نخبة بوست -في مثل هذه الأيام، وقبل ستة وثلاثين عاما، أعلن الأردن فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية بقرار صادر عن رئيس الوزراء، وهو قرار محصن عمليا باعتبار أن المحاكم الإدارية الأردنية ردت طلبات متعددة بإلغاء القرار او حتى النظر فيه!  
تاريخيا، وإن كان الأردن هو الذي أعلن فك الارتباط عام 1988، فإن العرب وخاصة المغرب ومصر، إضافة إلى منظمة التحرير – بقيادة ياسر عرفات- هم من دفعوا بالأردن إلى التخلي عن الضفة الغربية بحجة الحفاظ على الهوية الفلسطينية وإعلان المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من نبل الهدف المعلن عنه، إلا أنه في وقته مثل غباء سياسيا وقانونيا كونه رفع الغطاء عن الضفة  الغربية، فحولها من أرض محتلة تابعة للأردن كدولة معترف بها من كل دول العالم؛ – الأمر الذي يمنع تغير معالمها الجغرافية والديموغرافية بموجب القانون الدولي-، إلى أرض متنازع عليها؛ مما أعطى إسرائيل أرضية قانونية لتنفيذ استيطان يهودا والسامرة كما هي معروفة عندهم.  

الأردن منذ مؤتمر الرباط وحتى فك الارتباط ما بين عامي 1974 – 1988 حاول بشكل حثيث التنسيق مع منظمة التحرير لخلق مبادرات سياسية بهدف منع تهويد الضفة وتهجير سكانها وهو ما يعتبر تهديدا وجوديا للدولة الأردنية، فقد حاول الأردن إقناع المنظمة بقبول قرار 242، واقترح إنشاء كونفدرالية لتيسير – من وجهة نظره آنذاك– اعتراف العالم بدولة فلسطينية مستقلة على أرض الضفة الغربية. 

المنظمة، وعلى أرضية من الشك والتشكيك بمواقف الأردن ونواياه قاومت كل ما طرحه الأردن عليها في موقف مؤسف والذي ثبت الآن قصر النظر بخصوصه، حيث غلب عقل التمثيل على عقل التحرير في أداء المنظمة، فقد قبلت المنظمة بعد ذلك بقرار 242 واعترفت بإسرائيل، وقبلت بموجب أوسلو بما هو أقرب لحكم البلدية على جزء محدود من أرض الضفة الغربية.  
من جانب آخر، أكد المرحوم عدنان أبوعودة في مذكراته، أن مطبخا سياسيا مكونا آنذاك من رئيس الوزراء زيد الرفاعي ومدير المخابرات وقائد الجيش، وعلى رأسهم جلالة الملك المرحوم الحسين بن طلال اتخذوا قرار فك الارتباط لأن الفلسطينيين والعرب أصروا عليه ولأن الأردن توصّل إلى قناعة ان إسرائيل لن تتنازل للملك عن الضفة أو القدس والأولى أن  تعطى لمن هو مستعد للتنازل بخصوصها. 

أردنيا، فإن قرار فك الارتباط بات نهائياً محصناً ولا خشية قانونية من الرجوع عنه، حيث تجنس الفلسطينيون بجنسية دولة  فلسطين، وسندا لقانون الجنسية الأردني لا يجوز لهم التجنس بالجنسية الأردنية، باعتبارهم حملة جنسية دولة عربية وهي دولة فلسطين، ولكن الأهم أن الفلسطيني اليوم متعلق بصموده، وليس لديه أي مخططات لحل قضيته على حساب الأردن أو أي دولة عربية أخرى. 

الواقع اليوم يشي بمخاطر أكثر بكثير من فترة الثمانينيات، فهنالك أحزاب إسرائيلية يمينية تحكم بشعارها «لنهر الأردن ضفتان الأولى لنا والثانية كذلك»، وهناك حكومات ووزراء وتيار شعبي عارم يجهر بأن حل القضية الفلسطينية يجب أن يكون على حساب الأردن أرضا وشعبا. 

هذا يقتضي وحدة الجبهة الداخلية الأردنية والتأكيد على عنوان ومضمون المملكة الأردنية الهاشمية اسما ودستورا وشعبا ونظاما، وبنفس الوقت الاشتباك السياسي والعملي في الضفة ومع السلطة الفلسطينية وأي أطراف أخرى ذات علاقة لتحقيق  هدف استراتيجي متفق عليه ومعلن قوامه؛ منع انهيار السلطة وتدعيم صمود الفلسطينيين على الأرض باعتبار ذلك ضرورة لمنع التهجير القسري أو الإنساني، وفي سبيل ذلك لا يكفي التفرج من خلف الحدود، بل يجب العمل بكافة السبل لمنع  التهجير وعدم الاعتماد على تطمينات أميركية بمنع التهجير فإن اميركا قلابة.  

اقتطاع الضفة من الأردن كان خطأ تاريخياً كبيرا، لكن الواقع تجاوز إعادتها للأردن قبل تحريرها من المشروع الصهيوني، ومرفوض اعادة السكان دون الأرض تحت أي ظرف كان، – لكن المهم الآن، -وفي هذا السياق أفهم طرح الدكتور جواد  العناني والردود عليه وكذلك المقال المهم الذي نشره الدكتور محمد أبو رمان أمس- أقول أن كل هذا يقع ضمن حوار  وطني جاد ومطلوب حول لعلاقة الأردنية الفلسطينية، إضافة إلى ضرورة اشتباك مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني أيضا لتحقيق هدف الأردن الاستراتيجي بمنع التهجير فإن السياسة كما الطبيعية لا تحتمل الفراغ جنابك!


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version