* من المأمول، مع وصول مشروع التحديث والتطوير السياسي الى منتهاه وتلبية أهدافه، ومع البرلمان الثاني والعشرين، أن تكون اعتبارات التمثيل برامجية سياسية حزبية وأن يتراجع، تلقائيا، أي تمثيل آخر، بكل حساباته وحساسياته

نخبة بوست – كتبت: رولا أبو رمان

ينتظر الشارع الأردني تغييرات مرتقبة في المواقع القيادية الحساسة في الصف الأول؛ والترقب اليوم لأبعاد التمثيل الجغرافي والعشائري، أو ما يحلو للبعض أن يسميه “محاصصة”، في أي تغييرات قادمة؛ فالأعراف والتقاليد السياسية كانت وما زالت ينظر إليها الشارع الأردني باعتبارها أساسيات في اختيار المواقع العليا، ومنها رئيس الحكومة وفريقه الوزاري.

المتابع السياسي يرى أن هذه المعايير قد بدأت في العهد الرابع بالتغير؛ من حالات سابقة شهدناها حتى يومنا الحاضر؛ فالتاريخ المعاصر شهد تولي مواقع متقدمة بل وحساسة من عشيرة واحدة أو من منطقة جغرافية واحدة، بل ومن عائلة واحدة في أحيان نادرة؛ واختلافا في كوتات الديموغرافيا في عدد من المواقع آخرها في حكومة عمر الرزاز؛ والتي شهدت زيادة لمكونات مجتمعية كان يحسب لها حساب مقعد واحد على أبعد تقدير؛ وصولا إلى الحكومة الحالية؛ والتي شهدت رئيس وزراء ونائبه من منطقة جغرافية واحدة.

اليوم، وقد بدأت الصالونات السياسية تتداول أسماء من هو خليفة بشر الخصاونة ليكون رئيساً للوزراء؛ فأنها ما زالت تذهب بتفكيرها لمناطق محددة بعينها على اعتبار أنه (دورها)؛ مسقطين فترة التحديث السياسي من المعادلة؛ وفترة البحث عن الأنسب أو الربط بمعادلة الحزبية المستجدة في الحالة الأردنية في المئوية الجديدة

من الواضح أن أهداف المشروع الإصلاحي الذي دشنته الدولة وحظي بإرادة وحماية ملكية؛ وتشريعات تُعتبر تقدمية من خلال قوانين الانتخاب والأحزاب تتعارض مع الفكر الجغرافي، كانت تهدف -بالأساس- إلى إصلاح شكل مجلس النواب والانتقال به من النائب الفردي إلى الحالة “كتلوية جماعية حزبية”، حيث تكون قادرة على تقديم برامج تراقب وتشرّع في إطاره؛ وبالتالي تصبح أكثر قدرة على التدافع مع الحكومة في مرحلة ما، وتصبح هي الحكومة في مرحلة أخرى.

بل جاء هذا المشروع ليحقق هدفاً يتمثل في تخفيف عبء ارتهان النائب لقاعدته الاجتماعية الانتخابية المباشرة، أي بمعنى آخر، إنهاء مفهوم “نائب الخدمات المباشرة”، وأن يتخلص من ارتباطه سياسيا بالعائلة والعشيرة والحارة، والانتقال به إلى “نائب الخدمات في الإطار العام” من خلال الحزب، وهذا هو الإطار النظري.

أما في الإطار العملي، فيمكن تقسيمها إلى مرحلتين: المرحلة الأولى التي نشهدها حاليًا وهي تشكيل قوائم حزبية تراعي مسألتين: الديموغرافيا والجغرافيا على حد سواء وخاصة أنه لا يمكن تناسيهما في البدايات، وثم المرحلة الثانية وهي مرحلة التأهيل والسير في المشروع على 3 مراحل: مجلس العشرين القادم وما يليه من مجالس واحد والعشرين وثاني والعشرين وكهذا؛ بناء على الزيادة النسبية في مقاعد الأحزاب؛ ولعل اللافت في الأمر أن أمين عام أحد الأحزاب المهمة الوسطية الكبيرة صرح قائلاً: “لقد راعينا الديموغرافيا والجغرافيا من تأسيس الحزب”.

ولكن، يبقى السؤال؛ هل يمكن اليوم، أن تصطدم اعتبارات الجغرافيا والديموغرافيا بأهداف المشروع؟ والمقصود هنا المشروع الإصلاحي للحياة السياسية الأردنية

المسألة مختلفة في الإطار الفردي؛ إذ أنها لن تحقق أهدافها. ومع ذلك، حتى لو كانت موجودة واستطاعت الحالة الجماعية والحزبية أن تبتلعها وأن تتكيف معها، فإن هذا لن يلغي أهمية المشروع.

وبالتالي، لا اليوم ولا غدًا ولا في الأيام المقبلة نستطيع أن نلغي قصة اعتبارات الجغرافيا والديموغرافيا. حتى في التشريعات، حينما شرعنا القائمة الحزبية، اشترطنا أن لا تكون في دائرة واحدة وأن لا تكون من محافظة واحدة. وكذلك، في ترخيص الأحزاب، كان الشرط أن تكون حاضرة وممثلة بأكثر من محافظة. هذا يعني أننا أردنا أن نحترم هذه الجغرافيا والديموغرافيا، ولكن أن نضعها في الإطار العام، آخذين بعين الاعتبار دور الدولة بمساعدة الأحزاب على النضوج.

في قادم الأيام ربما يتراجع هذا المنسوب شيئاً فشيئاً، لكن علينا أيضاً أن ندرك أن واحداً من هذه المسائل المتفق عليها في الأردن تاريخياً منذ عام 1921، هو أن تكون العشائر ركيزة من ركائز الأمن الوطني وحتى في مشروعات التحديث والتطوير، آخذين بعين الاعتبار أن العشائر الأردنية عشائر متمدنة متحضرة ومنفتحة على كل ما هو جديد. وعليه، تُؤخذ المناطقية والجغرافيا والديموغرافيا بعين الاعتبار في التقسيم السياسي والبرلماني. ولا نستطيع إلا أن نعترف أن الجغرافيا والديمغرافيا “قوة حقيقية في الحالة الأردنية”، ليس بالضرورة أن تتصارع مع الحالة الحزبية المرسومة في قوانين الأحزاب والانتخابات، بل وبالإمكان أن تندمج فيها وتمنحها الدعم، لضمان ديمومتها وتحقيق أهدافها. ولكن في النهاية التكيف هو سيد الموقف.

العشائر الأردنية كما برهنت التجربة منظومات اجتماعية اقتصادية أمنية مهمة، حافظت على دورها في بناء الدولة وحماية منجزات الوطن. ولكنها، ليست بأي حال من الأحوال، ولا تريد أن تكون؛ بديلاً للتنظيمات السياسية ولا لمؤسسات الدولة، وهي تدرك أكثر من غيرها أن قوتها من قوة سيادة القانون ودولة المؤسسات

من المأمول، أنه ومع وصول مشروع التحديث والتطوير السياسي الى منتهاه وتلبية أهدافه، ومع البرلمان الثاني والعشرين، ستكون اعتبارات التمثيل برامجية سياسية حزبية، وسيتراجع، تلقائيا، أي تمثيل آخر، بكل حساباته وحساسياته.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version