نخبة بوست – كتب: وجيه عزايزة
تشكل الأحداث في سوريا منعطفًا تاريخيًا يعود بأهمية ما حدث في 7 أكتوبر مع أنه امتدادًا له ويتيح تغيير كثير من المفاهيم السائدة وإعادة صياغة توازنات مرتبطة بمصالح جديدة وتغيير في التحالفات إلى رسم واقع المنطقة الجديد ويعيد إليه جزء كبير ومهم مما تم التفكير به في ربيع 2011 والبناء على نجاحاته ومعالجة إخفاقاته بإنتاج مقترح جديد يمكن تسميته بربيع شرق أوسطي جديد 2024، وللمقارنة نورد ما حدث في ربيع 2011 وهي كما يلي:
- الارتكاز على تنظيم الإخوان المسلمين كعصب رئيسي لقيادة التيارات الدينية السنية في وجه السلفية وغيرها إضافة للتيارات الشيعية بقيادة إيران وامتداداتها العربية وقدرة تنظيم الإخوان على ضبط إيقاع الشارع وإمكانية الوصول لتفاهمات هدنة طويلة متفق عليها مع إسرائيل بدل الاعتراف الرسمي المعلن بها.
- التفكير الأمريكي الجدي خلال حقبة أوباما ٢٠٠٨-٢٠١٦ لإنجاز واقع جديد وتسويات تتجاوز تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 وأثره على المنطقة. وفي وقت انخرط جزء من مراكز القوى في إسرائيل بتنفيذ مشروع الربيع العربي كانت أطراف يمينية إسرائيلية وذات تأثير كبير ضد تصورات هذا المشروع، إضافة لأطراف مهمة وفاعلة وقوية في العالم العربي ودوله المركزية، وكذلك رفض إيران ومحورها مما أدى إلى تشكيل حائط صد قوي لمنع إنجازه.
- ابتدأ الربيع العربي في تونس ثم مصر ثم ليبيا وسورية وما سرع في إنجازه في هذه الدول عدم وجود تفرعات دينية أو قومية فيها. ثم انتقل إلى سوريا واصطدم بالواقع المختلف هناك، فرغم ما أنفق من أموال طائلة واستند إلى قوة كبيرة إلا أن تحالف الحكم في سوريا وقتها والمشكل من قوى علوية ودرزية ومسيحية إضافة لجزء من السنة والذين شكلوا حوالي ٤٥٪ من القوة الرئيسية الفاعلة سكانيًا وامتلاكها كامل مصدر القرار في الجيش، وكذلك مساندة غرف تجارة دمشق وحلب للنظام لما كان يتمتع به الوضع الاقتصادي من قبول وقتها. إضافة إلى مساندة إيران ومحورها في العراق ولبنان والتطلعات الكردية المحدودة في مناطقها مضافًا إلى دعم روسي مباشر مما أدى إلى إفشال المشروع في سوريا وتوقف امتداده إلى مناطق جديدة.
- تغير الإدارة الأمريكية في عهد ترامب ٢٠١٦ ومحاولة بناء تصورات جديدة للمنطقة من خلال صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية وسيطرة اليمين الإسرائيلي المتماهي مع ترامب إضافة إلى وجود تحالفات عربية جديدة داخليًا وخارجيًا مما أدى إلى توقف المشروع والانقضاض على ما تم إنجازه في مصر وتونس وليبيا.
وأهمها ما يلي:
محور إيران: وضوح حجم الاختلاف داخله خاصة في البعد السوري وجغرافيته المهمة أمنيًا وسياسيًا والاختراقات التي حصلت واتهم النظام السوري بها، تلقى المحور ضربات موجعة وصلت قياداته والحواضن الشعبية واللوجستية خاصة ما حصل مع حزب الله في لبنان، وأدى تدخل اليمن والعراق إلى دائرة الصراع وتواجد إيراني مباشر لأول مرة في المواجهة مع إسرائيل من أراضيها أو من خلال الجغرافيا المحيطة مثل لبنان وسوريا.
مما أدى إلى تخلي المحور عنه وانفكاك تحالفه مع حاضنته الطائفية السابقة ووضع الاقتصاد السيء وانعكاسه على قدرة غرف التجارة السورية لدعم النظام.
تقلص الدعم الروسي: والذي بدى من إمكانيات المقايضة الممكن حصولها مع روسيا في حربها مع أوكرانيا مما أفقد النظام حواضنه ورفضها الدفاع عنه ووصوله إلى حالة ضعف غير مسبوقة.
ولكنه استمرّ في مراهناته على واقع تحالفاته الخليجية الجديدة ورفض التوصل إلى تفاهمات مع تركيا وتطبيق اتفاق أستانا مما أدى إلى سقوطه لاحقًا.
تركيا: شكل اللجوء السوري تأثيرًا كبيرًا على الداخل التركي وبدأ بتهديد قوة الحزب الحاكم وإمكانية خسارته قيادة تركيا. انتهزت تركيا رفض النظام السوري للتفاهمات معه وتم تجهيز المعارضة السورية (هيئة تحرير الشام) وما تمثله من امتداد للإخوان المسلمين للإجهاز على النظام في حلب ابتداءً وتبينت هشاشة أجهزته وضعفه ووقوفه منفردًا بوجه القادم.
إسرائيل: أظهرت ٧ أكتوبر وقائع جديدة غيرت كثيرًا من المفاهيم السائدة سابقًا عن إسرائيل وأهمها:
تجلت القوة الإسرائيلية في امتلاك قدرات كبيرة لسلاح الجو واستخبارات وقوات تدميرية هائلة بالمقابل عدم قدرة الجيش على حسم أي احتلالات دائمة مستقرة على الأرض سواء في غزة أو لبنان وضعف الإمكانيات البشرية للتجنيد والاحتياط لفترات طويلة.
إلا أن المجتمع الإسرائيلي أظهر انقسامات حادة بين الصهيونية العلمانية والدينية وتغول الأخيرة وذهابها باتجاه خلق واقع جديد على الأرض من خلال تجاوز على المرجعيات القضائية وهي من أهم الركائز في القوانين الأساسية للدولة؛ والبديلة عن وجود دستور الدولة؛ وكذلك الخلاف العلني بين القيادة السياسية والمؤسسة العسكرية والتلاوم خلال الحرب وهذا لم يكن يحدث خلال الحروب السابقة.
موجة الهجرة الجديدة من إسرائيل بعد ٧ أكتوبر وتقدر بحوالي ٧٥٠ ألف إضافة إلى مغادري إسرائيل سابقًا ومقدر عددهم بحوالي ٩٠٠ ألف وعدم عودتهم وأغلب هؤلاء من قوى الوسط والعلمانية، وبالتالي التخوف الغربي زيادة سيطرة اليمين المتطرف في إسرائيل.
لاحقًا لذلك ابتدأ العمل على إضعاف اليمين الإسرائيلي من خلال قرارات محكمة الجنايات الدولية لرموز الدولة السياسية والعسكرية (رئيس الوزراء ووزير الدفاع والجنود) واستمرار محاكمة نتنياهو بتهم الفساد واتهامات موجهة لبن غفير وتغوله على جهاز الشرطة والقضاء وإضعاف سموتريتش وعدم قدرته على تجاوز الحسم في انتخابات الكنيست القادم كما هو متوقع.
أمريكا: يشكل العهد الجديد لترامب واقع ربما يختلف عن عهده السابق من خلال ضعف تأثير المحافظين الجدد في إدارته واستبدالهم بكبار الأثرياء في العالم وعدم قوة الاعتبارات العربية والشرق أوسطية على نفس التأثير السابق خاصة ابتزازه في إعادة انتخابه.
ويظهر تناغم استثنائي بما يحصل من تنسيق بين الإدارة الراحلة واللاحقة في إدارة أحداث الشرق الأوسط.
فلسطين: رغم التضحيات الكبيرة وقدرة التحمل التي أبداها الشعب الفلسطيني وأهمها في غزة والضفة الغربية إلا أن الواقع يبين حجم المعاناة والتحديات الصعبة القادمة وتراجع السلطة الفلسطينية ودورها وتراجع تأثير حماس من قوة متقدمة إلى قوة مستوعبة داخل الإخوان المسلمين مما يتطلب إنتاج واقع فلسطيني جديد يضم الداخل بكليّته وفلسطينيي اللجوء والشتات.
عربيًا: واضح الضعف والتراجع بقدرات تأثير البعد العربي الرسمي في أن يكون لاعبا مركزيا ومحوريًا ويتجلى حجم التناقضات بين مكوناته وعدم امتلاكه لقوى فاعلة على الأرض.
روسيا وأوروبا: يتضح ضعف روسيا في المنطقة نتيجة الحرب الأوكرانية الروسية وإمكانية حصول تفاهمات لها مع الإدارة الأمريكية اللاحقة. أما أوروبيًا فالضعف وابتعادها عن التأثير واتباعها للقرارات الأمريكية.
الخلاصة:
تشكل الفرصة المواتية التي استحضرت الجميع على الطاولة دون انتصار واضح لأحد من اللاعبين الإقليميين لفرض شروطه الكاملة إضافة إلى وجودهم مباشرة في واجهة الأحداث والمواجهات التي حصلت والتي تمكن من الوصول إلى تسويات كبرى لموافقة الجميع وعدم قدرة إعاقة الحلول من طرف محدد.
أهم العوامل التي تساعد على إنجاز ربيع شرق أوسطي جديد:
- تولد قناعة دولية خاصة أمريكية وأوربية للوصول إلى حل طويل الأمد لمشاكل الشرق الأوسط لانعكاس تداعيات اضطراب الإقليم على العالم مباشرة ومن خلال موجات الهجرة إلى أمريكا وأوروبا.
- وجود تركي مباشر من خلال الجغرافيا السورية وإيراني من خلال الجغرافيا اللبنانية والعراقية والاشتباك المباشر مع إسرائيل في الفترة الماضية من الحرب، إضافة إلى الوضع في إسرائيل.
- إمكانية إيجاد مناخ إسرائيلي جديد بعد تغير أساليب المواجهة وتعددها وتأثير على الداخل الإسرائيلي مباشرة وإمكانية التأثير على تغير جزء من الأفكار المتجهة نحو اليمن إلى إمكانية إيجاد أرضية جديدة ضمن التسوية الشاملة خاصة أن موجة الهجرة العكسية ستوقف زيادة تأثير الاستيطان وهذا بدى يتضح من خلال توسع المباني في المستوطنات ويقابلها انخفاض عدد سكان القاطنين بها وعدم القدرة على زيادتها حسب دراسة مهمة صدرت أخيرا.
- إعادة بروز التيارات الدينية الرئيسية الكبيرة والمؤثرة والممكن ضبط إيقاعها في المنطقة بالتسويات القادمة وهذه تملك من القوة للتأثير على مسار الأحداث في الدول الشرق أوسطية جميعها مثل التيارات الدينية السنية (الإخوان المسلمين) والتيارات الشيعية المرتبطة بإيران.
- موقف عربي ضعيف وغير متماسك أو مؤثر في إعاقة أية ترتيبات جديدة للمنطقة جغرافيًا وديموغرافيًا وانفصال كبير عن الوضع الفلسطيني الحالي والذي يعاني أيضًا من ضعف نتيجة استمرار حالة الانقسام الفلسطيني. وما تعرضت له قوى المقاومة من خسائر بالإمكانيات العملياتية على الأرض وعدم قدرتها على إفشال التسويات المقترحة.
- مساندة موقف روسي وأوروبي داعم للتفاهمات، وهذه جميعها قوى فاعلة في صناعة الحدث والتفاهمات.
وللأسف فإن الواقع العربي والفلسطيني وهي القوى المتلقية حالياً (المفعول بها) ولا يوجد لديها القدرة على تحسين أو تعطيل أو رفض أي تسويات يمكن أن تنتجها طاولة المفاوضات لاحقًا مع إمكانية وجود تغيرات جغرافية وديموغرافية وصياغة جديدة لواقع الأمن العربي.
إمكانية التأكيد على إعادة تفعيل عوامل الدفع للقوى الداخلية والمؤسسات المجتمعية وإيجاد تفاهمات ومصالحات ضرورية وإنهاء جدل الهويات الفرعية لصالح الهويات الوطنية وتجاوز الخلافات الحالية وإنهاء الاحتقانات الداخلية وتعزيز الجوامع الوطنية بين كل الدول العربية والمعرضة للتهديدات القائمة والتي تهدد الأمن الوطني للخروج بأقل الخسائر الممكنة.
ولمزيداً من الإيضاح حول المواضيع المطروحة والمفاهيم سيطلب مزيدًا من البحث والتفصيل في النقاط التي بحاجة إلى معالجات للوصول للحلول المطلوبة.