* هذا ما يحدث على الأراضي السورية بعد انتشار مصانع تجاوزت ال 250 مصنعاً
* دول كبرى فقدت السيطرة على الزراعة القانونية للقنّب الهندي
* عقوبات غير رادعة بالمملكة للمتعاطين
نخبة بوست – د. عمار القضاة ( الخبير الأمني و القانوني)
المخدرات؛ إرهابُها صامتٌ واقتصادُها أسودٌ، وعالمُها سفليٌ مظلمٌ، وهي الجائحة المستمرة المدمِّرة، اعتدنا أن يكون تجار المخدرات أفراداً ينتمون إلى عصاباتٍ أو شبكات، بين زارعٍ أو صانعٍ أو منتج، أو ناقلٍ أو مهربٍ أو مروِّج، بحسب سلسلة توريد هذه السموم، وحتى وصولها إلى فئة المتعاطين المنهكة بالإدمان، وهي آخر فئة من حلقاتها.
لكن الذي يجري الآن قد تطور كثيراً وبات خطيراً، وهو أن هناك رعاية لبعض الدول الهَشَّة ذات الظروف الاقتصادية الصعبة والأوضاع الأمنية والسياسية المعقدة، لإنتاج بعض أنواع المخدرات بسيطة التركيب وسهلة التحضير مثل مادة (الكبتاجون)، وهذا ما يحدث على الأراضي السورية بعد انتشار مصانع تجاوزت ال 250 مصنعاً، لاستهداف العمق الأردني بإنتاجها، وليكون الأردن طريقاً لها لتعبر من خلاله إلى منطقة الخليج العربي، واستهداف المكون السكاني الأردني والعربي لإيقاعه في فخ الإدمان والأمراض، وانتشار الجريمة والموت، مما جعل الأردن يصالح عن نفسه بالتصدي لتهريبها، ونيابةً عن دول الخليج في التصدي لهذه الميليشيات المسلحة ومواجهة هذا الخطر الداهم.
اقتصاد أسود
اعتمدت تلك الميليشيات على هذا الاقتصاد الأسود ليكون رافداً اقتصادياً بمليارات الدولارات لها، وبذات الوقت لا أبرأها من إعلان حالة حرب مستمرة على الأردن بحكم مواقفه السياسية والجغرافية، التي جعلت منه في موقع جيوسياسي هام محاطًا بتهديدات من كل جوانبه، بالإضافة إلى أن دول المحور الإيراني تتبنى في عدائها للعرب كل الأدوات المتاحة وأنواع الإخلالات الأمنية المرافقة لتهريب المخدرات كالأسلحة والمواد المتفجرة، في سعيها لهدم بناء المجتمعات العربية وإنهاك شبابها بالمخدرات، دون أن تكلفها أعباء الحروب التقليدية وتكاليفها الباهضة، واقتصار دورها على حماية الميليشيات التي تهرب المخدرات إلى الحدود الأردنية لتحقيق غاياتها في استهداف الأمن القومي الأردني.
مما يشكل خطرًا داهمًا على قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية التي تصدت جميعها لهجمات تلك الميليشيات المسلحة وواجهتها ببسالةٍ منقطعة النظير، على الحدود وفي الداخل الأردني.
فخ كبير ومستنقع ضحل
أما الدعم الغير مباشر لإنتاج المخدرات من دول كبرى، فوقعت في فخ كبير ومستنقع ضحل لم تعد قادرة على الانسحاب منه. الولايات المتحدة الأمريكية وعدة دول أوروبية، تحت مسمى الاستخدام الطبي للمخدرات والاستخدام الترفيهي (الكيف)، فقد سمحت بزراعة القنَّب الهندي (الماريجوانا) وأجازت قوانينها تعاطيه بعدة طرق، لكن فقدت السيطرة على الزراعة القانونية للقنب الهندي، بدلالة أن كاليفورنيا في عام 2021 أنتجت ما قيمته 14 مليار دولار من بيع القنَّب، منها فقط مليارين كانت بيعًا قانونيًا خاضعًا للضريبة الرسمية، واثنا عشر مليار كانت زراعات غير قانونية.
هذا عدا عن عواقب السماح بتعاطي القّنب الهندي الذي وسع من انتشار حالات الإدمان، والدخول بأمراض الاكتئاب والفصام، بل دفع المدمنين للبحث عن مواد مخدرة أقوى، لتشبع حاجتهم التي لم تعد يلبيها تعاطي الماريجوانا كمخدر بسيط وبديل عن المخدرات الكيميائية القاتلة مثل الفنتانيل أو الكريستال ميث، وهذا مثبت بدراسات حديثة علمية طبية ونفسية. إذ ازداد الإدمان على المخدرات المصنعة الكيميائية الرخيصة والتي قتلت 140 ألف مواطن أمريكي في العام الفائت 2023 وقتلت 110 آلاف في العام 2022 وفقاً لإحصائية صادرة عن مديرة مكافحة المخدرات الأمريكية (آن ميلقرام) ووفقاً لتصريحات المركز الأوروبي لمراقبة انتشار المخدرات والإدمان (EMCDDA).
الفكرة التي يروج لها في أمريكا وأوروبا هو محاولة صرف المتعاطين الجدد وتوجيههم إلى تعاطي المخدرات الطبيعية، لتكون بديلاً عن المخدرات الكيميائية الرخيصة شديدة السمية، وهي فكرة خاطئة مع ثبوت آثار تعاطي المخدرات الطبيعية على المدى المتوسط والبعيد، لا سيما تسببها بحوادث مرورية كارثية. في كندا التي شرّعت الماريجوانا الترفيهية عام 2018، وجدت إحدى الدراسات زيادة بنسبة 475% في زيارات طوارئ المستشفيات لحوادث وأمراض مرتبطة بتعاطي القنَّب في أونتاريو بين عامي 2010 و 2021.
ارتفاع نسبة الحوادث في أمريكا إلى 21.5% بسبب الماريجوانا
وفي الولايات المتحدة الأمريكية ارتفعت نسبة الحوادث التي نتج عنها وفاة بسبب القيادة إلى 21.5% في عام 2018، بعد أن كانت 9% في عام 2000 وزيادة بنسبة من 10% – 22 في نسبة الوفيات الناتجة عن الحوادث في الولايات التي قننت تعاطي الماريجوانا. جاء هذا بعد إضفاء الشرعية على تعاطي الماريجوانا دون الانتباه للمحاذير التي تتسبب بها، والضرب بالحائط الدراسات العلمية الطبية التي تثبت أخطارها.
في عام 2023 ضبطت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية أكثر من 79.5 مليون حبة مزيفة تحتوي على الفنتانيل، وما يقارب 12000 رطل من مسحوق الفنتانيل الخام، وهذه الكمية تعادل أكثر من 376.7 مليون جرعة مميتة تكفي لقتل الشعب الأمريكي بأكمله.
1000 نوع من المواد المخدرة في العالم
مفهوم حرب المخدرات ومدى خطورتها على البشرية قد تحقق فعلاً، بعد هذا الحجم الهائل من حصاد الأرواح ونشر الأمراض، خصوصاً بعد إحلال المخدرات الصناعية الكيميائية الأفيونية التي قضت على المخدرات من أصولها الطبيعية -ولو نسبياً – وذات السعر المرتفع، وهذا ما يتطلب منا ومن جميع دول المنطقة لإدامة الإنذار المبكر للكشف عن أي مادة تدخل اليها لتحديد مكونتها، في ظل وجود 1000 نوع من المواد المخدرة في العالم، ازداد هوس تجارها بجعل قوتها مضاعفة فتاكة بكل من يتعاطاها، إلى حدٍ بلغت فيه قوتها خمسون ضعف قوة المخدرات من أصول طبيعية.
عقوبات غير رادعة بالمملكة للمتعاطين
وعلى المستوى المحلي، لازلنا دون دراسات وطنية على مستوى المملكة تحدد- ولو تقريباً – حجم مشكلة التعاطي وأرقامه التقريبية، لكنها للأسف بتزايد-أُحذر منه- ومن حجم تأثير تعاطي المخدرات ومساهمته بارتكاب جرائم كبرى أسرية وغير أسرية بين أفراد المجتمع.
كما نطالب الجهات المعنية بمعرفتها ودراستها لبيان مخاطر المخدرات على السلوك البشري، أضف إلى ذلك عدم توقيف المتعاطين -خصوصاً المكررين منهم- بالحبس بل الاكتفاء بدفع الغرامة فقط، وهذا يشكل خروجاً على إرادة المشرع بتقريره عقوبة الحبس للمتعاطي، لتكون رادعاً له ولغيره.
لكن الآن ومع انتشار التعاطي دار في خلد هذه الفئة انهم بأمان من عقوبة الحبس مما يشجعهم على الاستمرار بالتعاطي، لا سيما أنهم الفئة المستهدفة للتجار والمروجين، وهم الفئة التي ترتكب الجرائم وتشكل خطراً على الأمن والسلم المجتمعي. ولا يجوز التذرع بأي حجة أخرى لعدم تنفيذ عقوبة الحبس بحق المتعاطين، لأن ذلك يشكل خطأً في تطبيق القانون ذاته.
حتى لا نقع في المحظور.. المروج أخطر من التاجر
وعلى الرغم من أنني تحدثت وكتبت أن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الأردني بحاجة إلى إلغاء جريمة الترويج واعتبار المروج تاجراً يستحق عقوبة الحبس لمدة خمس عشرة سنة حسب النص القانوني، إلا أن المروج هو أخطر من التاجر، وهو الذي يسعى جاهداً لتوزيع ونشر المخدرات وضمان وصولها إلى المتعاطين وهم الحلقة الأخيرة في سلسلة توريد المخدرات.
هذه هي المخدرات التي تقوض المجتمع بالفساد والعنف والجريمة، وأمامنا الفرصة الكافية التي تمكننا من استدراك ما فات، حتى لا نقع بالمحظور.