نخبة بوست– آية حمدي (المركز المصري للدراسات الاستراتيجية)

فتحت إيران، يوم الخميس 30 مايو، باب الترشح للراغبين في خوض الانتخابات الرئاسية التي انعقدت في 28 يونيو المقبل، وكانت الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة قد جرت بين المرشحين الأربعة؛ سعيد جليلي ومسعود بزشكيان ومحمد باقر قاليباف ومصطفى بورمحمدي، ولم يستطع أي منهم الفوز بالغالبية المطلقة؛ مما استوجب خوض جولة ثانية 5 يوليو بين المرشحين الحائزين على أعلى عدد من الأصوات وهما بزشكيان وسعيد جليلي، وفاز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، ومن المؤكد أنه سيواجه ميراثًا كبيرًا من الأزمات الاقتصادية التي عانى منها الاقتصاد الإيراني خلال الفترة الأخيرة، والتي كانت السبب وراء الاحتجاجات الشعبية المُتزايدة في عام 2023، بالإضافة إلى العقوبات التي أنهكت الاقتصاد الإيراني ومن المتوقع من الرئيس الجديد التعامل مع العقوبات الاقتصادية بمواصلة نهج الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي. 

تأثير العقوبات على الاقتصاد الإيراني 

انخفاض معدل النمو الاقتصادي: تعرَّض الاقتصاد لصدماتٍ قوية منذ فرضِ العقوبات الأمريكية؛ مما أسفر عن تراجع قيمة العملة المحلية في السوق الحرة وارتفاع التضخم، حيث إن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لإيران متقلب وغير مستقر، حیث يتقلب بين فترات الانتعاش والركود الحاد ووصل معدل النمو الناتج المحلي الإجمالي لإيران 5% عام 2023، حيث اعتبر البنك الدولي أن سبب هذا النمو هو إعفاء إيران من اتفاقية أوبك لخفض إنتاج النفط، ونتيجة لذلك، فقد نمت صادرات وإنتاج النفط الخام إلى جانب التحسن النسبي في قطاع الخدمات. كما توقع البنك الدولي أن معدل النمو سينخفض هذا العام إلى 3.2%، وفي العام المقبل إلى 2.7 %، وإلى 2.4 % في عام 2026.

ارتفاع معدل التضخم: يُعد التضخم من المشاكل الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد الإيراني حيث سجل معدل التضخم ارتفاعًا كبيرًا خلال عام 2023، إذ وصل إلى 217% في نهاية ذلك العام، وفي الربع الأول من عام 2024 زاد بشكل ملحوظ ليصل إلى 236.3% في أبريل، مسجلًا نموًا بنسبة 2.6% عن شهر مارس. تجلى تأثير هذا الارتفاع في تكلفة المواد الغذائية الأساسية في بداية العام الإيراني الجديد في مارس 2024؛ مما أثر في أسعار السلع في الأسواق. وتُعزى المشكلة الرئيسية للتضخم المتصاعد الذي يواجهه الاقتصاد الإيراني إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية.

ارتفاع معدلات البطالة: الاقتصاد الإيراني يواجه ارتفاعًا في معدلات البطالة، حيث زاد معدل البطالة من 7.6% في الربع الرابع من عام 2023 إلى 8.6% في الربع الأول من عام 2024، وهذا الارتفاع يكون بشكل خاص بين الشباب، حيث تتجاوز نسبة البطالة بين هذه الفئة 15%. وأظهر مركز الإحصاء الإيراني أن من بين إجمالي 64 مليون و550 ألف إيراني فوق سن الـ 15 عامًا، يعمل 26 مليونًا و638 ألف شخص؛ مما يعادل 41.3% فقط، وهذا يشير إلى زيادة كبيرة في عدد العاطلين ضمن الاقتصاد الإيراني.

انخفاض قيمة العملة: أشارت مجلة فوربس في تقريرها الأخير إلى أن الريال الإيراني يُعتبر العملة الأضعف في العالم، حيث بلغ سعر الريال الإيراني 42.075 ألف للدولار الواحد في 27 مايو 2024، مقارنة بـ 27.162 ألف في عام 2014؛ مما يعني انخفاض الريال الإيراني بنسبة 54.9% على المستوى الرسمي. وفي السوق الموازية، انخفض الريال الإيراني بشكل كبير، إذ ارتفع سعر الدولار في هذا السوق ليصل إلى حوالي 650 ألف ريال للدولار بعد حادثة الرئيس الإيراني، مُرتفعًا عن 230 ألف ريال للدولار. تشير هذه الاحصائيات إلى مدى الضعف الكبير في قيمة عملة الاقتصاد الإيراني.

ارتفاع عجز الميزان التجاري: عانت التجارة الخارجية غير النفطية من اختلال كبير خلال عام 2023، حيث انخفضت التجارة بين الهند وإيران بنسبة 34% في عام 2023، وبالتالي انخفضت الصادرات الإيرانية من 17.3 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2022 إلى 11.7 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2023، وهو ما أدى إلى عجز بالميزان التجاري حيث وصل إلى 4.7 مليارات دولار في الربع الثالث من عام 2023، مقارنة بفائض قيمته 4.3 مليارات دولار في الربع الثاني من عام 2021.

والجدير بالذكر أن إيران تعتمد على العائدات النفطية بشكل رئيسي من أجل تمويل الموازنة الحكومية كما أنها تشكل جزءًا مهمًا من ثروات صندوق التنمية الوطنية الإيراني “الصندوق السيادي”، وهو ما يشكل تهديدًا وتحديًا محوريًا أمام الحكومة بسبب طبيعة أسعار النفط المتقبلة والمتذبذبة والتي ترتبط عادةً بأحداث عالمية قد تكون بعيدة عن المشهد الإيراني، فضلًا عن تأثر تلك العائدات بالعقوبات الدولية التي تستهدف الصادرات النفطية؛ مما يحرم الدولة من مورد مهم ورئيسي لموازنتها. وفي هذا السياق، تمثل الإيرادات النفطية نحو 60% من إجمالي الإيرادات الحكومية وأكثر من 80% من عوائد التصدير، وهو ما يعرض الموازنة العامة لخطر تزايد العجز حال انخفاض أسعار النفط عن المستوى المتوقع لدى الحكومة، وفي تلك الحالات عادةً ما تلجأ الدولة إلى البنك المركزي للاقتراض أو طبع النقود أو بيع سندات حكومية أو ما يطلق عليه “صكوك إسلامية” أو السحب من صندوق الثروة السيادي؛ مما قد يعرضه إلى مخاطر الإفلاس.

النفط الإيراني: تستهدف إيران زيادة إنتاجها من النفط والغاز الطبيعي خلال الخمس سنوات القادمة، إلا أن عددًا من المحللين أجمعوا على أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران ستحد من طموحاتها لزيادة الإنتاج، لكن المضي قدمًا في خطة زيادة الإنتاج لن يعرضها للمزيد من العقوبات. وتخطط إيران لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي إلى 1.3 مليار متر مكعب يوميًا خلال خمس سنوات، ارتفاعًا من المستويات الحالية البالغة 1.07 مليار متر مكعب يوميًا، وزيادة إنتاج النفط الخام ليصل إلى 5.7 ملايين برميل بحلول عام 2031. وبلغت صادرات النفط الإيرانية 35.8 مليار دولار في الـ 12 شهرًا حتى نهاية مارس 2024، بحسب وكالة أنباء العمال الإيرانية (إيلنا).

وبحسب ستاندرد آند بورز جلوبال، تستهدف إيران زيادة إنتاجها النفطي لطاقة 5.7 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2031، وهذا من شأنه أن يضاعف تقريبًا متوسط عام 2023 البالغ 2.82 مليون برميل يوميًا، وتتوقع إنتاج 3.2 ملايين برميل يوميًا في عامي 2024 و2025.

أثر وفاعلية العقوبات الاقتصادية

وفقًا للعديد من الدراسات التي فحصت العقوبات الأمريكية توصلت إلى أن العقوبات الأمريكية سببت تأثيرات سلبية في الأداء الاقتصادي للدول المستهدفة، مما أثّر في مستوى حياة المواطنين بشكل متفاوت حسب حجم العقوبات وقوة الاقتصاد المستهدف. إلا أن هذه العقوبات لم تحقق أهداف الولايات المتحدة المتمثلة في تغيير النظام السياسي أو تعديل سلوك الدول المستهدفة وفقًا لسياستها. ومن بين الحالات التي فشلت في تحقيق غايات العقوبات الأمريكية كانت إيران، على الرغم من فرض عقوبات شاملة عليها منذ سنوات طويلة.

تهدف العقوبات الامريكية بالأساس إلى تغيير النظام الإيراني حيث أشار تحليل منشور في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” في سبتمبر 2018 إلى أن إدارة “ترامب” تهدف من وراء فرض العقوبات إلى تغيير النظام الإيراني، وبحسب التحليل فإن العقوبات عادةً لا تحقق مثل هذه الأهداف، كما أن تأثيرها في إحداث تغيير طويل الأمد لسلوك النظام منخفض.

كما يتعين عند فرض العقوبات وجود علاقات تجارية بين الدولة التي تفرض العقوبات والدولة المستهدفة، مع ضرورة عدم تحمل الدولة الفارضة للعقوبات تكاليف عالية، بينما ينبغي أن تكون تلك التكاليف مرتفعة بالنسبة للدولة المستهدفة.

وقد اعتمدت إيران في جهودها لتفادي العقوبات على إنشاء شبكات من الشركات الوهمية ووكلاء في الخارج، والتنكر واستخدام أسماء مزيفة، واستغلال الثغرات، وفتح حسابات بنكية غير معروفة أو مزورة للوصول إلى الأسواق العالمية. كما يقومون بشراء وكلاء للبضائع المحظورة ونقلها إلى البلدان دون علم المراقبين الدوليين. وتعمل الدول على إخفاء الأنشطة غير القانونية التي تمنعها العقوبات ضمن الأنشطة القانونية. الكيانات المستهدفة تقوم بتكوين شبكات من الشركات الوهمية والشركاء والوسطاء والمساعدين لإخفاء نشاطهم وتنظيف أموالهم. هذه الممارسات تتطلب وقتًا طويلًا للتحقيق فيها.

وعليه يمكن القول إن هناك صعوبة لإخضاع النظام الإيراني، بواسطة العقوبات الاقتصادية التي وصلت إلى 5155 عقوبة، يملك هذا النظام احتياطي كبير من النفط، والذي لا يُمكن الاستغناء عنه وانخفاض الصادرات الإيرانية من النفط نتيجة العقوبات عوضتها إيران بارتفاع أسعار البترول.

في الختام، تعد العقوبات الاقتصادية من أهم أشكال التدخل غير العسكري للضغط على الدول المستهدفة لتغيير سياساتها، حيث تعتمد هذه العقوبات على الوسائل الاقتصادية، ولكن تكون الأهداف غالبًا سياسية فاستخدام الأداة الاقتصادية في فرض العقوبات هي عامل مساند غير كافٍ لفرض أدوات عقابية على الدول، ومن الشواهد التاريخية على ذلك تسببت عقوبات الأمم المتحدة على أفغانستان عامي 2000 و2001 في خسائر فادحة، لكنها أخفقت في دفع نظام طالبان نحو تسليم أسامة بن لادن بالإضافة إلى روسيا هناك قدرة على مواجهة تلك العقوبات، وإحداث أثر عكسي على الدول التي فرضتها.

كما يبدو الحال في فرض الروبل على مبيعات النفط والغاز إلى ألمانيا ودول أوروبية أخرى – أي القدرة على إحداث أثر عكسي في الولايات المتحدة، ومن ذلك تم اللجوء للقنوات غير الرسمية للاستمرار في تماسك الاقتصادات المعاقبة في وسط عالم متعدد الأقطاب ليست فيه الولايات المتحدة الأمريكية هي مركز القوة الوحيد، بل توجد أقطاب أخرى منافسة مثل روسيا والصين، وبالتالي من الصعب فرض خناق اقتصادي وحيد على الدول لتغيير سياستها أو الضغط عليها فهناك منافذ أخرى الآن يتم اللجوء إليها.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version