نخبة بوست- كتب: د. أمين المشاقبة
تمر المنطقة العربية بمرحلة جديدة بعد سقوط نظام الأسد الذي استمر ما يزيد عن 54 عامًا من الحكم الاستبدادي البوليسي، والذي نكّل بكل قوى المعارضة. السجون القذرة، التعذيب اللاإنساني، وإغراق المنطقة بالمخدرات بشكل مقصود كانت من سمات هذا النظام. عشرات المصانع التي كُشف عنها في أنحاء سوريا كانت تحت مسؤولية ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري، والتي كانت تدر أكثر من خمسة مليارات دولار سنويًا.
نظام يفتقد لكل الأبعاد الأخلاقية، يسعى للحصول على المال من أجل البقاء والاستمرار كنظام خارج عن كل القوانين المعروفة، قمع وقتل وسجون انتشرت في البلاد بلا هوادة. كل ذلك كان من أجل حكم عائلة الأسد العلوية، التي لا تشكل أكثر من 3.5% من مجموع السكان.
الآن، سقط النظام وانكشف واقعه، وسقطت معه قوى حزب الله والطوائف الإيرانية التي خرجت بسرعة البرق؛ 27 ألف مقاتل هربوا سريعًا في ظلمة الليل، ومنهم فيلق القدس، الفاطميون، الزينبيون، وفوج العباس وغيرهم من القوى المساندة للنظام. انتهت المعادلة التي اعتمدت على الظلم والقهر، فالحكم الذي يعتمد على الاستبداد والقهر لا يدوم مهما طال الزمن. كل الحكام الفرديين والمعتمدين على وسائل القوة والقهر مصيرهم الزوال، وهذه عبرة التاريخ السياسي للدول.
سوريا اليوم تهدف إلى مخاطبة العالم، وخصوصًا الولايات المتحدة، ومحاولة الحصول على الاعتراف بالدولة الوليدة
سوريا اليوم تهدف إلى مخاطبة العالم، وخصوصًا الولايات المتحدة، ومحاولة الحصول على الاعتراف بالدولة الوليدة. وحسب المعلومات، هناك قنوات تواصل مباشرة وغير مباشرة. الولايات المتحدة تسعى لربط كل خيوط سوريا بيدها، والاجتماعات التي جرت في العقبة تصب في هذا الإطار. وإذا بقي الحال كما هو الآن دون متغيرات جذرية، مثل ثورة داخل الثورة أو أن تأكل الثورة أبناءها أو تقاتل الفصائل السورية، فإن الأمور تتجه في الاتجاه الصحيح.
الولايات المتحدة تسعى لربط كل خيوط سوريا بيدها، والاجتماعات التي جرت في العقبة تصب في هذا الإطار
هناك دور أمريكي وتركي واضح للعيان، ودعم ظاهر لهيئة تحرير الشام، التي أرسلت رسائل تحديثية على النوايا والسلوك السياسي الجديد. المطلوب الآن من السيد أحمد الشرع، أبو محمد الجولاني، إعلان نظام سياسي جديد يقوم على القيم الديمقراطية والليبرالية بعيدًا عن الإسلام المتطرف. العالم ينتظر الأفعال لا الأقوال، فإذا تحقق ذلك، فإن المظلة الأمريكية جاهزة لاحتواء سوريا من جديد، ناهيك عن العلاقات مع إسرائيل، والتصريح الذي صدر بأن “ليس لنا طاقة في أي حرب مع إسرائيل”، وهذا أمر مريح أمريكيًا ويبنى عليه.
المطلوب الآن من السيد أحمد الشرع، أبو محمد الجولاني، إعلان نظام سياسي جديد يقوم على القيم الديمقراطية والليبرالية بعيدًا عن الإسلام المتطرف؛ العالم ينتظر الأفعال لا الأقوال
إذا سارت الأمور بهذا الاتجاه، فإن الثورة ستكلل بالنجاح. أما الموقف العربي، فهو داعم للاستقرار في سوريا والوقوف مع الشعب السوري، شريطة أن تكون الحكومة ممثلة لكافة المكونات الاجتماعية، وتحافظ على حقوق الأقليات، وتكافح الإرهاب بكل أشكاله.
حقيقة الأمر أن الموقف العربي مرتبط ارتباطًا مباشرًا بالموقف الأمريكي وكيف ستؤول الأمور. أما الأردن، فهو يحترم خيارات الشعب السوري، ولا يرغب في حالة الفوضى والتطرف التي قد تنعكس عليه سلبًا. وباعتقادنا، إذا سارت الأمور في سوريا نحو الاستقرار والاعتدال، فإن من مصلحة المملكة السير قدمًا نحو علاقات إيجابية في كل الاتجاهات، نظرًا لوجود علاقات تاريخية وديموغرافية واقتصادية.
وأعتقد أن تحسن الظروف الاقتصادية في الأردن يعتمد على استقرار الأوضاع الأمنية في الدولة الجارة.