نخبة بوست – كتب: هزاع البراري ( الكاتب والمحلل السياسي)

فقد الأردن خلال العقد الماضي كثيرًا من مكانته الجيوسياسية، فقد عصفت رياح الربيع العربي بالمنطقة شرقًا وغربًا وشمالًا، مما زاد من بعثرة الأوراق السياسية والعسكرية في المنطقة، ولا شك أن غزو العراق في 2003 وإسقاط النظام فيها قد غيّر كثيرًا في معادلة القوى العسكرية لصالح إيران وإسرائيل، ولعل من أبرز نتائج هذه الفوضى المدمّرة على أكثر من صعيد، أنّها دفعت المنطقة برمتها إلى مزيد من الضعف والانكفاء على الذات.

هزاع البراري يكتب: هل يستعيد الأردن مكانته الجيوسياسية من بوابة التحولات الجديدة؟
قبل واحد وعشرين عاماً وفي إبريل 2003 جنود أمريكيون يسقطون تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد

ومع بروز إيران ومحورها الذي أصبح أكثر وضوحًا وقوة في ذلك الوقت، حتى غدا مهددًا للأمن القومي العربي، مما مهّد الطريق أمام إسرائيل للبدء ببناء علاقات دبلوماسية أو اقتصادية مع عدد من دول المنطقة، مما أضر بالدور الجيوسياسي للأردن، خاصة إذا ما أضفنا إضعاف السلطة الفلسطينية، والحرب المتكررة على غزة، كلها عوامل سياسية وعسكرية أسهمت في إضعاف الدور الأردني، الذي كان لعقود طويلة محوريًا، ومحطة أساسية بين مختلف الجهات.

غزو العراق في 2003 وإسقاط النظام فيها غيّر كثيرًا في معادلة القوى العسكرية لصالح إيران وإسرائيل، ولعل من أبرز نتائج هذه الفوضى المدمّرة على أكثر من صعيد، أنّها دفعت المنطقة برمتها إلى مزيد من الضعف والانكفاء على الذات

الكاتب والمحلل السياسي هزاع البراري

يجب أن نعيد إلى الأذهان أن الثورة السورية منذ انطلاقها، والتي تحولت إلى حرب شبه إقليمية بسبب دخول دول متعددة المصالح على خط المواجهة مع النظام السوري السابق، مثل إيران وروسيا وأمريكا وإسرائيل ولا ننسى المصالح العربية وموقف جامعة الدول العربية في هذا الصدد.

كل هذا جعل من سوريا منطقة مغلقة ومعزولة، وهذا أمر ألقى بظلاله الداكنة على الأردن سياسيًا واقتصاديًا، فداعش رابضة خلف الحدود الشمالية الشرقية والنصرة في درعا وريف دمشق الشرقي والجنوبي، واللجوء السوري في أوجه، لكن الأبرز تأثيرًا أيضًا هو قطع صلة الوصل الشمالية، فأغلقت الطريق الدولية البرية التي تصل أوروبا وتركيا بدول الخليج العربي عبر بوابة الأردن، توقف هذا الشريان الاستراتيجي فجأة، وخسر الأردن طريقًا تجاريًا حيويًا، بين الشرق العربي وأوروبا، وهو أمر وضع الاقتصاد المحلي في مواجهات وتحديات متعددة الأوجه والجبهات، وهو أيضًا واقع أخذ من دور الموقع الجيوسياسي للأردن، لأن الاقتصاد أحد ركائز هذا الدور، فتكالبت الأحداث والعوامل المعاكسة، التي ألحقت ضررًا بيّنًا بالأردن المحوري.

طريق الشمال الدولي .. مركز ربط بين دول الخليج والشام وحتى أوروبا غربا وداعم للحركة التجارية

هل تغيرت المعادلة اليوم؟ نعم تغيرت بالتأكيد، ولكن إلى أي حد هذا التغير يُعد مفيدًا؟ ربما من أبرز ميزات الأردن السياسي قدرته على التكيف مع التحولات والتغيرات الجذرية في المنطقة، وهذا لا يأتي دون ثمن كبير أحيانًا، وأبرز تأثيراته تقع على كاهل الاقتصاد الوطني، وصحيح أن الأردن حقق استدارات ناجحة، وأعاد بناء الشراكة مع أمريكا خاصة في الجانب العسكري والأمني، وهذا أكسب الأردن ثقلًا استراتيجيًا إقليميًا، وقد نجح جلالة الملك بتسويق الدور الدبلوماسي الأردني، فبقي الأردن مؤثرًا على الساحة الدولية بشكل ملحوظ.

من أبرز ميزات الأردن السياسي قدرته على التكيف مع التحولات والتغيرات الجذرية في المنطقة، وهذا لا يأتي دون ثمن كبير أحيانًا، وأبرز تأثيراته تقع على كاهل الاقتصاد الوطني

وقد تمظهر ذلك جليًا في الحرب الأخيرة على غزة، وقيادة الموقف العربي اتجاه الأوضاع الجديدة في سوريا عقب سقوط نظام الأسد، وشهدت العقبة حراكًا عربيًا ودوليًا مؤثرًا، رسم معالم المرحلة القادمة لموقف العرب والعالم من سوريا الجديدة، وجاءت زيارة وزير الخارجية الأردني المبكرة تعبيرًا عن إدراك القيادة الأردنية لأهمية ما يجري وتأثيره المباشر على الأردن.

شهدت العقبة حراكًا عربيًا ودوليًا مؤثرًا، رسم معالم المرحلة القادمة لموقف العرب والعالم من سوريا الجديدة، وجاءت زيارة وزير الخارجية الأردني المبكرة تعبيرًا عن إدراك القيادة الأردنية لأهمية ما يجري وتأثيره المباشر على الأردن

من الواضح أن الأمور لم تستقر في سوريا حتى اللحظة، ومن الطبيعي أن يكون المخاض صعبًا ومكلفًا ربما، لكن الأهم ألا تضيع البوصلة وألا تشتعل تلك النار المختبئة تحت الرماد في بعض المناطق السورية، لكن من الضروري أن ندرك نحن في الأردن، أن استقرار سوريا من خلال دولة مدنية جامعة، وعودة لبنان قويًا ومتماسكًا، من شأنه أن يعيد الألق إلى المعبر البري بين المشرق العربي وأوروبا وتركيا، مما يعيد للأردن كثيرًا مما خسره، وينشط حركة التجارة البينية والدولية، ويرمم دوره الجيوسياسي نتيجة لذلك، وأن تعود شركات النقل البري الأوفر كلفةً والأقل زمنًا إلى سابق عهدها وربما أفضل.

من الواضح أن الأمور لم تستقر في سوريا حتى اللحظة، ومن الطبيعي أن يكون المخاض صعبًا ومكلفًا ربما، لكن الأهم ألا تضيع البوصلة وألا تشتعل تلك النار المختبئة تحت الرماد في بعض المناطق السورية

وهذا يدعو الأردن إلى السعي من أجل دفع عجلة الاستقرار في البوابة الشمالية، وتحسين البنى التحتية، وبناء عابر جديدة، خاصة أن مثل هذه العودة السورية إن استكملت باقي مراحلها، ستعيد مشاريع الربط الكهربائي الإقليمية ومشاريع سكك الحديد، وأنابيب تصدير البترول والغاز بالإضافة إلى ازدهار السياحة عن طريق النقل البري، مما يخلق تنمية واسعة النطاق تسهم في مزيد من فرص العمل وتقليل العجز المالي، وتقوي الأمن المجتمعي في ظل حالة من الاستقرار طويلة الأمد في المنطقة، وهذا كله لن يتحقق دون يقظة في التخطيط والتحرك، وإعادة بناء شركات عربية – عربية وعربية – إقليمية، يكون الأردن فيها عمود الارتكاز الأساسي.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version