نخبة بوست – كتب: د صبري ربيحات ( وزير أسبق)
كان المجلس يعقد اجتماعاته الدورية للنظر في جدول اعمال مزدحم وغالبا ما ينقسم الاجتماع الى جزئين الاول يتناول القضايا الروتينية الاعتيادية ويرأسه الدكتور زياد فريز نائب رئيس الوزراء ويستمر لساعتين او اكثر في حين يترأس الجزء الاخر من الاجتماع الدكتور معروف البخيت الذي امتاز ببراعته في إدارة الوقت .
مع اني اعرف الدكتور البخيت منذ اكثر من ثلاثة عقود الا اني شعرت وكأني أراه للمرة الأولى فهو مباشر وعملي ودقيق يتكلم بوضوح ويحيل الموضوعات الى لجان ويوجه القرارات بدقة وفاعلية .
يتجنب الاسهاب في احاديث استعراضية ولا يناور عند مواجهة مسائل تحتاج إلى حسم بل يواجه جميع القضايا المطروحة بشفافية وموضوعية وانفتاح وهو متحرر من المراوغة وادبيات النفاق السياسي وبعيد عن تقنيات التسويف والتأجيل والتذاكي والتسلل.
شكل المجلس لجان عمله فتشكلت لجنة للخدمات ولجنة للتشريعات ولجنة للنظر في طلبات الوظائف العليا ولجنة الفريق الاقتصادي .
كانت الاولوية القصوى للحكومة اعداد بيانها الوزاري الذي سيقدم لمجلس النواب لنيل الثقة وقد تم تزودينا بكافة المواد التي جهزتها الوزارات لشمولها في البيان وجرى اعداد وطباعة المسودة في وزارة التنمية السياسية بشكل جديد رقمت فيه فقرات البيان ورتبت فيه أولويات العمل بحيث يمكن تحديد الفقرات التي ستتولى كل وزارة تنفيذها .
لقد اعدت الحكومة بيانها ليستجيب للاولويات التي حددها كتاب التكليف السامي ولتنسجم مع طبيعة المرحلة التي اعقبت تفجيرات عمان واظهرت لدينا الحاجة كأردنيين ان نتناسى مشاحناتنا وخلافاتنا واجتهاداتنا ونلتف حول العلم.
فالحاجة ملحة الى تغيير يشعر الجميع بالامن المستدام المؤسس على الحس العميق بالمواطنة المتساوية المستندة الى الحقوق والواجبات التي فصلها الدستور واكد عليها جلالة الملك في كل مناسبة.
خلال يومين وبمساعدة طواقم الوزارة عملنا جميعا على اعداد مسودة عرضت على اللجنة ثم قدمت للحكومة فاقرتها بعد ان وضع دولة الرئيس واصحاب المعالي الوزراء لمساتهم عليها..
خلال الأيام اللاحقة عقدت جلسة لعرض البيان الحكومي الذي تلاه دولة الرئيس وانطلقت سلسلة الاجتماعات والمشاورات مع الكتل البرلمانية والمستقلين وقد جرى نقاش البيان وحصلت الحكومة على نسبة ثقة مريحة أبرز ما فيها حصولها على ثقة لنواب مخضرمين وجدد لم يسبق لهم ان منحوا ثقة لحكومة اخرى فقد منح الدكتور عبدالله العكايلة الثقة للحكومة التي قال انه يعرف اخلاق وقيم وزراءها ومنحت ألنائب أدب السعود الثقة لهذه الحكومة والتي كانت قد حجبتها عن جميع الحكومات التي سبقتها.
شكلت الثقة المريحة التي حصلت عليها الحكومة حافزا لها ولوزراءها ورئيسها للانطلاق في برنامج عمل يحقق الوعود التي قطعتها فباشرت اللجان الوزارية عملها وقد كنت عضوا في لجنتين هما اللجنة القانونية التي تنظر في كل جوانب التشريعات ولجنة التعينات في وظائف الامناء العامين والمدراء العامين والتي قابلت اكثر من مئتين مرشح لأكثر من عشرين وظيفة امين عام ومديرعام خلال العام الاول من عمر الحكومة .
في الجانب التشريعي كانت عجلة التشريع تدور بسرعة كبيرة فقد رفعت وزارة التنمية السياسية جميع الاتفاقيات التي تمس حقوق الإنسان إلى الحكومة ليجري تصديقها فقد كانت الاردن موقعة على هذه الاتفاقيات لكنها لم تصادق عليها الامر الذي لم يدخلها حيز النفاذ.
من جانب اخر دعت الوزارة الاحزاب السياسية الى اجتماع سريع للعمل معها على وضع قانون جديد يشجع الانخراط في الاحزاب ويوفر لها الحماية القانونية والدعم المالي وقد جهز القانون الذي منح الاحزاب حق استخدام المرافق والحماية من الملاحقة الامنية بسبب التحزب والدعم المالي للأحزاب مستكملة الشروط.
ولأن الاشخاص ذوي الاعاقة والذين تزيد نسبتهم عن ١٥% من السكان يعانون من التهميش فقد دعت الوزارة منظمات الاشخاص ذوي الاعاقة لعقد اجتماعات والمباشرة بصياغة قانون يكفل حقوقهم السياسية والصحية والتعليمية والعمالية والثقافية وفي مختلف جوانب الحياة وعقدت الجمعيات اكثر من عشرة اجتماعات جرى استكمالها تحت مظلة المجلس الأعلى الذي كان في طور التشكيل.
وعلى صعيد المبادرات أطلقت الوزارة حملتين توعويتين الأولى حول الثقافة الدستورية في المدارس حيث جرى طباعة اجزاء الحقوق للمواطن ووزعت على مليون وأربعمائة الف طالب في المملكة وجرى تشجيع المدارس على إقامة انشطة توضحية للمواد الدستورية التي تنص على المساواة والجنسية وحق التعبير وحق مخاطبة السلطات وحق تأليف الجمعيات وحق العمل وغيرها من المواد التي تمس حياة الافراد .
اما الحملة الثانية فقد تم اطلاقها بالتعاون مع منظمة تضامن الحقوقية وقد هدفت الى خلق ثقافة قانونية تمكن المواطن من حماية نفسه من التعديات والفساد فحق المواطن في المساواة وحقه في التعليم وحقه في العمل وحقه في المحاكمة العادلة وحقه في السفر والتنقل وقد جرى إشراك مسؤولين حكوميين لتوليد التزام وطني شامل واذيع ذلك على هيئة اعلانات تلفزيونية وومضات إعلانية اذاعية وصحفية.
المشروع الاكبر كان للتواصل المجتمعي والتنمية حيث وضعت خطة للتواصل مع المواطنين أينما كانوا فنظمت الوزارة اثنتي عشر ورشة في اثنتي عشر محافظة تنتقل خلالها خيمة التنمية السياسية بين المحافظات لدراسة ومناقشة واقع كل محافظة .في هذا المشروع الريادي تعاونت الوزارة مع المركز الجغرافي الاردني لإنتاج خرائط جغرافية ديموغرافية اجتماعية تعكس البيئة والانسان والتنظيمات وديناميكية العلاقة داخل مجتمع المحافظات . …
في هذا البرنامج كنا نحرص على اختيار قرية من أطراف المحافظة لياتي لها كل ابناء المحافظة المشاركين في الورشة التي تبدأ عند الثامنة صباحا وتنتهي عند الساعة الثانية يعقبها غداء من نفس الطعام الذي يتناوله اهالي المنطقة في الايام العادية و تعده مطابخ نساء القرية.
لقد عقدنا ورشة الكرك في فقوع والطفيلة في السلع ومعان في اذرح والمفرق في دير الكهف ومادبا في الفيصلية وجرش في برما والبلقاء في عيرة ويرقة والزرقاء في الضليل واربد في الرمثا وحضر كل ورشة اعلاميون يمثلون مختلف وسائل الإعلام اضافة الى قيادات المجتمع.
في كل ورشة تعرض على الشاشة خريطة المكان ومؤسساته وموارده وتنظيماته ونشاطاته الاقتصادية ثم تتحدث القطاعات المختلفة عن همومها وامالها .و مع نهاية اليوم تتشكل لدى اكثر من ثلاثماية مشارك صورة متكاملة عن محافظتهم وما يحدث فيه ويعد فريق الوزارة تقريرا تفصيليا يكتمل تجهيزه قبل الساعة الثانية عشر من مساء اليوم الذي عقدت فيه الورشه بحيث يجري رفعه مقرونا بتوصيات من الوزارة الى الحكومة لتتبنى اجراءات سريعة تعزز الثقة بالحكومة .
لقد نجح المشروع في انتاج خرائط جديدة لكل مديرية قضاء وناحية في المملكة تشتمل على الاراضي وطبيعتها وطبوغرافيتها وسكانها وفئاتهم العمرية بالإضافة إلى التنظيمات والمؤسسات والجمعيات والاحزاب والشخصيات الفااعلة والاحتياجات التي يشعر بها الناس والاحتياجات الفعلية والمرافق والخدمات ومدى قرب او بعد الخدمات من المعدل الوطني.
على صعيد اخرى واستنادا الى النص الدستوري الذي يقر بحق المواطن في التظاهر واعلان الحكومة في بيانها عن نيتها لإيجاد فضاءات للاحتياجات والتظاهر منوخلال تحديد ساحات للحرية في العاصمة اولا والمحافظات لاحقا اصطدمت الفكرة بالعديد من العقبات بعضها اجرائي واخر غير معروف الاسباب ولم تتمكن الوزارة بالرغم من اعدادها لتصور عملي ينظم هذا النشاط ويحد من آثار ممارسه العشوائية على الكثير من انشطة التجارة والمرور وحتى الهدوء والسلم لبعض الأحياء التي تندلع فيها المظاهرات والاحتجاجات .
فيما يخص اعمال اللجان تجتمع اللجنة القانونية مرتين في الأسبوع و كلما دعت الحاجة وينصرف جل جهدها لمراجعة مسودات مشاريع القوانين التي يساهم في اعدادها الفريق القانوني في ديوان التشريع.
كما تتأكد من مطابقة المسوغات اوالاسباب الموجبة للمحتوى وتحاول ضمان انسجام التشريعات والنظم المقترحة مع البناء التشريعي الكلي للدولة ومؤسساتها . في كل اجتماع ينظم للجنة الوزير المعني مع عدد من الخبراء والمدراء في الوزارة المعنية .