نخبة بوست – تُشير الأحداثُ الجاريةُ في سوريا إلى أنَّ تركيا ستكونُ المستفيدَ الأكبرَ ممَّا يجري هناك، بعدما أشارتْ كثيرٌ من التقارير إلى أنَّ تركيا قدَّمتْ دعمًا غيرَ محدودٍ لقواتِ المعارضةِ على مدارِ الأعوامِ السابقةِ، والتي مهَّدتِ الطريقَ أمامَ المعارضةِ لبسطِ سيطرتها على جميعِ المحافظاتِ السوريةِ وإسقاطِ نظامِ الأسدِ وتأمينِ خروجِ اللاعبينَ الأساسيينَ في الساحةِ السوريةِ وتخلِّيهم عن دعمِ نظامِ الأسدِ للوصولِ إلى إعادةِ تشكيلِ نظامِ حكمٍ جديدٍ في سوريا.
استقرارُ سوريا وتولِّي المعارضةِ السلطةَ في سوريا سيكونُ له تبعاتٌ إيجابيةٌ كثيرةٌ على تركيا، وأهمُّها حمايةُ الأمنِ القوميِّ التركيِّ ومحاربةُ الجماعاتِ الإرهابيةِ المتواجدةِ في سوريا، وخاصةً حزبُ العمَّالِ الكردستانيِّ وتنظيمُ الدولةِ الإسلاميةِ، والتي تُشكِّلُ تهديدًا حقيقيًا لتركيا، ومنعُ قيامِ دولةٍ كرديةٍ وتأمينُ عودةِ ملايينَ اللاجئينَ السوريينَ المتواجدينَ في تركيا، والذين شكَّلوا عبئًا اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا على تركيا، وكذلك منحُ تركيا أولويةً في إعادةِ بناءِ وإعمارِ سوريا، ومنحُ المستثمرينَ الأتراكِ امتيازاتٍ كبيرةً في ذلك، وحمايةُ حدودِها التي تمتدُّ أكثرَ من ٩٠٠ كيلومترٍ مع سوريا من عملياتِ تهريبِ المخدراتِ والسلاحِ وغيرها.
تركيا ستكونُ الطرفَ الأهمَّ في مفاوضاتِ المرحلةِ الانتقاليةِ بين روسيا وتركيا وإيران، وستضعُ تركيا شروطَها كما تشاءُ في ظلِّ حالةِ الضعفِ التي تمرُّ بها روسيا جرَّاءَ الحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ، وكذلك إيران بعدما سحبَ حزبُ اللهِ قواتِه من سوريا بسببِ حربِه مع إسرائيل، ممَّا جعلَ الطرفَ الإيرانيَّ في حالةِ ضعفٍ واضحٍ جرَّاءَ الحروبِ والاستنزافِ العسكريِّ والاقتصاديِّ الذي لحقَ به، وعليهِ ستكونُ المصالحُ التركيةُ حاضرةً بقوةٍ في المرحلةِ القادمة.
حالةُ الضعفِ العربيِّ واضحةٌ، والجامعةُ العربيةُ لم تعدْ قادرةً على حلِّ النزاعاتِ العربيةِ أو إيجادِ حلولٍ للأزماتِ التي تضربُ الدولَ العربيةَ، فأصبحَ للقوى الإقليميةِ فرصةٌ أكبرُ لتفرضَ كلمتَها وتُحقِّقَ مصالحَها في عالمِنا العربيِّ، وهذا سيزيدُ من سيطرةِ القوى الإقليميةِ على الدولِ العربيةِ والاستفادةِ من خيراتِها وثرواتِها.
سوريا على أعتابِ مرحلةٍ انتقاليةٍ جديدةٍ لبناءِ دولةٍ يُشاركُ فيها جميعُ السوريينَ ومن مختلفِ الأقلياتِ، عنوانُها التسامحُ والتعايشُ لبناءِ دولةِ مؤسساتٍ وقانونٍ لتنهضَ سوريا من جديدٍ بدورِها العربيِّ. فهل ستمنحُ القوى الدوليةُ فرصةً لتحقيقِ ذلك؟ الأيامُ القادمةُ ستكشفُ عن ذلك.