* التجربة الإسلامية في الحكم والعمل السياسي راوحت بين الفشل والصراع والانقسام الاجتماعي والسياسي
* الموافقة على فشل تجربة الجماعات الإسلامية السياسية لا يعني الموافقة على أنّها انحسرت أو انقرضت
نخبة بوست – يبدو صعود الجماعات الأيديولوجية الاحتجاجية؛ الإسلامية السياسية أو القومية أو الأممية كأنّه استجابة للهزائم والفشل والأحداث والتحولات المعقدة التي عصفت بعالم العرب والمسلمين، لكنّ تجربتهم في هذا الصعود تؤكد أنّهم يعكسون الفشل والهزائم وليس محاولة الخروج منها.
كيف تؤدي حركة اجتماعية لا علاقة لها بخطاب الإسلام السياسي، ولم يكن للجماعات الإسلامية دور فيها إلى صعود هذه الجماعات، وأن تقود الأحداث والمتواليات الناشئة عنه وكأنها هي التي صنعته؟؟ كيف اكتسحت جماعات الإخوان المسلمين والإسلام السياسي الانتخابات التي جرت في دول عربية عدة؟ لقد شغلت هذه الأسئلة العالم ووسائل الإعلام ومراكز الدراسات والتفكير، لكنّ الإجابة الكافية لم تتبلور بعد.
ربما تكون الإجابة في طبيعة الديمقراطية نفسها، وفي الحراكات الاجتماعية والسياسية، فمن المعروف تقليدياً أنّ الديمقراطية أو الانتخابات في جميع أنحاء العالم تعمل غالباً، إن لم يكن دائماً، لصالح الأكثر تنظيماً والأكثر مالاً والأقدر على التأثير، وقد جاءت الانتخابات العربية في حالة فراغ سياسي وتنظيمي، وكانت جماعات الإسلام السياسي، وخاصة الإخوان المسلمين، هي القوى السياسية الوحيدة القادرة على تنظيم نفسها وحشد المؤيدين والأنصار، ولم يكن ينقصها المال والقدرة على الوصول إلى وسائل الإعلام والمنبر والمساجد أو امتلاكها.
لكن يجب التذكير بأنّ الصعود السياسي للحركات الإسلامية لم يكن مفاجأة، فقد بدأت هذه الحركات منذ أوائل الثمانينيات تشكّل حالة سياسية جديدة تعبّر عن نفسها في تحديات للأنظمة السياسية، أو في مشاركة سياسية واسعة، هناك الثورة الإسلامية في إيران (1979)، والمشاركة الإسلامية المؤثرة في تركيا منذ أوائل السبعينيات، والتي توجت بحصولهم على الأغلبية البرلمانية عام 2002، والثورة الإسلامية في أفغانستان (1979)، وفي مصر اكتسحت الجماعات الإسلامية الجامعات في السبعينيات، وقُتل السادات على يد الجماعات الإسلامية (1981)، وبدأ الإخوان المسلمون مشاركة فاعلة في مجلس النواب في الثمانينيات، ووافق نواب الإخوان على التجديد للرئيس مبارك عام 1987، والثورة الإسلامية في سوريا (1979)، والمشاركة الإسلامية السياسية الواسعة في السودان منذ منتصف السبعينيات، ثم توجت باستيلاء الإسلاميين على السلطة بانقلاب عسكري عام 1989، وكذلك الحال في المغرب والجزائر والأردن والعراق واليمن ودول الخليج.
ويمكن المعاينة بوضوح أنّ التجربة الإسلامية في الحكم والعمل السياسي راوحت بين الفشل والصراع والانقسام الاجتماعي والسياسي، أو المشاركة العادية والباهتة التي لم تضف شيئاً إلى الحياة السياسية والاقتصادية، ففي مصر والجزائر والسودان وأفغانستان دفعت بالبلاد والمجتمعات إلى التقسيم والصراع والهدر، وفي سوريا وليبيا واليمن والصومال كانت جزءاً من حالة التقسيم والصراع والتفتت التي سادت، وفي تونس والمغرب تقدّم جزءاً مستقراً من الحالة السياسية، لكنّه أداء باهت.
إنّ الموافقة على فشل تجربة الجماعات الإسلامية السياسية لا يعني الموافقة على أنّها انحسرت أو انقرضت. التعبير الأصح هو الفشل وليس الأفول، ولذلك أسباب كثيرة؛ منها إضافة إلى ضعف الخبرة والتجربة السياسية، إقحام الثابت المقدّس في المتغير الإنساني، وتحميل الدين ما لا يحتمله، والدفع به إلى غير ما أمر الله، ممّا يذكر بقوله تعالى: “ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله”، وإضفاء القداسة على التجارب التاريخية الإنسانية.
لكن يرجح أنّ الحركات الإسلامية السياسية متجهة إلى الانحسار والاختفاء لأسباب وتقديرات كثيرة؛ منها التناقض بين السلوك الواقعي والخطاب النظري المعزول عن تطورات وتعقيدات الحياة المعاصرة والعلاقات الخارجية والداخلية للدول، والتناقض والصدام مع الاتجاه العالمي المعاصر القائم على الحريات الدينية والشخصية والاجتماعية، وما يؤدي إليه من تهميش وضعف استقلال المجتمعات ودورها، سواء في تدينها أو في تحررها أو عدم تدينها، والصدام الشديد مع كثير من القوى والاتجاهات الاجتماعية والسياسية، وغياب رؤية دينية أو فلسفية أو سياسية محددة، فما يمكن اعتباره أداءً سياسياً إسلامياً هو أقرب إلى الواقعية والتوفيق بين الأفكار والنظريات والتطبيقات السائدة، وضعف الاجتهادات الفكرية والتنظيرية.
يمكن، على سبيل المثال، تذكر مجموعة واسعة من التحديات التي أظهرت عزلة وعجز الإسلام السياسي عن المشاركة الإيجابية في القضايا المتعلقة بالحريات العامة والشخصية والدينية، مثل المساواة، وحقوق المرأة، وحق غير المسلمين في المواطنة والمساواة والتعليم الديني، وحق الممارسة الدينية لجميع الأديان والمذاهب، ولأنّ المجتمع يغلب عليه الموقف المحافظ والمتشدد من هذه القضايا، ولأنّ الحكومات والأنظمة السياسية تتخذ موقفاً ليس مختلفاً عمّا يقدّمه الإسلام السياسي؛ فلا يمكن بالتالي الانتظار من الحركة الإسلامية أن تأخذ موقفاً متقدماً على العلمانيين والنخب الحاكمة والسياسية من غير الإسلاميين، فهي في أحسن الأحوال ستكون حالة عادية غير مختلفة، لا تضيف أو تقدم مبادرة تلبي التطلعات الإنسانية الجديدة والمتغيرة. الإسلاميون في أحسن الأحوال يلحقون المجتمعات وما يتشكل واقعا من أفكار واتجاهات جديدة، فيجدون عليها دليلا من الدين إذا كان ذلك يجتذب المؤيدين والناخبين.