نخبة بوسترولا أبورمان                              

أثار قرار التعرفة الكهربائية المرتبطة بالزمن – الذي أصدرته هيئة تنظيم الطاقة مؤخرًا – جدلًا واسعًا على الساحة، إذ يرى مختصون أن التعرفة الجديدة هي تمهيد لرفع أسعار الكهرباء على المواطنين، فيما أكدت فئة أخرى أنها ممارسة عالمية؛ تنظيمية إصلاحية تهدف إلى ترشيد استهلاك الكهرباء وترحيل جزء من الأحمال الكبيرة خلال فترة الذروة إلى فترات أخرى قليلة الحمل.

وبين هذا الرأي وذاك، ارتأى “نخبة بوست” تسليط الضوء عن كثب على ملف التعرفة الكهربائية المرتبطة بالزمن من خلال الإجابة على التساؤلات التي تدور في أذهان الكثيرين والتي مفادها: هل سنشهد خلال الشهر الحالي ارتفاعًا في أسعار الكهرباء أم ستنظم القطاعات طريقة استهلاكها للكهرباء لخفض التكاليف؟

تقسيمات التعرفة الكهربائية المقترنة بالزمن

بداية، لتوضيح التعرفة الكهربائية المقترنة بالزمن، لا بد من إيضاح الأزمنة المقسمة لهذه التعرفة، والتي ستقسم إلى الفترات الزمنية التالية: الفترة الأولى (خارج الذورة) التي ستبدأ من الساعة 5 فجرًا وتستمر حتى الساعة 2 ظهرًا، الفترة الثانية (ذروة جزئية) التي ستستمر من الساعة 2 ظهرًا حتى الساعة 5 مساءً، الفترة الثالثة (الذروة) التي تبدأ من الساعة 5 مساءً وتستمر حتى الساعة 11 مساءً، والفترة الأخيرة (ذروة جزئية ثانية) التي تبدأ من الساعة 11 مساءً وتستمر حتى 5 فجرًا.

عقل: التعرفة الجديدة ستزيد من مشكلة الفائض الكهربائي في الأردن

وفي هذا الوفي هذا الصدد، قال خبير الطاقة هاشم عقل إن التعرفة الكهربائية المرتبطة بالزمن هي إمكانية تحكم المواطن بنمط استهلاكه للكهرباء، بحيث يستفيد من التعرفة المنخفضة خلال الفترة التي تكون خارج الذروة (5 فجراً – 2 ظهراً)، أو خلال فترتي الذروة الجزئية (2 ظهراً – 5 مساءً)، (11 مساءً – 5 فجراً)، فيما يتم رفعها بشكل محدود خلال فترة الذروة (5 مساءً – 11 مساءً)، بما يمكن المشترك من التحكم بنمط استهلاك واستخدام الكهرباء ضمن هذه الفترات بكفاءة أفضل.

وعليه، أكّد عقل بأن آلية تحديد وقت الذروة في تعريفة الكهرباء الجديدة تمت وفقًا لأوقات العمل للقطاعات المستهدفة، فعلى سبيل المثال، الذروة المحددة (من الساعة 5 مساءً وحتى الساعة 11 مساءً) هي الأوقات التي لا تعمل فيها المصانع ويكون فيها الاستهلاك المنزلي بشكل كبير، لافتا إلى أن المصانع لن تستفيد من التعريفة خلال هذه الفترة، فلابد من تحويل أحمالهم وزيادة إنتاجهم خلال الفترات الزمنية الأخرى، بحيث يستفيدوا من الامتيازات والتخفيضات.

إلا أن عقل أشار إلى وجود بعض الحالات التي تحول دون استفادة المستهلك من التعرفة الكهربائية الجديدة، إذ لفت إلى أن هناك دراسة أشارت إلى أن 25% من استهلاك الطاقة في النهار يعتمد على الطاقة المتجددة سواء الرياح أو الشمس أو غيرها، مما يجعل المواطن غير مستفيد من التعرفة خلال تلك الفترة.

إضافة إلى أنه في ظل وجود فائض في توليد الكهرباء وارتفاع نسبة الاعتماد على الطاقة المتجددة مستقبلاً، فإنه من غير المناسب استخدام تعرفة الكهرباء المترابطة بالزمن، حيث ستزيد من مشكلة الفائض الكهربائي في الأردن، ناهيك عن مشكلة تحديد فترة الذروة بين الخامسة والحادية عشرة مساءً وهذه الفترة التي لا تعمل بها المصانع مع زيادة ملحوظة في استهلاك المنازل.

يمكن للمواطن استغلال فترتي الذروة الجزئية (من 11 مساءً إلى 5 فجرًا) وفترة خارج الذروة (من 5 فجرًا إلى 2 مساءً) في شحن سيارته، حيث يكون هناك انخفاض بقيمة 10 فلسات على الكيلو واط

ونوه عقل إلى أنه يقُصد بشحن السيارات في المنازل عدادات الشحن المخصصة لذلك والتي لا علاقة لها بالعدادات المنزلية، كما شدد على الحكومة بضرورة خفض سعر الكيلوواط لقطاع الصناعة إذا كانت الغاية من التعرفة الجديدة هو خفض تكاليف الطاقة على القطاع الصناعي الذي تصل تكلفة الكهرباء إلى 45% من التكلفة الإجمالية.

الشوبكي: تمهيد غير معلن لرفع أسعار الكهرباء

من جانبه يرى خبير الطاقة عامر الشوبكي أن هذا القرار هو “خطوة في الاتجاه الخاطئ”، واعتبره تمهيدًا غير معلن لرفع أسعار الكهرباء، ويعارض رؤية التحديث الاقتصادي لعام 2023.

وأضاف الشوبكي أن مثل هذه القرارات التي تمهد لرفع أسعار الكهرباء لن تكون لصالح الاقتصاد الأردني، نظرًا لأنها ستطبق على بعض القطاعات مثل قطاع شحن المركبات والقطاع الصناعي الكبير والمتوسط، بالإضافة إلى قطاعي الاستخراجي والاتصالات، لكنه لن يطبق على القطاعات المنزلية خلال الفترة الراهنة؛ نظرا لامتلاك هذه القطاعات عدادات ذكية وبنية تحتية جاهزة وكاملة تساعد في تطبيق ضبط الاستهلاك.

وحول مساهمة القرار بتوفير جزء من فاتورة الكهرباء، وصف الشوبكي القرار بأنه “خطأ فادح غير دقيق للغاية”، وأضاف أننا سنشهد رفعًا في فاتورة الكهرباء؛ نظرًا لأن الحزمة السعرية المنخفضة تقع في فترة انخفاض نشاط المؤسسات الاقتصادية والمحال التجارية والمنازل خلال الفترة الصباحية.

وفي المقابل، أكد الشوبكي أن القيمة المرتفعة لأسعار الكهرباء ستكون في فترة الذروة والفترة المسائية التي يزاد فيها نشاط القطاعات الاقتصادية والمحال التجارية والمنازل، وخاصة مع عودة المواطنين والموظفين إلى منازلهم وخلال هذه الفترة سيتم حساب مصروف استهلاك الكهرباء بقيم أعلى.

ونوه الشوبكي إلى أنه إذا ما تم تطبيق التعرفة على القطاعات المنزلية والاقتصادية والمحال التجارية سيتم رفع فاتورة الكهرباء بما لا يقل عن 20%.

الأسعار الحالية للكهرباء في الأردن هي الأعلى عربيًا لذا أي إضافة أو رفع على أسعار الكهرباء “غير محتمل” وسيدفع في اتجاه نزيف إضافي من جيب المواطن

الاتجاه الحكومي والتفكير المنغلق في جيب المواطن يعكس ضيق الرؤية، لذا يجب على الحكومة إيجاد حلول خارج الصندوق

وبحسب الشوبكي، جاءت هذه الخطوة الحكومية لتخفيف الأعباء المالية لدى شركة الكهرباء الوطنية وخفض دينها الذي وصل إلى 7 مليار دولار نتيجة انقطاع الغاز المصري في عام 2014، بالإضافة إلى قيام الحكومة بابرام عقود لشراء الطاقة المتجددة بأسعار مرتفعة تفوق أسعار بيع الكهرباء للمواطنين.

وأشار إلى أن شركة الكهرباء الوطنية والقائمين عليها لم يتمكنوا من حل المشكلة المالية آنذاك، مما أدى إلى تفاقمها حتى اللحظة الحالية.

وفقًا للشوبكي، فإن الحكومة بدلًا من حل المشكلة من جذورها، اتجهت إلى حل نتائج هذه المشكلة التي نشأت بسبب الأخطاء التعاقدية بين الحكومة والشركات، حيث أن أصحاب هذه الشركات كانوا من “المتنفذين” بحسب قوله.

وأشار إلى  أن الحكومة تعارض نفسها عندما أبرمت اتفاق شراء الغاز من الاحتلال الإسرائيلي ووعدت الشارع الأردني بتقليص كلف توليد الكهرباء وتخفيض أسعار الكهرباء في الأردن إلا أن هذه الوعود ذهبت في مهب الريح، فالاردن يستورد الغاز من الاحتلال منذ عام 2020.

كما تطرق إلى دور الحكومة التنظيمي الذي تتخذه في علاقاتها مع شركات توزيع وتوليد الكهرباء، وعليه شدد على ضرورة العمل لإيجاد حلول جذرية شاملة  تعالج خلل القائم في منظومة التوزيع والتوليد والنقل للكهرباء، وذلك من أجل تخفيف كلف الكهرباء على الاقتصاد الأردني بدلا من زيادته، وأشار إلى أن كلف الكهرباء المرتفعة تعني عدم القدرة على جلب الاستثمارات من الخارج أو تقليص القدرة على جلب استثمارات من الخارج، بالإضافة إلى ذلك تقليص فرص الحصول على نمو اقتصادي مرتفع وبالتالي هذا يعني تعميقا لمشكلتين مؤرقتين هما الفقر والبطالة.

السواعير: التعرفة الجديدة مطلب نيابي قديم

بدوره، أشار رئيس لجنة الطاقة النيابية الأسبق فارس السواعير إلى أن التعريفة الكهربائية الجديدة بربط الاستهلاك بالزمن هي “مطلب نيابي قديم”؛ وذلك لتشجيع الاستهلاك الكهربائي وتنظيم النظام في ساعات وخصوصاً في الظروف الاستثنائية مثل الحر أو البرد الشديد، بحيث يكون السعر مشجعًا في جزء من اليوم الذي لا يكون عليه سحب أحمال كثيرة، في المقابل توجه الشرائح لاستخدام الكهرباء في تلك المرحلة.

وأكد السواعير بأنه مؤيد للتقسيم والربط الزمني على أن لا يمس أسعار الاستهلاك، بحيث تستفيد القطاعات التي شُملت في المرحلة الأولى من تخفيض أسعار الكهرباء في ساعات معينة من النهار، وتشجيع ربات البيوت على استهلاك الكهرباء في تلك المرحلة بالنسبة للقطاع المنزلي.

ولفت إلى انه إذا كان القصد من هذه التعرفة الجديدة هو التنظيم لأجزاء اليوم وتقسيمه إلى 3 أجزاء، فهذا وفقًا لتعبيره “تطور جيد في النظام الكهربائي والتعرفة في الأردن”، عدا ذلك سيطرأ رفع كبير على أسعار الكهرباء وخاصة في فترة الذروة، وبالتالي سيكون إجراء غير سليم.

الخلاصة: التعرفة في فترة الذروة هي الأعلى بين الفترات الزمنية الأخرى

التعرفة الكهربائية المرتبطة بالزمن.. بين الجباية والتنظيم!
شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version