نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية

في ظل تصاعد التوترات في الأراضي الفلسطينية وتزايد الهيمنة اليمينية المتطرفة على الساحة السياسية الإسرائيلية، يبرز مفهوم “الترانسفير السياسي” كأحد السيناريوهات التي تطرحها إسرائيل للتعامل مع القضية الفلسطينية؛ هذا المفهوم، الذي يتمحور حول إعادة توزيع الفلسطينيين جغرافياً دون الحاجة إلى الترحيل الفعلي، يأتي في سياق استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تقليص الوجود الفلسطيني في مناطق الضفة الغربية، لا سيما في المنطقة (ج) التي تشكل نحو 62% من مساحتها.

و يعتمد هذا التوجه على سياسات ضاغطة تدفع الفلسطينيين إلى الانتقال إلى المنطقتين (أ) و(ب) اللتين تقل مساحتهما عن 40% من الضفة الغربية، وهي مناطق مقيّدة بفعل البؤر الاستيطانية، والطرق الالتفافية، مما يجعل إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة أمراً مستحيلاً.

وفي موازاة ذلك، تسعى إسرائيل عبر “صفقة القرن” إلى خلق روابط فيدرالية أو كونفدرالية بين الضفة الغربية والأردن، بحيث يصبح الفلسطينيون جزءاً من كيان أكبر، مما يتيح لإسرائيل التخلص من “العبء” السكاني الفلسطيني دون الحاجة إلى دمجهم داخل إسرائيل أو تحمل مسؤولية منحهم الجنسية.

الرنتاوي لـ "نخبة بوست": هذا هو "الترانسفير السياسي"
خارطة “صفقة القرن”

وتمثل هذه السياسات تهديداً مباشراً ليس فقط للقضية الفلسطينية، ولكن أيضاً لاستقرار المنطقة برمتها، إذ تثير مخاوف بشأن المستقبل السياسي للأردن، والعلاقات الإقليمية، والتداعيات الإنسانية والاجتماعية التي قد تنتج عن هذه الخطط.

من جانبه، كشف الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي في منشور له على منصة “إكس” عن معلومات من مصادر خاصة تفيد بأن الحرب لن تنتهي إلا بتغييرات جذرية في الخرائط الجغرافية؛ موضحاً أن هذه التغييرات تشمل تحويل ثلث قطاع غزة إلى منطقة للاستيطان، وإنشاء منطقة عازلة خالية من السكان بعمق 10 كيلومترات في جنوب لبنان؛ مشيراً إلى ضم المنطقة (ج) من الضفة الغربية، مع دفع الفلسطينيين في المنطقتين (أ) و(ب) نحو الأردن، في ما وصفته المصادر بـ”ترانسفير سياسي”، ولقراءة الخبر كاملا انقر هنا.

الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاري

الرنتاوي: “الترانسفير السياسي”؛ لتقليص الوجود الفلسطيني وربط الضفة بالأردن

وفي هذا الصدد، أكد عريب الرنتاوي ، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن الترانسفير السياسي في السياق الفلسطيني الراهن، وفي ظل هيمنة اليمين الفاشي على مراكز صنع القرار في إسرائيل، يتمثل في تكثيف وتجميع الفلسطينيين في المنطقتين (أ) و(ب) من الضفة الغربية وفق تقسيمات اتفاقية أوسلو، مع ضم المنطقة (ج) التي تشكل 62% من مساحة الضفة.

المناطق “أ” و “ب” و “ج” ، حسب إتفاقية أوسلو

وأوضح أن هذه السياسات تهدف إلى ممارسة ضغط على الفلسطينيين للانتقال من المنطقة (ج) إلى المنطقتين (أ) و(ب)، مشيراً إلى أن أكثر من 2000 فلسطيني انتقلوا بالفعل منذ السابع من أكتوبر من مناطق (ج) إلى مناطق (أ) و(ب).

وأضاف الرنتاوي أن هذه المنطقة، التي تقل مساحتها عن 40% من الضفة الغربية، لن تكون كافية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، إذ أنها مقطعة الأوصال بفعل المستوطنات، والطرق الالتفافية، والبؤر الاستيطانية التي تقطع أوصالها.

المنطقة “ج” باللون الأزرق، القدس الشرقية باللون الأحمر

وأشار حول في المرحلة الثانية من “صفقة القرن”، إلى أن الضغط سيستمر على الفلسطينيين والأردنيين معاً لخلق رابط فيدرالي أو كونفدرالي بين ما تبقى من الضفة الغربية بكل سكانها مع الأردن، ليصبح هؤلاء الفلسطينيون جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، أو كما يمكن تسميته مستقبلاً، وبذلك تتحرر إسرائيل من فكرة وجود ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية بلا دولة أو جنسية.

وبيّن الرنتاوي أن إصرار إسرائيل على رفض إقامة دولة فلسطينية يعني أن هؤلاء الفلسطينيين لن يستطيعوا البقاء في هذا الوضع؛ ولذلك، يتم العمل على ربطهم بالأردن ومنحهم الجنسية الأردنية أو جنسية الكيان الفيدرالي الجديد، مما يعفي إسرائيل من مسؤولية دمجهم داخل إسرائيل ويخفف عنها العبء الدولي المتمثل في مناقشة أوضاعهم.

وشدد على أن هذا “الترانسفير السياسي” يمثل نوعاً من نقل الفلسطينيين إلى كيان آخر دون أن ينتقلوا جسدياً، إلا أنه ليس بديلاً، من وجهة نظر اليمين الفاشي، عن الترانسفير الجسدي أو الفيزيائي، بل يُنظر إلى الحياة في الضفة الغربية كجحيم يُقصد منه طرد سكانها.

 القيمةَ الاقتصاديّةَ والسياسيّةَ لمناطق “ج”، وما يترتّب على سيطرة ونهب “إسرائيل” لكنوزها، وحرمان الشعب الفلسطينيّ من خيراتها والعيش عليها

وأشار الرنتاوي إلى أن الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية تزداد سوءاً، حيث إن 200,000 فلسطيني لم يعودوا يعملون داخل الخط الأخضر، والسلطة الفلسطينية توزع أنصاف وأرباع وأخماس الرواتب، مما يجعل شمال الضفة الغربية منطقة غير صالحة للعيش البشري وطاردة للسكان.

وتابع بأن الهدف من هذه السياسات ليس الهجرة الجماعية بالشاحنات كما حدث في عامي 1948 و1967، بل خلق حالة من النزيف التدريجي، خاصة بين الشباب والشابات الفلسطينيين، وغالباً ما تكون وجهتهم الأردن.

وفي الختام، أبان الرنتاوي أن “الترانسفير السياسي” ليس بديلاً عن الترانسفير الجسدي، لكنه يمثل معالجة شاملة للأوضاع في الضفة الغربية، حيث يسعى اليمين المتطرف والفاشي في إسرائيل إلى تقليص الوجود الفلسطيني إلى أقل مساحة ممكنة من الضفة الغربية، وفتح المجال أمام صياغة معادلات جديدة تتعلق بالأردن وفلسطين.

هل يقود الترانسفير السياسي إلى إنهاء حلم الدولة الفلسطينية؟

في ظل هذه التحركات الإسرائيلية، يصبح “الترانسفير السياسي” جزءاً من استراتيجية أكبر تهدف إلى تقويض فرص إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.

قوات الاحتلال خلال هدمها منزلاً فلسطينياً يقع بالقرب من يطا جنوب الخليل، في منطقة تصنف “ج”. 2 نوفمبر ، 2020. (أ ف ب)

وهذه السياسات لا تحمل في طياتها تهديداً للوجود الفلسطيني فحسب، بل تمثل أيضاً ضغطاً مستمراً على الأردن، مما يثير التساؤلات حول المستقبل السياسي والجغرافي للمنطقة ككل؛ ليبقى التساؤل قائماً حول ما إذا كان المجتمع الدولي سيستمر في التغاضي عن هذه التحركات، وما هو مصير الفلسطينيين الذين يجدون أنفسهم عالقين بين الضغوط الاقتصادية والسياسية.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version