بشكل طويل الأمد على النمو الاقتصادي.
قطامين: قرار رفع الضرائب المفاجئ، إذا ما تم معالجته قد يُفجّر أزمة شعبية
وفي هذا السياق، أشار وزير العمل الأسبق الدكتور معن قطامين ، خلال حديثه لـ”نخبة بوست”، إلى أن قرار رفع الضرائب المفاجئ على السجائر الإلكترونية قبل يوم واحد فقط من مغادرة حكومة الدكتور بشر الخصاونة لا يستند إلى أي مبرر واضح.
وتساءل عن سبب عدم اتخاذ هذا القرار خلال السنوات الأربع الماضية، موضحًا أن الخطوة قد تكون بمثابة “فخ” للحكومة الجديدة، وإلا كان يتوجب على الحكومة السابقة تقديم تبرير واضح للمواطنين.
وتابع القطامين حديثه بأنه إذا لم تتمكن حكومة حسان من معالجة هذا القرار، فإنها ستفقد شعبيتها؛ مشيراً إلى أن المشكلة لا تقتصر فقط على رفع الضريبة الجمركية، بل تشمل أيضًا أسلوب اتخاذ القرار دون تهيئة الجهات المعنية لترتيب أولوياتها، مما أضر بسمعة الاستثمار في الأردن.
ودعا القطامين الحكومة الجديدة إلى تبني نهج اقتصادي جديد، بعيدًا عن سياسات الجباية واستنزاف أموال المواطنين.
عبيدات : الدراسات حول تأثيرات السجائر الإلكترونية طويلة الأمد لا تزال محدودة نسبياً
ومن الجانب الصحي، قدمت مديرة مكتب مكافحة السرطان في مركز الحسين للسرطان، د. نور عبيدات، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، رؤيتها حول التأثيرات الصحية للسجائر الإلكترونية، مؤكدة على ضرورة توخي الحذر عند تقييم هذه المنتجات.
وأوضحت أن معظم ما يُعرف عن تأثير التدخين التقليدي يأتي من دراسات طويلة الأمد أثبتت أنه يسبب حوالي 15 نوعاً من أنواع السرطان؛ أما بالنسبة للسجائر الإلكترونية، فرغم وجود أدلة على احتوائها على مواد مسرطنة وسامة، إلا أن الدراسات حول تأثيراتها طويلة الأمد لا تزال محدودة نسبياً.
وحذرت عبيدات من ازدياد استخدام السجائر الإلكترونية بين الشباب، موضحةً أن هناك تزايداً ملحوظاً في استخدامها بين الشباب والنساء، ليس فقط في الأردن بل على المستوى العالمي.
وأكدت أن هذا الانتشار قد يؤدي إلى تطور حالات إدمان على النيكوتين، وربما يدفع البعض لاحقاً إلى التدخين التقليدي.
وشددت على ضرورة إجراء مزيد من الدراسات لتحديد التأثيرات الصحية للسجائر الإلكترونية، خاصةً على المدى الطويل، وأعربت عن أملها في أن يتم التركيز على توعية الشباب والمستهلكين حول المخاطر الصحية المحتملة لهذه المنتجات.
واختتمت عبيدات أن هناك حاجة كبيرة إلى توخي الحذر عند مقارنة السجائر الإلكترونية بالتدخين التقليدي؛ لأن هذه المقارنة قد تضلل الجمهور وتجعلهم يعتقدون أن هذه المنتجات آمنة تماماً.
هل يستحق القطاع هذه الضربة؟
في ضوء التداعيات المتعددة لقرار زيادة الضرائب على السجائر الإلكترونية، تتضح الحاجة إلى مقاربة متوازنة تضع في الاعتبار مصالح كافة الأطراف؛ فقد أدت هذه الزيادة الكبيرة إلى تأثيرات سلبية على قطاع ناشئ يوفر فرص عمل لآلاف المواطنين، بينما أدت إلى اضطرابات في السوق وزيادة في أسعار المنتجات، مما قد يدفع المستهلكين إلى العودة للتدخين التقليدي أو اللجوء إلى السوق السوداء.
من جانب آخر، لا تزال المخاوف الصحية قائمة بشأن انتشار السجائر الإلكترونية بين الشباب وتأثيراتها المحتملة على الصحة العامة، أمام هذه التحديات، تبدو الحاجة ملحة إلى مراجعة السياسات الضريبية لضمان توازن يخدم الاقتصاد والصحة العامة؛ فهل يستحق القطاع هذه الضربة، أم أنه بالإمكان تحقيق أهداف الحكومة عبر مقاربة أكثر توازناً؟