بايدن ومأزق الحزب الديمقراطي
نخبة بوست – كشفت نتائج المناظرة الأخيرة التى جرت بين بايدن وترامب حجم المأزق الكبير الذى يعيشه الحزب الديمقراطى، بعد أداء بايدن السيئ والباهت أمام ترامب، وأصبح هناك خطر حقيقى على مستقبل الحزب وفرص فوزه فى الانتخابات، خاصة أن المناظرة كشفت عن حجم الضعف الذى يعانيه بايدن، سواء تدهور قدراته العقلية والإدراكية أو قدراته الصحية والتى بدا فيها متلعثما وغير قادر على إتمام الفكرة أو الجملة مما أعطى الفرصة لترامب لكى ينقض عليه بسهولة ويبدو أمام الناخبين أكثر قوة وحيوية. مأزق الحزب الديمقراطى يتجسد فى صعوبة خياراته ما بعد المناظرة.
الخيار الأول: أن يستمر بايدن فى السباق الرئاسى، وهو ما أكده بايدن نفسه فى أول لقاء جماهيرى له بعد المناظرة فى ولاية كارولينا الشمالية، حيث أشار إلى أنه لا يوجد ما يدفعه للرحيل، وأنه قادر على المنافسة لإنقاذ أمريكا من ترامب المدان. كما أن العديد من أقطاب الحزب الديمقراطى، دعموا بايدن بعد المناظرة وهو ما تجسد فى تأكيد حكام الولايات الديمقراطيين على دعم بايدن بقوة خلال لقائهم معه بالبيت الأبيض.
لكن هذا الخيار سيكون له تكلفة باهظة للحزب الديمقراطى، وقد تكلفه خسارة الانتخابات الرئاسية وأيضا خسارة انتخابات الكونجرس، فاستمرار بايدن سيقدم الفوز لترامب على طبق من فضة، وذلك ليس لقوة ترامب وإنما بالأساس لضعف بايدن، بسبب ضعف قدراته الصحية والعقلية وكبر سنه وعدم قدرته على الحكم، وكذلك لأخطائه وأدائه السيئ فى القضايا الداخلية والخارجية، وهو ما سيدفع الكثير من الناخبين، خاصة المترددين والمستقلين، إلى عدم التصويت له أو التصويت لترامب ليس حبا أو اقتناعا به وإنما عقاب وانتقام من بايدن على عناده واستمراره فى السباق، خاصة أن المواطن الأمريكى ينظر دائما إلى الرئيس فى صورة هوليودية يبدو فيها قويا وحيويا وليس ضعيفا ومعتلا.
كما أن فرص ترامب فى الفوز تعززت بعد الحكم التاريخى للمحكمة الدستورية العليا بمنحه حصانة جزئية عن أفعاله وتصرفاته الرسمية عندما كان فى السلطة، وهو يعنى خسارة الديمقراطيين لرهان إنهاك واستنزاف وإعاقة ترامب عن الاستمرار فى السباق أو الفوز عبر إغراقه فى شبكة من القضايا والأحكام التى تدفع به إلى السجن، لكن بعد حكم المحكمة فإن معظم هذه القضايا، بما فيها قضية شراء الصمت التى أدين فيها ترامب بـ 34 تهمة جنائية، سيتم تأجيلها إلى ما بعد انتخابات الرئاسة فى نوفمبر وإعادة النظر فيها فى ضوء حكم المحكمة العليا، وهو ما يعنى عمليا نجاة ترامب من تلك المحاكمات، وأصبح موقفه أكثر قوة فى الانتخابات الرئاسية.
رغم الدعم الكبير من جانب الديمقراطيين لبايدن للاستمرار فى السباق، وذلك لإعطاء رسالة لخصومهم السياسيين وللأمريكيين أنهم موحدون خلف بايدن، إلا أنه على أرض الواقع هناك انقسام حقيقى وعميق داخل الحزب الديمقراطى، بين تيار يدعم بايدن، وتيار آخر متنام يدعو بشكل مباشر لانسحابه من السباق الرئاسى لمصلحة الحزب الديمقراطى ولمصلحة أمريكا، كما طالب بذلك الكاتب السياسى المعروف توماس فريدمان، صديق بايدن الشخصى. ويطالب هذا التيار باستغلال ما يعتبره الفرصة الأخيرة لإنقاذ الحزب الديمقراطى، وأن يقوم بايدن بنفسه باتخاذ قرار الانسحاب قبل المؤتمر السنوى للحزب فى أغسطس المقبل، وإعطاء الفرصة للمندوبين الذين انتخبوه فى الانتخابات التمهيدية لكى يرشحوا شخصا آخر لاستكمال السباق، وبالتالى فالوقت ليس فى مصلحة الديمقراطيين، لأنه إذا تأخر قرار الانسحاب سيكون باهظا ويعنى خسارة حتمية أمام الجمهوريين.
الخيار الثانى: انسحاب بايدن وترشح شخص آخر، وهذا جزء أيضا من مأزق الحزب الديمقراطى، فانسحاب بايدن لا يعنى أيضا ضمان الفوز فى الانتخابات، فمن ناحية فإن المرشحين المحتملين لبايدن، وعلى رأسهم نائبته كامالاهاريس وحاكم كاليفورنيا نيوسوم وحاكمة ميتشجان جريتشن ويتمر، وحاكم بنسلفانيا جوش شابيرو…، لا يحظون بالشعبية الكافية، سواء داخل الحزب أو داخل الناخبين، التى تمكنهم من منافسة ترامب.
ومن ناحية أخرى هناك عقبات لوجيستية وإدارية متعلقة بمصير أموال التبرعات التى جمعتها حملة بايدن، والتى تمكن من جمع 261 مليون دولار فقط خلال الربع الثانى من هذا العام، وصعوبة أن يجمع المرشح البديل أموالا لاستكمال حملته الانتخابية، فى ظل تزايد دور المال السياسى فى الانتخابات الأمريكية. وبالتالى ستكون مجازفة كبيرة من الحزب الديمقراطى الدفع بمرشح آخر فى ظل ضيق الوقت واقتراب الانتخابات فى نوفمبر المقبل، ولكنه قد يقدم مرشحا اضطراريا فى حالة عدم قدرة بايدن بالفعل على الاستمرار وهو أمر محتمل.
وبالتالى كلا الخيارين مر أمام الحزب الديمقراطى، استمرار بايدن أو الدفع بمرشح آخر، وهذا يعكس الأزمة الهيكلية التى يعيشها الحزب منذ سنوات خاصة ما بعد الرئيس السابق باراك أوباما، حيث أخفق الحزب فى توليد كوادر سياسية من الأجيال الشابة الجديدة تكون أكثر قدرة وحيوية على خوض الانتخابات خاصة الرئاسية، فى ظل هيمنة الأجيال القديمة، وهى ذات المشكلة التى يعانيها الحزب الجمهورى، وكانت النتيجة أن من يتصدر السباق الانتخابى شخصان أعمارهما كبيرة، أحدهما معتل والآخر مدان، وهو ما عكس صورة أمريكا العجوزة المصابة بالشيخوخة السياسية، على عكس النخب السياسية فى أوروبا والتى تبدو أصغر سنا وأكثر حيوية.