نخبة بوست – المهندس سليم البطاينه
لا يمكن لنا قراءة ما جرى في سوريا من أحداث لم يستغرق فيها سقوط نظام بأكمله أكثر من عشرة أيام خارج سياق التحولات الجيواستراتيجية التي شهدتها المنطقة وما تزال تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ سقوط بغداد عام ٢٠٠٣ مروراً بإسقاط ليبيا الدولة وليس القذافي وحده، بجانب ما يجري في السودان من تدمير ممنهج للدولة وبنيتها الاجتماعية! ومن ثم عبوراً بحرب غزة التي أُستُدرجت لها حماس، وإلى الحرب على لبنان.
وصحيحٌ أن كلمة السر حول ساعة الصفر في انتهاء صلاحية نظام بشار الأسد وعائلته خرجت قبل أسابيع قليلة، لكن القرار الأمريكي الغربي الإسرائيلي مُبيت منذ سنوات!
المنطقة مقبلة على تغييرات جوهرية وليست متغيرات آنية تتعلق بتبديل أنظمة! وإنما لرسم جغرافيا سياسية جديدة من خلال مراجعة تاريخية للخرائط والاتفاقيات والمعاهدات القديمة: مثل (اتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور، ومعاهدة فرساي، ومعاهدة لوزان!) التي شكلت الجغرافيا الحالية للمنطقة في بدايات القرن الماضي.
في الحروب كما هو معروف تُعاد صياغة جغرافيا الدول! والحديث عن المستقبل السوري لا يمكن أن يغفل عن تساؤلات جوهرية تتعلق بوحدة الأراضي السورية! و
هي أسئلة مزعجة بطبيعتها ولكن لابد أن تُطرح: فلا يوجد شيء مقابل لا شيء، حيث إن لكل شيء مقابلاً! فالهدف الرئيسي من إسقاط الطاغية كان إسقاط سوريا كدولة وجغرافيا وجيش ومؤسسات.
كل ذلك يحيلُنا إلى قراءة المشهد من خلال وثيقة عوديد ينون (Yonon Plan) الصحفي في جريدة The Jerusalem Post والمستشار السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي شارون التي تم نشرها عام ١٩٨٢ في المجلة العبرية (كيفونيم)! وتم إعادة نشرها قبل أيام من قبل مركز دراسات العولمة الأمريكي (Global Research Home).
وهي من أكثر الوثائق وضوحاً وتفصيلاً حتى الآن بشأن الاستراتيجية الصهيونية في الشرق الأوسط بما تحتويه من كوابيس لاستنادها إلى رؤية مؤسس الصهيونية (هرتزل) والحبر اليهودي (فيشمان) في مطلع القرن الماضي.
إسرائيل دولة مسكونة بالخرافات الدينية! تؤمن بدولة الشريعة ونصوص التوراة وتعاليم التلمود، ولا ترى أن هناك من يستطيع أن يحدد من طموحاتها في مشاريعها الكبرى ما دام العالم أجمع منحها صك العربدة. وإسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر ليست خيالاً بل مشروعٌ يشق طريقه نحو النجاح.
وخططها ليست مجرد تهديدات وعمليات عسكرية عابرة: بل هو رسم جغرافي وجزء من مخطط طويل الأمد لتغيير خريطة الشرق الأوسط من خلال تحالفاتها الدولية والإقليمية كما أعلنها نتنياهو وسيمورتش في المحافل الدولية في مارس ٢٠٢٣!
حرب إسرائيل وتطهيرها العرقي لن يقف عند غزة أو لبنان أو اليمن؛ بل سيطال المنطقة ككل! ما دام مسرح اللعب داخل الشرق الأوسط سهلاً وممهداً لها، فقد أصبح لإسرائيل حُلم تسعى لتحقيقه وهو: الوصول إلى نهر الفرات عبر مشروعها الكبير (ممر داود)! وسقوط نظام الأسد كان فرصة ذهبية لها لفرض واقع جغرافي جديد يحقق كل مشاريعها الكبرى.
بعد سقوط النظام في سوريا لم تستطع إسرائيل الانتظار بل قامت فوراً بتوجيه ضربات مكثفة استهدفت تجريد الدولة السورية ومؤسساتها وجيشها من مقدرات الأمن القومي واستباحت الأرض السورية ودمرت أكثر من ٨٠٪ من مقدرات الجيش السوري.
كما توسعت في احتلالها لمزيد من الأراضي السورية بالسيطرة كاملاً على سفوح جبل الشيخ والجولان، وبدأت تتحدث عن مشروعها التوسعي الكبير والذي يسمى (بممر داود) الذي يمر عبر الأراضي السورية للوصول إلى حدود العراق وإلى نهر الفرات تحديداً تحقيقاً للنبؤة التوراتية بمملكة داود.
وأطلقت على توغلها داخل الأراضي السورية اسم عملية (سهم باشان) الذي يرمز على حد معتقداتهم إلى مملكة يهودية كانت قديماً في منطقة جنوب سوريا: وهي منطقة زراعية خصبة بالمياه العذبة تمتد من جنوب دمشق وحتى حوض نهر اليرموك وسهل حوران، ومن جبل الشيخ غرباً إلى جبل الدروز شرقاً.
ما هو مشروع (ممر داود) الذي تتحدث عنه الأدبيات الصهيونية والغربية السياسية؟ وما علاقته بالأكراد؟ والذي يبدو أن القوى العالمية الكبرى موافقة عليه.
- الممر يربط إسرائيل بالفرات، ويطوّق الحدود العراقية.
- يبدأ من شواطىء البحر المتوسط مروراً بالجولان ودرعا والسويداء، والرقة ودير الزور، والتنف (مكان تواجد القواعد العسكرية الأمريكية حالياً) حتى الوصول إلى نهر الفرات، مما يعني أن جزءاً كبيراً من تلك القواعد العسكرية الأمريكية موجودة بالأصل على طول هذا الممر.
بالتأكيد سيكون الممر تحت إشراف أمريكا وقواعدها في المنطقة، وإذا ما تحقق سيؤمن لإسرائيل السيطرة الكاملة على مناطق واسعة تصل إلى الحدود العراقية السورية. وسيُساعد على قيام دولة درزية في جنوب سوريا، ودولة كردية في شمال سوريا (إذا وافقت تركيا) حيث سيلتحم التمدد الكردي المدعوم من أمريكا بالتمدد الإسرائيلي ليصنع محوراً تتمكن فيه إسرائيل من الوصول إلى نهر الفرات وسيلتقيان في منطقة التنف.
ماذا بعد سوريا؟ وإلى أين تتجه البوصلة الصهيونية؟ هل ستكمل إسرائيل مسارها الذي يشمل أجزاءاً من الأراضي الأردنية والمصرية والسعودية؟
هذا ما تحدثت به الكاتبة الإسرائيلية (سيمدار برّي) للقناة العاشرة الإسرائيلية أنه في حال حصول ذلك فسيتم عبر تسوية غير معلنة ستتنازل فيها الأردن ومصر عن جزء من أراضيها بالتراضي.
فوق أكوام الخراب والدمار في الوطن العربي لا وقت للبكاء في التاريخ، الحلم الصهيوني خرج إلى العلن! وممر داود سيصل إلى نهر الفرات عبر سوريا، آمل ألا نستفيق متأخرين؛ فقريباً سيفيق الجميع من تنويمهم المغناطيسي على الحقيقة المؤلمة.