نخبة بوست- في سؤال مدهش وبسيط، أثار الإعلامي الكبير عامر الرجوب سؤالًا حول مَنْ خطّط، ونظّم، وقَونَن، وأخرَج، ونشَر قانون الخدمة المدنية “الموارد البشرية الجديد” وقال: هل هو أردني؟
سؤال بسيط، لكن جوابه يحتاج إلى كمبيوتر حديث، وبسعة ألف جيجا بايت؛ ليتمكن من لملمة شظايا السؤال!!
لماذا أقول هذا؟ طبعًا لاعتقادي بأن الشخصية الأردنية شخصية مركّبة، تحوي صندوقًا من العجائب المحلية، وغير المحلية، خاصة إذا كنا نتحدث عن شخصية أردنية مسؤولة. وأنا من قال يا صديقي عامر سنة 1986: حين تعرفت على الدبلوماسيين الأردنيين، وعملت معهم في باريس: إنهم مخلوقات عجيبة للدولة الأردنية! إذ ليس لها مفتاح، ويصعب توقع ردود أفعالها! وإذا كان الدبلوماسي الشاب بهذه “الأردنية” فما بالك يا عامر بشخصيات أردنية رفيعة المستوى الإداري، والتحكمي!
طبعًا لا أتحدث عن أشخاص، إنما مفاهيم مجردة للشخصية الأردنية، وقد أؤكد لك أن من طبخوا القانون والتعديلات هم ممّن وصفهم “عرار” وبتصرف: أردني اللون حوراني!!
إذن؛ لم تعد المشكلة يا عامر: هل هو أردني أم لا؟ فهو أردني بالتأكيد، لكن عن أي أردني نتحدث!!!
* هناك أردنيون نسخة أولى.
* وهناك أردنيون مدورون.
* وهناك أردنيون معدَّلون قيميّا.
* وهناك أردني شاطر وأردني حكومي.
* وهناك المنافق وغير المنافق.
* وهناك أردني يعرف المواطن وأردني آخر مثل من عمل القانون!
* وهناك عشرات الأشكال، والنُّسَخ للشخصية الأردنية!
الشخصية الأردنية ذات النوايا الإيجابية!
الأردنيون طيّبون، ومسؤولوهم ينظرون نظرة أحادية، من دون أن يقلّبوا كما يتطلب التفكير الناقد جوانب الأمور ومترتباتها البعيدة، ويكتفون بالمترتبات القريبة.
وبرأيي -حسب النوايا الطيبة – أن صاحب القرار اعتقد بالافتراضات الآتية:
– الموظف الأردني سعيد، ومبتهج، وفخور بعمله.
– الموظف الأردني يحصل على دخل كافٍ، ويقتطع جزءًا منه للمستقبل، وغارات الزمان!
– الموظف الأردني الذي يعمل في وظيفتين يحرم أردنيا آخرَ من تلك الوظيفة! ويزيد من نسب البطالة.
– أي شاب جديد قد يعوض خبرة الموظف الخبير الذي يعمل إضافيّا في القطاع الخاص!
من الواضح أن افتراضات الحكومة وهمية.
ولذلك توقع الأردني صاحب القرار خيرًا كثيرًا، يتمثل في وقف جشع الموظفين، وخفض نسب البطالة؛ ولم يفكروا بالآثار السلبية لقراراتهم، فالنوايا طيبة؛ لكن النتيجة “إجى تايكحلها” عماها! فقد منعوا الخير عن موظفهم وحاصروه، ومنعوه البحث عن حل إبداعي لمشكلاته! إن مترتبات القرار السلبية عالية الاحتمال، لكن مترتباتها الإيجابية نادرة الاحتمال! وهذه حسابات لا يخوض بها أردني شاطر!
شظايا القرار الأردني
من دون أي تفكير سلبي، ولا تحتاج الحكومة إلى طاقتي السلبية، لكن يمكن الحديث عن شظايا حادة للانفجار الأردني الجديد تتمثل بما يأتي:
1. ضعف التواصل الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي مع الدول التي تحتاج مهارات أردنية مؤقتة، أو لزمن محدّد، كما يقدمها موظفون معارون.
2. إحباط شديد للجهاز الحكومي المثقل بالإحباطات المالية، والإدارية، والنفسية؛ الأمر الذي سيخلق حالة من”القرف الوظيفي” بعد أن أغلقت الحكومة كل منابع الأمل.
3. ونتيجة للإحباط، سيقل حتمًا أداء الموظف، ويقل رضاه عن عمله، وقد يزداد تسلطه إن كان مديرًا، أو رئيس قسم، أو موظفًا يتعامل مع الجمهور.
4. وبإلغاء الترفيع الجوازي قد تقل محاباة المديرين؛ لكنها ستحبط المبدعين الذين سيقفون في طابور الانتظار مع كسالى العاملين.
5. إننا نحرم المجتمع، والقطاع الخاص من خِدمات العاملين خارج وظائفهم، وغالبًا ما يكون هؤلاء من موظفين لامعين ومبدعين، يحتاج القطاع الخاص لمهاراتهم.
6. والقطاع الخاص يحتاج إلى عاملين بفترات محدودة، وبأجور مقبولة، فلماذا تحرِم القطاع الخاص من الإفادة من هذه الخِدمات؟
على العموم، ما دمنا نتحدث عن الشظايا، يصعب تجميعها كلها!
ولكن هناك من يصف الموظف الأردني بالمقهور إداريًا، والصامت تنظيميًا حتى الآن! فهل ستفيد إجراءات الحكومة في كبته أم ستحرّره مما يعانيه؟
ما لم يخطر على البال يا عامر!
يمكن فهم نكد السلطة على المواطن، ولكن كيف تفسّر لي عن وسائل الحكومة في القضية الآتية:
موظف يعمل بعد الظهر في عمل إضافي من منزله، وعبر الإنترنت؛ ويقدم استشارات لشركات، ويعِدّ مواد دراسية لطلبة، ويقدم علاجًا لمريض، بل ويعمل في عمل تطوّعي غير مأجور، كيف تمنع هؤلاء من تقديم هذه الخِدمات؟ بل لماذا تمنعهم!
والقضية الأخرى؛ يعمل الموظف الحكومي معكم بشهادته؛ حيث يتلقى المكانة المناسبة، والرتبة المناسبة، والدخل المناسب؛ بينما يعمل خارج الوظيفة بموجب مهاراته لا شهاداته، فهو يمارس الروتين مع الحكومة، والإبداع في القطاع الخاص، ولا يحتاج العمل الحكومي إلى هذا الإبداع!
وسؤالي: هل الأردني الذي وضع القانون مستعدّ للتخلي عن عشرات اللجان وما تُدِرُّه عليه من خارج وظيفته؟ وعن الاستشارات الوهمية، والاجتماعات خارج الدوام التي تضاعف راتبه؟
فهمت عليّ جناب عامر بك؟