نخبة بوست – حذّر خبراء اقتصاد من احتمال خروج الدين العام في الأردن عن السيطرة، بعدما بلغ مستوى قياسياً بنهاية مايو الماضي عند نحو 60 مليار دولار، أو ما نسبته 115% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، في وقت تواصل فيه الحكومة الأردنية الاستدانة لسداد ديون سابقة وتغطية عجز الموازنة.
وزير المالية الأردني الأسبق محمد أبو حمور، حذّر من مخاطر استمرار إدارة ملف الدين العام بنفس الأساليب المعتمدة منذ سنوات، خاصة مع ارتفاع تكلفة خدمة الدين إلى 2.8 مليار دولار في ظل أسعار الفائدة المرتفعة عالمياً لكبح جماح التضخم. وقال: “لقد أدى ذلك إلى ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي إلى 115%، في حين أن قانون الدين العام في الأردن يسمح بأن تصل هذه النسبة إلى 80% فقط”.
ملف الدين على رأس الأولويات
خلال أربع سنوات تقريباً، أي منذ منتصف عام 2020، أضافت حكومة رئيس الوزراء بشر الخصاونة إلى رصيد الدين العام حوالي 12 مليار دولار، أي ما يعادل تقريباً ربع حجم الدين الذي كان عليه عندما بدأت الحكومة عملها. وفي العادة، ما أن تتسلم أي حكومة جديدة كتاب التكليف الملكي، حتى يبدأ التفكير بكيفية إدارة الملف الاقتصادي المؤرق للبلاد، ويتصدّر الدين العام سلم الأولويات، خاصة أن حجم الدين في ارتفاع مستمر منذ تولي العاهل الأردني سلطاته الدستورية عام 1999، عندما سجل وقتها نحو 7.7 مليار دولار فقط.
تشير بيانات البنك المركزي الأردني إلى أن الحكومة اقترضت خلال النصف الأول من العام الحالي ما يعادل 4.1 مليار دولار، عبر طرح سندات وأذونات خزينة. ووفقاً للبيانات ذاتها، فإن البنك طرح 21 إصداراً كسندات خزينة نيابة عن الحكومة بمقدار 3.7 مليار دولار خلال النصف الأول، إلى جانب طرح إصدارين لأذونات خزينة نيابة عن الحكومة بمقدار 352 مليون دولار.
الجزء الأكبر من هذه الديون الجديدة سيُخصّص لتغطية العجز في الموازنة. وفي هذا الإطار، صرّح أمين عام وزارة المالية الأردنية عبد الحكيم الشبلي مؤخراً، بأن موازنة التمويل للعام الجاري سيكون حجمها 3.24 مليار دولار، منها 2.68 مليار دولار لسد عجز الموازنة، إضافة إلى 493 مليون دولار لتمويل عجز سلطة المياه.
أسباب ارتفاع الدين
على غرار العديد من دول المنطقة، عانى الأردن على مدى السنوات الأخيرة من تراجع النمو نتيجة ظروف خارجية ارتبطت بجائحة كورونا، والغزو الروسي لأوكرانيا، وارتفاع معدلات التضخم وتشديد أسعار الفائدة على مستوى العالم، لتضاف إليها لاحقاً الحرب على غزة التي نشبت بعد هجوم “حركة حماس” على إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي.
الخبير المالي الأردني، ساهر العدوس، قال إن الأردن يعاني بشكل خاص نمواً ضعيفاً، ناتجاً بشكل جزئي عن سعر صرف ثابت للدينار مقابل الدولار الأميركي، والمقوم بأعلى من قيمته إلى جانب الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة، وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين. كل ذلك أدى إلى زيادة الضغوط الاقتصادية وارتفاع حجم الديون بشكل يجعل البلاد عرضة لمخاطر التطورات السلبية.
محاولات تجميلية
يذكر أن الحكومة الأردنية ارتبطت في بداية العام ببرنامج قرض جديد مع صندوق النقد الدولي بقيمة 1.2 مليار دولار مدته 4 سنوات، لدعم الإصلاحات الاقتصادية في الأردن، إذ حلّ هذا البرنامج محل برنامج سابق انتهى أجله في مارس 2024.
وفي تقرير أصدره مؤخراً، توقع صندوق النقد تحسن أداء المالية العامة في الأردن، إلا أنّ أوساطاً اقتصادية محلية اعتبرت أن تصريحات المؤسسات الدولية، ومن بينها صندوق النقد والبنك الدوليان، ما هي سوى محاولات تجميلية للواقع الاقتصادي المظلم الذي يعيشه المواطن الأردني، وهو ما يتطلب البحث عن حلول جذرية من قبل الحكومة الأردنية، تشمل تبني إستراتيجية شاملة وواضحة لإدارة ملف الدين العام، وضرورة إعادة النظر ببنود النفقات الرأسمالية، وإيقاف الصرف على البنود التي لا تحقق قيمة مضافة للاقتصاد.
يقول العدوس إن التجربة الأردنية في إدارة ملف الدين تؤكد وجود علاقة طردية بين ارتفاع الدين وارتفاع الرسوم والضرائب والخدمات، وقد أصبحت خدمة الدين في الأردن اليوم، أعلى من الموازنة الرأسمالية التي بلغت نحو 2.3 مليار دولار تم رصدها في موازنة 2024 لمشاريع “قديمة وجديدة”، وهو ما يشير إلى أن نهج الحكومات المتعاقبة لم يختلف، وإن كانت “حكومة بشر الخصاونة تعتمد بشكل أكبر على الاستدانة من أجل تسديد ديون سابقة بالدرجة الأولى، ولتغطية العجز بدلاً من البحث عن قرارات اقتصادية كبيرة لإيجاد حلول لما يعانيه الاقتصاد الوطني”، بحسب العدوس.
ويضيف أن النهج الذي تتبعه الحكومات الأردنية في إدارة ملف الدين من خلال سياسة الاقتراض لسداد الرواتب وتغطية النفقات والعجز فقط دون إقامة مشاريع تزيد معدلات النمو، “يعبر عن عقمٍ في إدارة هذا الملف”، نظراً لارتفاع العجز وبقاء معدلات النمو بطيئة، إذ لم ترتفع معدلات النمو فوق 2.4%، نظراً لعدم وجود مشاريع ضخمة تسهم في تنشيط عجلة الاقتصاد، الأمر الذي “يعني البقاء في الحلقة المفرغة ذاتها ما لم تكن هناك حلول جراحية للمشكلات الاقتصادية”.
إعادة النظر في بنود الموازنة
“هناك بنود في الموازنة لا تولّد فرص عمل، ولا تحفز على النمو الاقتصادي” بحسب ما يقوله رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة الأردنية، رعد التل. ويضيف التل “يجب إعادة النظر في هذه البنود، وتعزيز الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص للنهوض بالاقتصاد”.
بحسب التل، فإن على الحكومة أن تكون حذرة جداً في ملف الدين، إذ إن نسبة الدين العام المرتفعة وتواضع نسب النمو الاقتصادي، قد تترتب عليهما تداعيات خطيرة على الاقتصاد الوطني. وأضاف: “يمكن أن يؤدي النمو الاقتصادي البطيء مع ارتفاع المديونية إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، حيث تصبح الحكومة غير قادرة على تمويل المشاريع التنموية الأساسية ودعم الاقتصاد بما يكفي لتحقيق انتعاش حقيقي”.
يفرض ارتفاع خدمة الدين على الحكومة تخصيص جزء كبير من ميزانيتها لسداد فوائد وأقساط الدين، وهذا يقلّل من النفقات الرأسمالية المخصصة للمشاريع التنموية والبنية التحتية، ويؤثر بالتالي سلباً على النمو، فضلاً عن أنه يفاقم المشكلات القائمة. لذلك، يقول التل إن “خطط الحكومة يجب أن تكون واقعية ومستدامة. أما إذا كانت مجرد (مكياج تصليحي)، فإنها لن تعالج جذور المشكلة الاقتصادية، وستؤدي إلى تأجيل الأزمة بدلاً من حلها”.
وبرأيه، فإن الحل يكون من خلال تحفيز الاستثمارات وزيادة الإنتاجية وتحسين بيئة الأعمال لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، فضلاً عن تنفيذ إصلاحات مالية وهيكلية لتحسين كفاءة الإنفاق العام وزيادة الإيرادات الحكومية دون زيادة الضرائب على المواطنين بشكل كبير.
كذلك يقول أبو حمور إن المديونية عندما تكون لإقامة مشاريع رأسمالية تسهم في رفع نسب النمو، وتخفض معدل البطالة، تمثل حالة صحية، أما إذا كانت تُوجّه نحو الإنفاق الجاري، فستكون نتيجتها زيادة في الاستهلاك ومحدودية في التأثير في الاستثمار ومعدلات البطالة والنمو والفقر”.