نخبة بوست – أماني خماش

بمقعده المتحرك؛ استطاع عاهد العاظامات البالغ من العمر 32 عاماً، أن ينجح في حجز مكان متقدم له في هذه الحياة، فوضعه الصحي المتمثل في إعاقة جسدية وصعوبة في النطق، لم يكن عائقاً أمام تحقيق أحلامه وطموحاته.

عاهد، الذي نشأ في بيئة بدوية صعبة بين ظروف صحية واجتماعية واقتصادية أصعب، كان الصبر ملاذه الوحيد الذي استطاع من خلاله فعل المستحيل والتمرّد على ماقيل عنه “غير ممكن”.

طفولة محاطة بالصعوبات

بدأت مصاعب الحياة بمحاصرة عاهد في السنوات الأولى من عمره، حيث أتت على هيئة إعاقة جسدية تمثلت في الشلل وعدم القدرة على المشي، إضافة إلى صعوبة في نطق الحروف؛ لكن إعاقته لم تكن المحور الوحيد لمعاناته وحزنه، فإلى جانب وضعه الصحي الخاص، كانت هناك العديد من التحديات الاجتماعية التي ساهمت في حصاره، ويتمنى الآن لو تمحى هذه الذكريات العصيبة من ذاكرته.

لم يبصر عاهد نور هذه الدنيا إلا وهو يعيش في كنف امرأةٍ تُدعى “الجدة”، التي كانت له أشبه بسور يذود عنه مآسي الحياة، لم تتوانَ الجدة عن تقديم الدعم الذي كان له أثره الكبير في ترسيخ الصبر والقوة في نفسه، فكانت أنيسته في الذهاب والإياب إلى مدرسته، وصديقة أيامه الأليمة، ورفيقة دربه الصعب.

الأمل يحارب اليأس

“أنا المحروم”، هذا اللقب الذي أطلقه عاهد على نفسه في أولى قصصه القصيرة التي كتبها وأصدرها قبل سبع سنوات بعنوان “نافذة محروم”، فقد كان يرى نفسه بسبب إعاقته واختلافه عن الآخرين أنه مجرد من نعم الحياة، وكان اللون الأسود يغزو نظرته للأمور.

ظن عاهد نفسه غير قادر على تحقيق ما يتمنى، وأن مقعده المتحرك سيمنعه من الوصول إلى ما يحلم.. ولكن الحياة وبعد مرور السنين والأيام، والخوض في الكثير من التجارب، تمكنت من ولادة الأمل في ذهنه، فاليوم لم يعد يرى عاهد نفسه ذلك الإنسان المحروم، بل أصبح يرى إعاقته أشبه بعكازٍ استطاع أن يكسر به زجاج تلك النافذة التي حجبت عنه رؤية الحياة والدخول إليها.

أصبح محاطاً بالإنجازات، حيث استطاع بالعزم والإصرار نيل ما كان يصبو إليه، أصبح كاتباً في عدة مواقع وصحف محلية وعربية، وأصدر مؤلفات أدبية، وبقوة قلمه حصد الكثير من الجوائز، كان أهمها جائزة “الأمير فيصل آل سعود للإبداع”.

رفيقة الحياة

وأشار عاهد إلى أن أبرز التحديات التي تواجه ذوي الإعاقة فكرة الإقدام على الزواج فهو كسائر الشباب يحلم بأن يصبح زوجاً وأباً، وقد جرت العادة أن هذه الرغبة لا تلقى إلا الرفض والاستغراب من قبل المجتمع.

وأضاف ” الصورة النمطية الموجودة في أذهان البعض هي أن ذوي الإعاقة يصعب عليهم الارتباط والقيام بواجبات ومسؤوليات شريك الحياة وأطفالهم، إلا أنه كان نداً لهذه التحديات، فضرب بعرض الحائط كل هذه المعتقدات، وتمكن من الزواج بشريكة عمره، وأنجبا طفلتهما الأولى “عهد”.

أمل جديد

لم ينعم عاهد بالسعادة مع زوجته وابنته طويلاً، إذ زارته الصعاب مرة أخرى عندما أصيبت عهد بمرض في القلب، فما لبثت أن فارقت الحياة قبل أن تكمل عامها الأول. وكان لكرم الله إضاءة جديدة في حياة عاهد وزوجته، حيث أنجبا طفلهما الجديد “مروان”، الذي أتى إلى الدنيا بصحة كاملة وعافية قوية. أنار مروان حياة والديه، وبعث الأمل في نفسيهما.

حرص عاهد وزوجته على إحاطة طفلهما بالاهتمام والرعاية، والعمل على زرع المحبة في قلبه لخالقه، وللوطن، وللحياة، وترسيخ الصبر في نفسه ليتمكن من تحقيق ما يتمنى والوصول إلى ما يُحب

عطاء من جلالة الملك يذلل الصعوبات

وأوضح عاهد أن أكثر ما يرهق بال الشباب اليوم هو كيفية الحصول على وظيفة ليعتاش منها، ثم إمكانية تأمين بيت يؤويه هو وأسرته ليبدأ به حياة جديدة، وفي حالة عاهد كان الأمر أكثر صعوبة لو لم تكن بصمة عطاء جلالة الملك عبد الله حاضرة في حياته، حيث قدم جلالته السكن والوظيفة لعاهد، مما خفف من صعوبات الحياة وذلل الكثير منها.

أحلام لا تنتهي

أما عن أحلامه، فيخبرنا عاهد أنها كبيرة ومتجددة، ومن أبرزها نيل الشهادات العليا، وأن تلقى كلماته ومؤلفاته المحبة الكبيرة بين الناس، فقد جعل عاهد كلماته صوتاً يطالب بحقوق ذوي الإعاقة، وجعل حروفه ضوءًا يسلط على أولوية دمج هذه الفئة بشكل كامل في كافة مجالات الحياة، وأهمية الإيمان بهم وبقدراتهم ومهاراتهم.
وعن سلاحه الذي اعتمده لتحقيق أحلامه ومواجهة مصاعب الحياة، قال عاهد “لم يكن لدي كإنسان حالم إلا أن أختار الأمل والقوة، فلا يُمكن أن أبقى حبيس جدران اليأس والمعاناة. أسلمت نفسي لطموحاتي، وجعلت منها سفينة النجاة لتأخذني إلى ميناء حياة مشرقة وسعيدة.”

برغم إعاقته الجسدية، رسم عاهد طريقاً لأحلامه وتمكن من الوصول إليها، ليصبح نموذجاً يحتذى به ليس فقط لذوي الإعاقة، إنما لكل من يواجه الصعوبات في حياته، إذ لا ينبغي أن يجعل الإنسان اليأس عنوانه، بل يسعى دائماً لتحقيق أحلامه


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version