نخبة بوست – كتب الدكتور رامي عياصرة
بعد نجاح فصائل الثورة السورية بالإطاحة بالنظام المخلوع تواجه سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع جملة من الصعوبات و التحديات التي تقف كحجر عثرة في طريق النجاح، والعبور بسلام في المرحلة الانتقالية وبناء الدولة القوية.
تأتي على رأس التحديات ذات الأولوية ترسيخ حالة الأمن والاستقرار الداخلي، خاصة مع العمل على إطلاق حملات تطهير لعناصر النظام المخلوع وملاحقتها ممن تلطخت أيديهم بدم الشعب السوري، والذين رفضوا تسليم أسلحتهم وتصويب أوضاعهم، الأمر الذي استدعى حملات قوية في مطارتهم ،والاشتباك معهم خاصة في مناطق اللاذقية والساحل السوري.
التحدي الأكبر داخلياً يتمثل بالقدرة على إقناع جميع فصائل الثورة المسلحة بالانضواء تحت مظلة وزارة الدفاع الجديدة، وحل نفسها، والعمل على تشكيل جيش سوري وطني موحد، ينحصر بيده حمل السلاح دون غيره. وهذا التحدي كبير، إذ ليس من السهل إنجازة بسرعة، نظراً لتعدد مصادر الدعم لكل فصيل خلال مرحلة الثورة ضد النظام المخلوع، وربما توجد حالة تباين في النظرة لطريقة ترتيب الأمور خلال الفترة الانتقالية.
الأمر الآخر المهم يتمثل في التعامل مع المكون الكردي في إطار وحدة الأراضي السورية، في ظل الإشكالية الكردية مع تركيا التي باتت الأقرب الى النظام السوري الجديد، وبذات الوقت هناك التواجد الأمريكي الذي يحمي الوجود الكردي. وهنا يتداخل الوضع السوري الداخلي مع إدارة العلاقات الخارجية مع القوى الإقليمية والدولية.
هل سيتمكن أحمد الشرع من اجتراح معادلة متوازنة تجمع بين المصالح التركية والحماية الأمريكية ولا تؤثر سلباً على وحدة سوريا؟ هذه المعادلة بالضرورة تحتاج الى طرح سياسي مناسب ومتوازن للوضع الكردي دون التورط في جبهة قتال ترغبه – وربما في لحظة ما تطلبه – تركيا كحليف لسوريا الجديدة .
العلاقة مع إيران بأوج توترها واسوأ أحوالها، فقد أرسل احمد الشرع برسائل طمأنة لجميع الأطراف الإقليمية والدولية باستثناء إيران التي تناولها بالهجوم بسبب ممارساتها الطائفية ضد الشعب السوري، ودعمها المطلق لإجرام النظام المخلوع ومشاركتها به.
هذا سؤال مهم، ستجيب عليه تطورات الأحداث في قادم الأيام.
بكل الأحوال فإنه وبسقوط نظام الأسد تكون إيران قد تلقت ضربة موجعة أدت الى إخراجها من سوريا بطريقة خاطفة و مفاجئة وغير متوقعة، تزامنت مع تلقي حزب الله – الذراع الأقوى لها في المنطقة- لضربة أضعفته بشكل كبير بعد مواجهته الأخيرة مع الجيش الاسرائيلي في حرب الإسناد للمقاومة الفلسطينية في غزة.
بالنسبة للوجود الروسي فان بوتين أعلن أن ما جرى في سوريا لا يعدّ هزيمة لروسيا ، باعتبار أنها تعمل على إعادة نسج علاقات جديدة مع القيادة السورية تحفظ مصالح روسيا و وجودها الاستراتيجي على المياه الدافئة على شواطئ المتوسط، وكان أحمد الشرع أعلن في تصريحات أنه يمكن مراجعة الوجود الروسي على قاعدة المصالح المشتركة والاستراتيجية قائمة على النديّة و دون تبعية.
و يتوجب على القيادة السورية الجديدة التنبه أن أحد أهم شرعياتها أمام شعبها والشعوب العربية والاسلامية هو الموقف المبدأي والاخلاقي تجاه القضية الفلسطينية، من خلال رفض الممارسات الصهيونية تجاه التوسع في الأراضي السورية نفسها، وكذلك ممارساتها الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني.
في سياق الحدث تفاوتت مواقف الدول العربية في تعاطيها مع سوريا الجديدة وقيادة أحمد الشرع، قطر كانت السباقة في دعم القيادة الجديدة بالتوازي مع الحليف التركي.
السعودية خطت خطوات كبيرة في دعم القيادة الجديدة وخرجت من حالة الترقب أو التردد.
مصر والامارات كانت ولازالت الأكثر توجسا مما جرى، لاعتبار العداء المبدأي للاسلام السياسي الذي باتت تنتمي له القيادة الجديدة.
العراق الجار القريب من سوريا، أوفد على المستوى الأمني لدمشق للدلالة على طبيعة التخوفات التي تسكن العلاقة بين الطرفين، خاصة مع وجود النفوذ الإيراني في العراق.
وهو موقف متقدم ويحتاج الى تعزيز خاصة من جهة تفعيل السفارة الأردنية في دمشق، و وجود سفير وسفارة نشطة قادرة على تعزيز العلاقات وإحراز تقدماً ملموساً في تطوير العلاقة وتأمين المصالح المشتركة.
بالمجمل هناك وضع غاية في التعقيد، ومخاطر جمة، واستقرار نسبي ولكنه هش وضعيف، ومرحلة انتقالية لا تحتمل الاستئثار أو الخطأ، وتحتاج الى توازن دقيق في ادارة العلاقات بين مختلف الأطراف الطامعة والطامحة في تواجدها القوي في سوريا، ولكن وبموضوعية لا يتوقع تحقيق السيادة الكاملة على الأرض السورية من قبل الإدارة الجديدة في المدى القريب نظراً لتواجد القوى الإقليمية والدولية التي ورثها النظام الجديد عن النظام المخلوع، ونظراً لعدم وجود دولة مركزية قوية وقادرة على حماية سيادتها لأنها بطبيعة الحال لازالت ناشئة وتتلمس طريقها نحو المستقبل.
نتمنى أن تتخطى الدولة السورية الجديدة كل هذه المخاطر، وأن تسلم من الانتكاسات، وأن تحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق، فقوة سوريا هي قوة لنا، وللعالم العربي بكليته.