نتنياهو أمام الكونغرس: تصعيد لا تهدئة
نخبة بوست – لا شك أن خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أمام الكونغرس لم يحمل أي رسالة تهدئة يمكن التعويل عليها لخفض التصعيد الحالي في المشهد الشرق أوسطي. على العكس تماماً، جاء خطاب نتنياهو تعبيراً صريحاً عن هدف الزيارة الحقيقي في ترسيخ موقفه واستراتيجيته ورؤيته لمستقبل غزة بعد الحرب والتأسيس لمرحلة المواجهات القادمة مع إيران وحلفائها، وبالأخص حزب الله. فاستخدام نتنياهو لعبارة “النصر الكامل، لا أقل من ذلك”، يعني بالتأكيد أن مفهوم التهدئة السريعة أو وقف إطلاق النار المستدام هو خارج حساباته الحالية وليست جزءً من أجندته المرحلية.
هذا فعلياً ما أكده نتنياهو بنفسه عندما طلب من الكونغرس بصيغة مباشرة تقديم مساعدات عسكرية إضافية لإسرائيل بسرعة، مما أظهر بشكل جلي أن خطة الحرب الإسرائيلية لم تنته بعد، وهي تُنذر بمرحلة أطول من الصراع غير المقتصر على غزة. فكلمة “سننتصر” التي رددها نتنياهو قد تُشير بوضوح إلى أن حالة الحرب قد تسيطر على المشهد لفترة أطول.
في الوقت الذي يعتقد الكثيرون أن المفاوضات يمكن أن تستمر وأن إنجاز الهدنة قد يكون ممكنًا في هذه المرحلة بسبب تركز الضغط الأمريكي على مسألة الرهائن التي باتت جزءاً مهماً في إطار المواجهة الانتخابية على مقعد الرئاسة الأمريكية بين الديمقراطيين والجمهوريين، إلا أن كلمات نتنياهو أظهرت بشكل واضح أن هناك طريقة واحدة لرؤية الأمور ورؤية واحدة لتطبيقها: “التفاوض مع حماس مع إظهار عزم كبير على تدميرها.” ففي ظل الحديث عن مفاوضات لوقف الحرب وهدنة، يُصر نتنياهو على الحديث عن اليوم الذي يلي هزيمة حماس، وشكل غزة المفترض كمنطقة منزوعة السلاح وخالية من التطرف على حد تعبيره.
لا بل أكد أن السيطرة الأمنية على غزة ستظل مسؤولية إسرائيلية في المستقبل المنظور، ولن يتنازل عنها لمنع عودة الإرهاب، ولضمان أن غزة لن تشكل تهديدًا لإسرائيل مرة أخرى. هذا الطرح يؤكد غياب أي أرضية يمكن أن يُبنى عليها أي اتفاق لإيقاف الحرب عبر المفاوضات.
رسائل نتنياهو الواضحة تؤكد أن التصعيد قد يكون العنوان الأبرز للمرحلة القادمة، وهو ما قد يدفع أيضًا بعدة أطراف إلى التصعيد كرد فعل استباقي على هذه الاستراتيجية الإسرائيلية. مما يعني أن المشهد الإقليمي قد يكون عرضة لحلقات جديدة من التصعيد في المواجهات، ليس فقط مع الحوثيين في اليمن، ولكن أيضًا مع المليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا.
نُذر التصعيد الإسرائيلي في خطاب نتنياهو قد تدفع هذه الجماعات لتبني نهج وقائي يدفعها لبدء عمليات استهداف للمصالح الاستراتيجية الأمريكية وتواجدها العسكري في المنطقة، بالأخص في سوريا والعراق، وهو ما تراه هذه الجماعات على أنه الطريقة الوحيدة لزيادة الضغط على الأمريكيين وإظهار مخاطر اندلاع المواجهات الإقليمية المفتوحة.
فجوهر هذا التحرك يهدف أيضًا إلى عدم ترك حزب الله وحيداً في مواجهة الآلة الحربية الإسرائيلية باعتبار أن التركيز الإسرائيلي الآن سينصب بشكل رئيسي على جبهة لبنان. لذلك فإن زيادة مستوى المخاطر ووضع المزيد من الضغط على الولايات المتحدة في هذه المرحلة هو الطريقة الوحيدة لهذه الجماعات لتجنب مواجهة غير مسبوقة مع إسرائيل، خصوصًا خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
فالإدارة الأمريكية، مع كاملا هاريس نائبة الرئيس بايدن كمرشح، لن ترغب أبدًا في مواجهة سيناريوهات خسائر استراتيجية أو سقوط ضحايا أمريكيين تنتهي بمثابة الهدية الأهم لمرشح الحزب الجمهوري ترامب. لهذا، فإن الضغط بمسألة تهديد مصالح الولايات المتحدة في هذه المرحلة قد يجعل هذه الإدارة مترددة في تقديم الدعم الكامل لنتنياهو في مسألة المواجهة الإقليمية مع إيران وحلفائها.
خطاب نتنياهو يظهر أن إسرائيل مصممة على الاستمرار في سياسة استهداف الجبهات، وأهمها جبهة لبنان. في الوقت المتبقي للإدارة الأمريكية في البيت الأبيض، قد لا يكون من السهل بعد الآن فرض هدنة أو حتى احتواء التصعيد. كلمات نتنياهو الواضحة في الكونغرس “أعطونا الأدوات بسرعة، وسننهي المهمة بشكل أسرع”، قد لا تترك أي مساحة لأي أمل في إغلاق سريع لهذه الجبهات المفتوحة.