نخبة بوست – في الانتخابات التشريعية الفرنسية المبكرة، تمكن تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري الذي حل أولًا، وائتلاف (معًا) الوسطي الذي يقوده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حل ثانيًا من منع التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي حل ثالثًا من الحصول على الأغلبية المطلقة في الجولة الثانية من الانتخابات التي جرت الأحد الماضي بعد أن تصدرها في الجولة الأولى، وبالتالي منعه من تشكيل الحكومة.

إلا أن هذه الترتيبات التوافقية بين اليسار والوسط قد دفعت المشهد الانتخابي نحو حالة من عدم اليقين قد تقود إلى حدوث شلل سياسي ومؤسساتي أو أزمة سياسية في فرنسا نتيجة عدم حصول أي من الأحزاب السياسية أو التحالفات الحزبية على الأغلبية المطلقة التي تؤهلها لتشكيل الحكومة، مما يجعلها بحاجة لدعم أحزاب أو تيارات أخرى، تحمل أفكارًا وتوجهات سياسية وأيديولوجية متناقضة ومتضاربة لأفكارها، وبالتالي صعوبة تشكيل حكومة ائتلافية مثلما كان سببًا في جعل فرنسا تضطر لتغيير نظامها السياسي من برلماني إلى برلماني رئاسي (مختلط)، لتلافي عيوب الحكومات الائتلافية التي منها حالات عدم الاستقرار وعدم الاستمرارية بسبب ضعفها وهشاشتها وعمرها القصير.

الأمر الذي يضع الرئيس ماكرون، رغم عدم وجود قيود دستورية تلزمه باختيار وتعيين رئيس الحكومة حتى وإن كان من معسكر المعارضة وحقق نتائج متقدمة في الانتخابات، أمام خيارات صعبة وربما معقدة خاصة مع تصدر تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري نتائج الانتخابات، وعدم اعتياد فرنسا على تشكيل حكومة ائتلافية ذات توجهات يسارية متعارضة كما هو الحال في دول أوروبية كألمانيا وهولندا.

دون أن يعني ذلك عدم طرح سيناريو عقد اتفاق مع اليسار المعتدل من الاشتراكيين والخضر واستبعاد حزب فرنسا الأبية المتشدد (أقصى اليسار) الذي يتزعمه جان لوك ميلانشون لتشكيل ائتلاف يسار وسط، وإن كان مثل هذا السيناريو يتطلب مفاوضات صعبة وشاقة.

إلى جانب احتمال آخر يتمثل في الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال (الحكومة الحالية) أو تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة ائتلافية أو تشكيل حكومة تكنوقراط/خبراء لا تنتمي لأي حزب سياسي ترأسها شخصية توافقية وتعطى الضوء الأخضر من الأغلبية في البرلمان، وهي سيناريوهات قد يراد منها شراء الوقت بالنسبة لماكرون لمدة عام بعدها يحل البرلمان الجديد وتجرى انتخابات مبكرة.

إلا أن الخطورة تكمن في احتمالية أن تشهد فرنسا شللًا سياسيًا وأزمة سياسية ومؤسساتية عميقة، إذا ما فشلت في التوصل إلى اتفاق على شكل الحكومة القادمة، ووصول كل الخيارات إلى طريق مسدود في ظل عدم إمكانية إجراء انتخابات تشريعية قبل مرور عام على إجرائها، وعدم استعداد الرئيس ماكرون الذي تنتهي ولايته عام 2027 إلى الاستقالة، مما قد يدفع الجميع خاصة ماكرون إلى القبول بسياسة الأمر الواقع، ممثلا بما يعرف بالتعايش السياسي يكون فيه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من معسكرين سياسيين مختلفين ومتناقضين، مما يجعل منه تعايشًا صداميًا وذلك بسبب تعارض إرادة رئيس الجمهورية مع إرادة رئيس الحكومة أو الحكومة أو حتى البرلمان المنقسم بين تيارات كبيرة متعارضة ومتناقضة سياسيًا وأيديولوجيًا أيضًا. وهو الوضع الذي شهدته فرنسا زمن الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا ميتران ورئيس الوزراء اليميني المحافظ جاك شيراك، وزمن شيراك عندما كان رئيسًا لفرنسا مع رئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان، وذلك بسبب خسارة حزب الرئيس للانتخابات التشريعية وعدم حصوله على الأغلبية المطلقة.

شاركها.
Exit mobile version