نخبة بوست – لم يكن اجتزاء كلام الملكة رانيا في مقابلتها الأخيرة أمرًا عابرًا؛ بل كان جزءًا من حملة منظمة استهدفت الأردن منذ بدء أحداث غزة، إن لم يكن قبلها؛ وتوجهت مباشرة نحو الملك وأسرته، وكذلك الدولة الأردنية نفسها، في أمثلة واضحة للاستهداف معروفة للجميع.
في محاولة لتفكيك أسباب استهداف الأردن، يجب علينا قراءة المشهد بشموله، من خلال العودة إلى المشهد الإقليمي المعقد قبل السابع من أكتوبر، يتضح أن الأردن كان وحيدًا في مواجهة أطماع كافة جيرانه ومن هم أبعد من ذلك، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا وحتى استراتيجيًا. باتت ثوابت الأردن في القضية الفلسطينية قيد التهديد، إلى جانب موقف الأردن المحسوم من حل الدولتين، الذي يسعى البعض لإضعافه بما يهدف إلى تسوية القضية الفلسطينية على حساب الأردن، وفتح ملف التطبيع على أوسع أبوابه لتيسير الأمور بدلاً من تعقيدها.
بعد السابع من أكتوبر، أصبح البُعد الجيوسياسي الأردني هدفًا ومحط أنظار جميع (المتصارعين)، والسيطرة على الإرادة الأردنية وإخضاعها. لا يمكن تمرير مشاريعهم الاستثمارية في دماء أهل غزة إلا من خلال الأردن، وهذا ما وقف الأردن ضده سياسيًا وعسكريًا، بمنع استخدام أجوائه علنًا من قِبل الجانب الإيراني الطامح في المنطقة، وكذلك منع الجانب الإسرائيلي مع إيصال رسائل قاسية إليهم في (الأوف ريكورد).
يضاف إلى ذلك دعم الأردن للأمن والاستقرار في الضفة الغربية، مما يخدم القضية الفلسطينية بشكل عام، والأمن الاستراتيجي الأردني بشكل خاص، وبما يمنع محاولات تأجيج الضفة الغربية خدمة لمشاريع متداخلة سيكون الخاسر فيها القضية الفلسطينية والأردن حصرًا.
من المهم أيضًا الإشارة إلى المواقف الأردنية (المتشددة) من العدوان الإسرائيلي على غزة، من خلال قيادتها، والمبادرة في كشف الرواية المضادة للرواية الإسرائيلية، مستثمرين في شعبيتهم أمام العالم، والتأثير على الرأي العام العالمي، إما بالمواجهة الإعلامية أو بالعلاقات الدولية، بما أسهم في تعديل كفة الرأي العام لصالح الفلسطينيين بعدما نجحت الماكينة الإعلامية الإسرائيلية في تقديمهم كإرهابيين بعد أحداث السابع من أكتوبر.
أما الجبهة الداخلية؛ فقد شهدت هجومًا على الموقف الأردني من طرفين، طرف حاقد أصلاً ومشكك نتيجة تداخل الإعلام المحيط وخصوصًا التواصل الاجتماعي، وطرف يسعى إلى استثمار غزة خدمة لمشروعه السياسي والانتخابي، خصوصًا إثر تراجع دوره وتفككه بعد الربيع العربي وخسارته لقواعده، بالإضافة إلى تبعيته التاريخية لقوى إقليمية ذات الأطماع المذكورة أعلاه.
الدولة الأردنية واجهت خصومها بمواقف ثابتة، إما دبلوماسيًا أو أمنيًا؛ بل وحتى عسكريًا، أثبتت فيها المؤسسة العسكرية والأمنية كفاءة واضحة والقدرة على إدارة أزمة بهذا الحجم. وإن كشف هذا الاستهداف خللاً في بعض الجوانب؛ أبرزها ضعفًا في بعض التحالفات الإقليمية، والقدرات الإعلامية في بناء سردية الدولة الأردنية وإيصالها إلى الجميع.
الاستهداف للأردن ليس جديدًا؛ بل عرفه عبر مئويته السابقة، و(يشد ويرخي) حسب الظروف الإقليمية؛ وإن كنا نشهد هذه المرة ارتفاعًا في وتيرة الاستهداف وصلت إلى رفع وسم (أيلول الأسود)، وسيتجاوزه بفعل عوامل القوى لديه، أهمها الثبات على المواقف الأساسية للدولة، والاستفادة من الموقع الجيوسياسي، والاستثمار في التحالفات الدولية، وهذا ما يجيده الأردن.
بالإضافة إلى ذلك، فإن على الحكومة الأردنية الحالية أو المقبلة؛ إعادة بناء البيت الداخلي والاستفادة من الدروس، خصوصًا في تقييم من وقف مع الدولة الأردنية أو من انقض عليها، وإعادة بناء منظومة التحالفات الدولية وتعميقها، وتطوير أدوات الإعلام الأردني، بما يهدف إلى تدعيم رسالة الدولة الأردنية محليًا وعالميًا.