نخبة بوست – كتب: د. محمد أبو رمان
تنظر بعض اتجاهات النخب السياسية الأردنية إلى ماحدث في سورية من انهيار النظام وصعود المعارضة الثورية المسلّحة بوصفه مصدراً مباشراً لتهديد الأمن الوطني الأردني، لما يعنيه ذلك من احتمالات عدم الاستقرار السياسي، ولما يحمله – أيضاً- وفق هذا المنظور من «قبلة الحياة» لحركات الإسلام السياسي، وما قد يمثّله من استبدال النفوذ التركي بديلاً عن النفوذ الإيراني في الجوار الشمالي للمنطقة.
على الطرف المقابل لا تمثّل الاعتبارات السابقة «المعيار» الذي صاغ الموقف الأردني من تطورات المشهد السوري، فبدلاً من موقف الحذر والقلق والريبة والتحفظ، أخذ الأردن زمام المبادرة وقاد الجهود العربية وجسّر الموقف الإقليمي والدولي في تطوير معايير محددة للتعامل مع النظام السوري، وهو ما خلق قدراً من التناغم والتظافر بين المصالح الاستراتيجية والوطنية الأردنية من جهة والمجتمع الدولي من جهةٍ أخرى، وهو خطوة استراتيجية مهمة في مواجهة حالة الخوف والتخويف والقلق في أوساط سياسية عربية.
ذلك لا ينفي بالضرورة أنّ هنالك أخطاراً وتحديات تفرض نفسها على الأمن القومي الأردني، في حال انحرفت السياسات والقوى والديناميكيات السورية الجديدة نحو الصراع والاحتراب الداخلي، أو عاد شبح التقسيم الطائفي والعرقي ليطل برأسه من جديد، أو تمكّنت قوى إسلامية من فرض نفوذها على المشهد السوري واستبدل اتجاه أيديولوجي وحزب معين بآخر.
على النقيض من التفكير المتوجّس من التغيير في سورية نظر «مطبخ القرار» في عمان إلى ما يحدث من زاوية «الفرص الاستراتيجية الكبرى» للأردن، فما حدث سيؤدي إلى تجفيف شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات التي شكّلت تحدياً كبيراً للأمن الوطني الأردني خلال الأعوام الماضية، وكلّفت الخزينة الأردنية مئات الملايين وتطلبت تجهيزات كبيرة، وقد أشار إلى ذلك بصورة معمّقة بحثياً وعلمياً الباحث الشاب المميز في معهد السياسة والمجتمع، حسن جابر في كتابه الجديد (سيتم إشهاره مساء اليوم الأربعاء) بعنوان «حرب الشمال: شبكة المخدرات في سوريا، الاستجابة الأردنية وخيارات الإقليم».
وتمثل التحولات الجديدة فرصة استراتيجية مهمة للأردن، أيضاً، في مجال التخلص من شبح الميليشيات الطائفية في الشمال، وفي تأمين عودة طوعية للاجئين، مع استقرار الأوضاع في الجنوب السوري (غالبية اللاجئين السوريين من الجنوب وريف دمشق)، فضلاً عن تأمين المصالح الاقتصادية والتوافق على المياه وملفات استراتيجية مهمة، فلا يوجد شكّ أن المصلحة الاستراتيجية الأردنية تقوم على وحدة الأراضي السورية، ووجود نظام سياسي يكفل التعددية والتنوع وصديق للأردن.
في هذا السياق يفهم التخوف الذي أبدته بعض قيادات المعارضة السورية من إعلان العقبة بأنّه لم يقرأ سياق الإعلان ولا أهدافه ولا الأسباب الكامنة وراءه، فهو يهدف أولاً وأخيراً إلى بناء قوة دفع كبيرة للعملية السياسية في سورية، وتأمين تأييد ودعم إقليمي ودولي، وقطع الطريق أمام أجندات تدفع نحو استنساخ نماذج مثل «الحفترية» أو غيرها داخل الأراضي السورية، وهي سيناريوهات تتعارض جذرياً مع المصالح الاستراتيجية الأردنية وموقف الأردن، القديم- الجديد، من وحدة الأراضي السورية، ومن التأكيد على أهمية أن يكون النظام السياسي الجديد قادراً على تلبية طموح وأهداف السوريين جميعاً، وهو الطريق الوحيد الممكن لضمان أمن واستقرار سورية، والمضي قدماً في مشروع «إعمار سورية».
هنالك أجندات دولية وإقليمية، بالضرورة، تهتم أكثر بمسألة النفوذ داخل المشهد السوري الجديد، وستكون فاعلة وخطيرة وكبيرة فيما لو لم يكن هنالك دعم دولي وإقليمي لوحدة سورية ودعم للنظام الجديد، مما دفع الأردن إلى المسارعة إلى تأطير الموقف الداعم للمرحلة الجديدة، وهي مسألة ينظر إليها الأردن أنّها تقع في صلب مصالحه الوطنية والاستراتيجية.