نخبة بوست – أماني خماش

تُشكّل حرب غزة  محور اهتمام جذب أنظار العالم بأسره وذلك لما لها من تأثيرات إنسانية وسياسية واسعة النطاق، حيث تسببت هذه الحرب –  التي دخلت شهرها العاشر –  في خسائر كبيرة على الصعيدين المدني والعسكري، كما تؤثر بشكل كبير على حياة الملايين من الفلسطينيين وتحديدا سكان القطاع المنكوب.

في الوقت نفسه، تشهد الولايات المتحدة الأمريكية انتخابات رئاسية تُعتبر من بين الأهم في تاريخها الحديث، إذ تؤثر نتائج هذه الانتخابات بشكل مباشر على السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك موقفها تجاه النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي.

ومن هنا؛ يُراقب العالم عن كثب عملية سير هذه الانتخابات، حيث يمكن أن تؤدي نتائجها إلى تغييرات جوهرية في العلاقات الدولية والتوجهات السياسية المتعلقة بالشرق الأوسط، لاسيما في ظل تباين وجهات النظر بين المرشح الديمقراطي جو بايدن ونظيره مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب.

في هذا السياق، يظهر التداخل بين حرب غزة والانتخابات الأمريكية كعامل مهم في تحليل التطورات المستقبلية، حيث يمكن أن تلعب الإدارة الأمريكية الجديدة دورًا حاسمًا في صياغة سياسات جديدة قد تؤثر على مسار الصراع في غزة، وتفتح آفاقًا جديدة نحو السلام أو تزيد من تعقيد الوضع القائم !؟

السبايلة: ملف غزة يشغل حيزا بسيطا في الانتخابات الأمريكية

من جهته، بين الخبير الاستراتيجي د. عامر السبايلة أن غزة جزء صغير لا يمكن تصنيفه ضمن الملفات الكبيرة في الانتخابات الأمريكية، لاسيما أن كلا الطرفين بايدن – ترامب سيركزان في المقام الأول على إسرائيل وكيفية تأمينها وتعزيز سياسة دعمها، بالإضافة إلى البحث في آلية إدارة السياسات في المنطقة.

ولفت السبايلة إلى ظهور أزمة حقيقية في الحزب الديمقراطي والمتمثلة بآلية انتخاب بايدن، ومع ذلك، في حال فوز الحزب الديمقراطي، لن يكون هناك تغييرات جوهرية في السياسات الخارجية، لكن الديمقراطيين يرغبون في تحقيق إنجازات دبلوماسية، مثل العمل باتجاه إبرام صفقة سلام إقليمية، مضيفا “هذا ما يدفعهم لاستخدام كافة الأوراق لإيقاف الحرب، ولكن كلما ضاقت مساحة الوقت، كلما زادت الأهمية بتأمين إسرائيل على حساب إيقاف الحرب”.

وبشأن أثر الانتخابات الأمريكية على نفوذها في المنطقة، أشار السبايلة إلى أن أجندة الحزب الجمهوري ستعزز من وجود القوات الأمريكية في المنطقة العربية، خصوصا أن ما ظهر خلال الأشهر الأخيرة يوحي بتمتع ترامب بفرص أقوى للعودة إلى البيت الأبيض، مما يعني الاتجاه نحو حل العديد من الملفات العالقة، وقد تجلى ذلك في نهج ترامب المتبع في ولايته الأولى.

فكرة استمرار الحروب العاطفية دون تحقيق أي إنجازات لاسيما على المستوى الاقتصادي، ستكون خارج حسابات الجمهوريين

شنيكات : الدعم الأمريكي لإسرائيل سيكون أقوى في حال فوز ترامب

وفي ذات الصدد، أوضح رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات أن الدعم الأمريكي لإسرائيل سيكون أقوى في حال فوز ترامب، بسبب موقفه الرافض لإقامة الدولة الفلسطينية.

وأضاف بقوله “ما حدث في المنطقة خلال عهد ترامب أوضح نهج سياسته، لاسيما أنه عرّاب صفقة القرن، وسعى لضم غور الأردن والجولان إلى سلطة الاحتلال، ولا بد من القول أن المشهد الآن بات من الأكثر دعماً لإسرائيل، وهذا ما أكده ترامب في المناظرة الأخيرة بقوله: “نحن نتصرف وفق ما تطلبه الحكومة الإسرائيلية”، مما يعني التضحية بالمصالح الأمريكية الاستراتيجية من أجل دعم إسرائيل.

وعن تأثير حرب غزة على مسار الانتخابات الأمريكية، بين شنيكات أنها ستكون أكثر سلبية على بايدن من ترامب، بسبب اعتماد القاعدة الانتخابية لبايدن على دعم الأقليات، بما في ذلك الأقلية العربية الإسلامية التي ساندته بقوة في الانتخابات السابقة.

وقال شنيكات المشهد لن يكون مختلفاً عند الجناح التقدمي “اليسار”، فهم يشعرون بمرارة سياسة بايدن فيما يتعلق بالحرب على غزة، وفي المقابل، تتكون قاعدة ترامب من اليمينيين المتشددين، وحينما كانت القواعد الانتخابية لبايدن متحدة، استطاع ترامب أن يلحق هزيمة تاريخية به، لكن هذه المرة الأمور ليست بتلك السهولة.

نجاح بايدن ليس سهلاً، والحرب في غزة لن تحسمها نتائج الانتخابات، فالحرب مستمرة، والقادر على حسمها هو “الميدان”

وعلى مدى الأشهر التسعة الماضية، لم يذهب بايدن باتجاه الضغط على تل أبيب لوقف الحرب، بل قدم الدعم العسكري لإسرائيل، واكتفى بالامتناع عن إرسال بعض الأسلحة فقط، فالنتيجة أن ترامب يتشابه مع منافسه في هذا الإطار، فكلاهما يريدان سحق حماس، ولكن الاختلاف يكمن بينهما في الرؤية المتعلقة بالدولة الفلسطينية.

المومني: بالرغم من هفواته.. فرص بايدن هي “الأقوى” 

من جانبه، قال أستاذ العلاقات الدولية وتسوية النزاعات الداخلية الدكتور حسن المومني إن الانتخابات الأمريكية هي انتخابات دولة عظمى، وبالعودة إلى العقود الثلاثة الماضية، كانت الولايات المتحدة الدولة الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط، وما حدث في المنطقة أعاد وجود الأمريكي.

وأضاف إن الرئيس الذي يفوز بولاية ثانية سيكون لديه قدرة أكبر على اتخاذ القرارات، فانتخاب بايدن قد يكون عاملاً جيداً، لاسيما أن واشنطن في فترة ولايته أنفقت جهداً دبلوماسياً في المنطقة يمكن البناء عليه، بينما ستعود الأمور إلى نصابها الأول على الصعيدين الإقليمي والعالمي في حال فوز ترامب، فقد سبق أن انسحب من اتفاقيات عدة.

وأشار المومني إلى أنه بالرغم من هفوات بايدن، إلا أن فرصه بالفوز هي الأعلى، فهو راشد وعقلاني، ومشتبك نشيط في المنطقة، وما زال يتمتع بتأييد الحزب الديمقراطي.

ومع انتقال المشهد الانتخابي إلى المنطقة الرمادية، لا بد من القول إن ميزة الانتخابات الأمريكية هي ديناميكيتها، والكثير من الناخبين لم يحسموا أمرهم بعد، وقد تطرأ بعض المستجدات الداخلية التي قد تسهم في تغيير توجهات الرأي العام.

وعن إمكانية استبدال بايدن بمرشح آخر بسبب وضعه الصحي، لفت المومني إلى أن حدوث ذلك سيكون نوعاً من المقامرة، فالحزب لا يمتلك المزيد من الوقت لبناء قاعدة انتخابية للمرشح الجديد، الأمر الذي من شأنه أن يشكل انتكاسة لبايدن وللحزب، خصوصا وأنه لم تظهر أسماء بارزة لمرشحين خلال فترة الترشح للحزب، يمكن أن تعوض عن أداء بايدن الضعيف.

ترامب شخصية جدلية، ويخضع لمحاكمات قد تتطور في الشهور القادمة

أبو دية: كلا المرشحين لديهما الرؤية ذاتها بشأن إطالة أمد الحرب في غزة

من جهته، أكد أستاذ العلوم السياسية الدكتور سعد أبو دية أن غزة لم تحضر بقوة في المناظرة الأمريكية، ويعود ذلك إلى أن الرؤساء لهم قواعد عميقة تحكمهم، فقد أعلنوا أن المفاوضات هي إضاعة للوقت، وبدؤوا بفرض شروط لم تكن موجودة في السابق، بالإضافة إلى ذلك، مسألة اليوم التالي للحرب لم تعد تتحكم بها جهة واحدة كما في السابق.

السيناريو المتوقع هو تعزيز اتساع الرقعة السياسية في المنطقة، بالإضافة إلى دخول الدول العربية للتفاوض مع الأطراف وتقديم مقترحاتها

وأشار أبو دية إلى أن كلا المرشحين لديهما الرؤية ذاتها بشأن إطالة أمد الحرب في غزة، لحين أن تحقق تل أبيب هدفها الرئيسي، وهو استرداد الأسرى، والاختلاف بينهما برز في الملفات الداخلية فقط.

ولفت إلى أن الحكومة العميقة هي من تصوغ السياسات الخارجية في أمريكا، خصوصا وأن المناظرة التي حدثت أوضحت أن بايدن لا يملك أهلية الاستمرار، وهناك إمكانية استبداله بمرشح آخر، وبالرغم من أنه يمتلك فريقًا استشاريًا عمل على إدارة المناظرة، إلا أن أداءه لم يكن جيدًا في البداية، وقد عدل وضعه في النهاية.

ولفت أبو دية إلى أن قرار الحرب الشاملة ليس بيد إسرائيل، بل الأمريكيون هم من يديرون الصراع، والمناوشات ستبقى بين حزب الله وإسرائيل ضمن هذا النطاق فقط، وبالتالي ليس هناك مبرر لتوسيع رقعة الحرب.

واشار إلى أن الحروب والمفاوضات ليست كما في السابق، فهناك حروب تخاض بالوكالة، وهناك ما يعرف أيضًا بـ “دبلوماسية القمة” التي ظهرت عندما فشلت مساعي بايدن بالمفاوضات، إذ أرسلها عبر مستشاريه ووزرائه، مما أدى إلى أن يكون حاضرًا في المشهد الدبلوماسي.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version