“المستقلة للانتخاب” اتخذت إجراءات تضمن مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الانتخابات النيابية المقبلة

نخبة بوست – رهف عطيه، أماني الخماش

بالوقت الذي تنظر بعض المجتمعات إلى الإعاقة وذويها كفرصة لإظهار التناغم والإندماج ووحدة المجتمع، تعد الإعاقة بلا شك تحدي كبير وعائق صعب أمام ذويها في مجتمعاتنا، باعتبارها تحول دون تحقيق أي إنجازٍ ونجاح دون التعرض للمفارقة وزرع الشعور بالنقص في قلوبهم، الأمر الذي نلمس أثره جليًا في بعدهم عن المجتمع الكبير والمشاركة بالحياة العامة، وعزوفهم عن المشاركة بالحياة السياسية والحزبية بالرغم من حركة النهضة السياسية الوطنية التي نعيشها في الاردن اليوم.

لو اقتربت منهم وتحدثت إليهم لأدركت حجم تميزهم وقدرتهم على غرس أثرٍ بارزٍ في أرض الوطن،  ولوجدتَهم يطمحون دومًا لإيجاد مساحاتٍ للتعبير عن حاجاتهم وآرائهم والإنخراط أكثر، فالبيئة الدامجة هي العائق الاكبر أمامهم، وتقع هذه المسؤولية على عاتقنا جميعًا، وعلى المعنيين التوجه لخطوات جدية واضحة في سبيل تحقيق هذه الغاية.

الشاب محمد الغزاوي يتحدى إعاقته بـ “لغة الإشارة”

كان حادثا بسيطا لكنه تسبب للطفل محمود الغزاوي بضعف شديد بالسمع وهو في الصف الخامس، وبعد فترة قرر ذويه إلحاقه بإحدى مدارسِ الصم في محافظة الزرقاء، واجه محمود صعوبةً كبرى في تحقيق التعايش مع هذا المجتمع الجديد،  حيث يتحدث الجميع هنا بلغة الاشارة.

لم تكن فترة سهلة ابدًا لكن الأمل والجد في العمل كانا رفيقا دربه، تعلم اللغة وأضحى يساعد معلمات المدرسة اللواتي لا يتقنَّ لغة الإشارة على الترجمة لبقية الطلبة، وها هو ذاك الطفل اليوم يغدو شابًا في الجامعة الهاشمية يدرس التربية الخاصة متحديًا كافة الظروف والمشكلات محققًا النجاح تلو الآخر.

يعمل محمود حالياً على تدريب طلبة الجامعة على لغة الإشارة وكيفية تطوير مهاراتهم فيها، كما يقوم بترجمة أنشطة الجامعة بشكل مباشر، وهو مترجم متطوع لدى برنامج “أنا أشارك” التابع للهيئة المستقلة في الجامعة الهاشمية، حيث قام البرنامج في الهاشمية بمبادرة سبّاقة في هذا المجال، فترجم جلساته وعقد جلسات مخصصة لذوي الإعاقة.

بالإضافة إلى ذلك، يعمل محمود بشكل مستمر على مساعدة زملائه الناطقين في التواصل مع الطلبة الصم وإدارة حوارات حول قضايا متعددة معهم.

تحديات المشاركة السياسية لذوي الإعاقة

قصة نجاح محمود واحدة من بين مئات الحالات مثله، ومعاناته كانا بضعًا من معاناتهم، لكن التحدي الأكبر أمام هذه الفئة من الشباب يتجلى بعزوفهم عن المشاركة بالحياة السياسية واستحالة تحقيق المساواة بينهم وبين البقية، تحدث محمود مطولًا لـ ” نخبة بوست” عن آمال هذه الفئة والعوائق أمامها، حيث تطرق الى عددًا من القضايا التي تحول دون دمجهم بشكل فعليّ في الحياة الحزبية.

بدايةً لم يكن هناك وعي عند هذه الفئة بحقوقها وأهمية دورها، الأمر الذي تداركته البرامج النوعية مثل “أنا أشارك”، وأن قدرة ذوي الإعاقة بمختلف اشكالها على المشاركة بالمرحلة القادنة متعلقة بمدى جاهزية الكوادر والمرافق في المؤسسات المعنية

على صعيد متصل، تحدث محمود لـ “النخبة بوست” عن قضية هامة وهي إلزامية إعتمادهم على ذاتهم أثناء القيام بالمعاملات المختلفة في المؤسسات الحكومية والخاصة، وضرورة تمكنهم من إيصال أفكارهم لوحدهم حيث لا يوجد كوادر مختصة متعلمة للغة الإشارة، فذوي الإعاقة كما ذكر لطالما كانوا مجتمعًا بعيدًا عن المجتمع الكبير، وإن كان هنالك تطور في هذا الجانب بالآونة الأخيرة، أما عن المشاركة السياسية للشباب ذوي الإعاقة، فهناك تساؤلٌ يستحق أن نقف بعده لندرك حجم الفجوة اليوم، فلماذا يتوجب على ذوي الإعاقة المشاركة بالوقت الذي يبتعد الكل عنها من شبابٍ ومجتمع ككل ؟

خطة مشتركة لتعزيز مشاركة ذوي الإعاقة في الانتخابات النيابية

أما فيما يتعلق بالاحصاءات المرتبطة بذوي الإعاقة؛ فقد شكلت نسبة ذوي الإعاقة في الأردن 11.2% وفقا لأخر تعداد سكاني صدر عام 2015 والذي زودنا به د.زيد العطاري مسؤول ملف المشاركة السياسية لذوي الإعاقة في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة.

وأوضح عطاري أن المجلس يعمل بالشراكة مع الهيئة المستقلة للانتخاب على تنفيذ خطة مشتركة لتعزيز مشاركة الاشخاص ذوي الاعاقة في الانتخابات  النيابية، وبين أن الخطة ركزت على عدة محاور تتمثل في توفير إمكانية الوصول لمراكز الاقتراع حيث يجري العمل بالشراكة بين المجلس والهيئة ووزارة التربية والتعليم على زيادة عدد مراكز الاقتراع المجهزة لاستقبال الناخبين والناخبات ذوي الإعاقة، إضافة للتوعية بأهمية المشاركة السياسية للأشخاص ذوي الاعاقة والعمل على توفير المواد التوعوية بالعملية الانتخابية بالأشكال الميسرة سعيًا لتحقيق وصولها للأشخاص ذوي الاعاقة على اختلاف إعاقاتهم.

كما تعمل الخطة على ضمان مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة وانخراطهم بكافة مراحل العملية الانتخابية وتمكين وتدريب الكوادر العاملة في الانتخابات على التواصل الفعال والصحيح مع الاشخاص ذوي الاعاقة.

ارشيدات: تهيئة 95 مركزاً نموذجياً لاستقبال ذوي الإعاقة يوم الاقتراع

من جهته، بيّن مسؤول ملف تعزيز المشاركة السياسية للأشخاص ذوي الإعاقة في الهيئة المستقلة للانتخاب، قيس ارشيدات، أن الهيئة قامت بعدة إجراءات تضمن مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الانتخابات النيابية المقبلة، حيث أُطلِقت خطة تنفيذية بالتعاون مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، انسجاماً مع حرص الهيئة على أهمية مشاركة ذوي الإعاقة في الحياة السياسية وتذليل العقبات أمام مشاركتهم في العملية الانتخابية.

وأوضح ارشيدات أن الخطة تضمنت ستة محاور: المحور الأول يشمل التوعية والإعلام من خلال إطلاق حملات توعوية للتعريف بأهمية المشاركة في الانتخابات. أما المحور الثاني، فيركز على تطوير قدرات العاملين في العملية الانتخابية للتواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة. المحور الثالث يُعنى بتطوير قواعد البيانات المتعلقة بعدد مراكز الاقتراع المهيئة لذوي الإعاقة وأعداد المشاركين منهم في العملية الانتخابية.

وفيما يتعلق بالمحور الرابع، أوضح ارشيدات أنه يتضمن إجراءات تنفيذية تتعلق بمشاركة ذوي الإعاقة في الانتخابات. المحور الخامس يركز على الرصد والمتابعة والتقييم للعملية الانتخابية. أما المحور الأخير، فيرتبط بالتهيئة البيئية والترتيبات التيسيرية لمراكز الاقتراع لمشاركة ذوي الإعاقة.

وأضاف ارشيدات: “تم توقيع مذكرة تفاهم بين أربع جهات، وهي الهيئة المستقلة للانتخاب، ونقابة المحامين، والمركز الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لتقديم المساعدة القانونية في الانتخاب للأشخاص ذوي الإعاقة.”

الهيئة المستقلة للانتخاب عملت على تسهيل مشاركة ذوي الإعاقة في العملية الانتخابية من خلال تهيئة الموقع الإلكتروني للهيئة لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من استخدامه، كما تم تدريب جميع الكوادر العاملة في الانتخابات على آلية التواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة

وفيما يتعلق بالإجراءات المتبعة من قبل الهيئة خلال العملية الانتخابية، بيّن ارشيدات أن الهيئة قامت بعشرة إجراءات لتعزيز مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الانتخابات. فقد تم تهيئة 95 مركزاً نموذجياً لاستقبال ذوي الإعاقة، وتم تكليف أحد المتطوعين المدربين للتعامل مع ذوي الإعاقة للعمل في مراكز الاقتراع.

بالإضافة إلى ذلك، وُجِدَ خط اتصال مرئي مع المتطوعين للاتصال مع المترجم للإجابة على استفسارات ذوي الإعاقة الصم أو ضعاف السمع. كما أتيح النقل الإلكتروني للمراكز النموذجية لذوي الإعاقة خلال الفترة المحددة قانونياً.

وأضاف قائلاً: “عقدت المنظمة أكثر من 26 لقاءً خاصاً مع الأشخاص ذوي الإعاقة في محاولة لتشجيعهم على المشاركة في الانتخابات البرلمانية. بالإضافة إلى إنتاج ثلاثة مقاطع فيديو تضم شخصيات مؤثرة من ذوي الإعاقة لتحفيزهم على المشاركة في العملية الانتخابية.”

تشاركية فعّالة بين “المجلس الاعلى لذوي الاعاقة ” و”المستقلة للانتخاب”

يشار إلى ان كل ما سبق جاء في ظل دخول الأردن مسار التحديث السياسي حيث لابد من رفع الوعي بأهمية الانخراط في العمل والعملية السياسية عبر الإنضمام للأحزاب وتعزيز ثقافة العمل الحزبي والانخراط بكثافة في الاقتراع والترشح، حيث وضحت الهيئة المستقلة ماهية التعاون بينها وبين المجلس الأعلى لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة بصفته الجهة المعنية بقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، كما ستدرس الهيئة متطلبات وصولهم لمركز الاقتراع وتقييم المراكز المخصصة لهم ومشاركة هذه التقارير مع المجلس الاعلى لضمان تجهيزها.

وأضافت الهيئة أن هذا كله يأتي تحقیقاً للممارسات الجیدة وھي الاتاحة، بالإضافة إلى دمجهم في عملية التدريب والتطوع وحملات التوعية التثقيف واستخدام لغة الإشارة في المنتجات التوعوية الخاصة بالهيئة.

الخلاصة: الاختلاف فرصة وليس تحدي

بالرغم من كل التسهيلات والفرص التي أتيحت اليوم لضمان مشاركة ذوي الإعاقة بالحياة السياسية أو الحزبية، إلا أنه لا يزال هناك تحد صريح أمامهم يتمثل بعدم تحسين المرافق المناسبة لهم، عدم وصول المعلومات المتعلقة بحقوقهم الكاملة لهم ما يؤدي إلى عدم مطالبتهم بها، لا يوجد ضمن الكوادر في القطاعين الحكومي والخاص مختصين بالتواصل مع هذه الفئة.

 ويبقى السؤال متى سيبدأ المجتمع بالتركيز على ما يجمعه لا ما يفرقه ؟ ومتى سننظر إلى الإختلاف كفرصة لا كتحدي..


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version