* تحولت “الإسلامية” في فكرها الرافض والمنفصل وفي تطبيقها المشحون بالتقية والبراغماتية إلى سلوك خطير على الجماعات نفسها والمجتمعات والدول
* ما الدلالة السياسية أو البرامجية التي تفهم عند إطلاق مصطلحات من قبيل “التيار الإسلامي” أو الحركة الإسلامية أو الحزب الإسلامي أو “الإخوان المسلمون” ؟
* المتدينون يتطابقون في رؤيتهم لمجموعة من المسائل والمطالبات والمواقف، ولكن هذا التطابق لا ينشئ منهم حزبا أو تيارا سياسيا أو اجتماعيا!
* المسيحي أو غير المسلم المؤيد لحزب “إسلامي” أو مشارك فيه هل هو إسلامي؟ والإسلامي (المتدين) المعارض للإخوان المسلمين أو غيرهم من الجماعات والتيارات؛ هل هو غير إسلامي؟
* مصطلح “الإسلامية” بحاجة إلى توقف وتحرير؛ لأنه يثير كثيراً من التساؤلات، ولا يعبر عن مفهوم محدد ومميز يقبل به أصحابه والآخرون
نخبة بوست – إبراهيم الغرايبة
هل يدل مصطلح “الإسلامي” على معنى محدد عند إطلاق الوصف على جماعة سياسية أو تيار فكري أو مؤسسة أو دولة؟ هل يقدم هذا الوصف مفهوما واحدا أو محددا مختلفا عن غيره من الصفات؟ ومن ومتى وكيف تكتسب هذه الصفة “إسلامي”؟
درجت جماعات وتيارات سياسية واجتماعية على وصف نفسها “إسلامية”، ويصفها الآخر أيضا بالوصف نفسه، ولكن عند محاولة فهم المصطلح ودلالته، يمكن ببساطة أن نجد أنه لا يمكن أن تتصف به جماعة أو مؤسسة على نحو مميز دون سواها، وأنه أيضا لا يقدم فكرة أو دلالة محددة لا يختلف بشأنها، مثل وصف “علماني” أو “ليبرالي” أو “يساري”.
ويمكن أيضا أن تشمل تيارات وجماعات وشخصيات “إسلامية” متعددة المواقف والأفهام والاتجاهات إلى درجة الاختلاف والتصادم فيما بينها، فأيها “الإسلامي” وأيها غير “الإسلامي”؟ وإن كانت جميعها إسلامية، فكيف نميز بينها؟ ولماذا اكتسبت هذا الوصف؟
ما الدلالة السياسية أو البرامجية التي تفهم عند إطلاق عبارات ومصطلحات من قبيل “التيار الإسلامي” أو الحركة الإسلامية أو الحزب الإسلامي أو “الإخوان المسلمون”؟ فالمتدينون يتطابقون في رؤيتهم لمجموعة من المسائل والمطالبات والمواقف، ولكن هذا التطابق لا ينشئ منهم حزبا أو تيارا سياسيا أو اجتماعيا! كثير من الشخصيات الإسلامية والمتدينين من غير الإخوان لا يختلفون عنهم في رؤيتهم لتطبيق الشريعة والالتزام بها والدعوة إليها، ولكنهم لا يعتبرون أنفسهم سياسيا مع الإخوان المسلمين حتى عندما يتفقون معهم في المواقف التشريعية والسياسية المتعلقة بالإسلام وتطبيقه، ولا أعتقد أن أحدا من الإخوان المسلمين يقلل من شأن أو ينفي أو يشكك في “إسلامية” هؤلاء!
على المستوى الافتراضي الواقعي، إذا كان مواطن متدين ملتزم بالإسلام وتعاليمه وشعائره والدعوة إليه وإلى تطبيق الشريعة الإسلامية، أو كما يريده وائل السقا “يصلي الفجر في المسجد ويسبح الله ويذكره بعد الصلاة، و…” لكنه يعارض دور الدولة في تنظيم الأسواق والاقتصاد، ويرى أن الأسواق تنظم نفسها بنفسها، ومواطن آخر متدين وملتزم بالإسلام نفسه، لكنه يدعو ويطالب بالدور الاقتصادي للدولة، ويدعو إلى أن تكون فئة من المؤسسات والشركات والموارد ملكا للدولة أو حتى جميعها، إنهما إسلاميان متفقان في كل شيء متعلق بالدين وفهمه ومصادره وتطبيقه، ويصليان معا في المسجد ويسبحان الله ويذكرانه ويتلوان القرآن كل يوم، ولكنهما مختلفان أيضا الى درجة التناقض ويمكن أن يخوضا ضد بعضهما البعض صراعا سياسيا طاحنا ومعقدا، ولا يمكن أن يتفقا في برنامج سياسي أو اقتصادي أو حول قانون أو تشريع؛ فالأول في نظر الثاني رأسمالي منحاز إلى الأغنياء ضد الفقراء، ويسهم في تكوين طبقة سياسية من الأغنياء الذين يتحكمون في مصائر الناس والبلاد ويستغلونهم؛ والثاني في نظر الأول يعادي الحرية الاقتصادية والإبداع والمبادرات الفردية ويكافئ الكسالى ويحرم الناشطين والمبدعين، ويهدر الموارد العامة في غير استحقاقها، ويجمع الضرائب من المجدين والعاملين ليوزعها على من لا يستحقها!
المسيحي أو غير المسلم المؤيد لحزب “إسلامي” أو مشارك فيه هل هو إسلامي؟ والإسلامي (المتدين) المعارض للإخوان المسلمين أو غيرهم من الجماعات والتيارات؛ هل هو غير إسلامي؟ والمواطن غير المسلم الذي يحمل جنسية الدولة الإسلامية ويلتزم بدستورها الذي يعتبر الإسلام دين الدولة، هل هو إسلامي؟ والمسلم أو “الإسلامي” الذي يحمل جنسية إسرائيلية (ينص دستورها أو سوف ينص عل أن دين الدولة هو اليهودية) أو أوروبية أو أمريكية هل هو إسلامي؟
هؤلاء “الإسلاميون” الأمريكان أو الإسرائيليون أو الأوروبيون ملتزمون تجاه بلادهم التي يحملون جنسيتها بالدفاع عنها والمشاركة في تنميتها والالتزام بقوانينها؛ وفي المقابل، فإن المسيحيين و البهائيين أو غير المسلمين في الدول العربية والإسلامية ملتزمون بالدفاع عن بلادهم وحمايتها واحترام قوانينها، فأيهم الإسلامي وأيهم غير الإسلامي؟
الحال أن مصطلح “الإسلامية” بحاجة إلى توقف وتحرير؛ لأنه يثير كثيراً من التساؤلات، ولا يعبر عن مفهوم محدد ومميز يقبل به أصحابه والآخرون؛ لأن كل مسلم يمكن أن يعتبر نفسه إسلامياً، وكل منتج للمسلمين يمكن أن يُعدّ “إسلامياً”.
إن الكثير من المثقفين “الإسلاميين” وغيرهم يظنون أن الإسلام يقدم قواعد وأفكاراً ونظريات شاملة وجاهزة، وأن الاجتهاد الإعلامي والسياسي والاقتصادي الإسلامي مستمد فقط من فهم النصوص الإسلامية وتقديمها، ولا يدركون أن النظام الإسلامي تفاعل إيجابي سليم بين الفكر والعقيدة والثقافة والدعوة، والتحرك بها وسط الواقع والبيئة والمتغيرات والمحددات الكثيرة والممتدة والمتجددة، وأننا نعيش في عالم من الرياضيات واللغة والمال والعلم والدين، ولذلك فإن الأنظمة الإسلامية سواء كانت اقتصادية أو إعلامية أو اجتماعية تتعدد وتنمو، وتتراجع وتتقدم وتتخلف، حسب أصحابها والواقع المحيط بها. وبالطبع، فإننا لا نحتاج لتأكيد وبيان وجود النظرية والمرجعية، وأن الإسلام يقدم أسساً ومرجعيات في الاعتقاد والعمل والتفكير والنجاح!
وقد أدى هذا الالتباس مع الزمن إلى عدم القدرة على التمييز بين الثوابت والمثل والفلسفة وبين موقعها ومرجعيتها وإبطالها وإعمالها، وتحتاج الحركات والاتجاهات والجماعات والحكومات “الإسلامية” أن تراجع كثيراً من التسميات ودلالاتها وفهمها وامتلاكها أيضاً.
التسمية بــ”إسلامي” أو “وسطي”، وهي التسمية التي ظهرت مؤخراً للتمييز بين جماعات وأفكار “إسلامية” مختلفة و متعددة، وبخاصة بعد صعود الحركات والجماعات “الإسلامية المتطرفة والمسلحة” التي تسلك سلوك العنف والتطرف، أو للتعبير عن الاختلاف عن التيار الإسلامي المندرج في “مدرسة الإخوان المسلمين”، وهو بعامة يغلب عليه الوسطية والاعتدال، ولكن نشأت لدى أفراد وجماعات “إسلامية” تحفظات واختلافات مع هذا التيار، يغلب عليها أنها تنظيمية وسياسية أكثر مما هي فكرية و فلسفية.
الحركات والمؤسسات تتسمى بأفضل الأسماء وأجملها، أو ما تعتقد أنه يعبر عن مرجعيتها ومُثُلها وقيمها العليا، مثل الإسلام، و الوسطية، والإصلاح، والعدل، والحرية، والديمقراطية، ولكنها أسماء وقيم ومرجعيات ومُثُل لا تصلح أن ينتسب إليها تيار أو جماعة؛ بمعنى أنها منهج تطبيقي معرف ومميز عن غيره، فنقول مثلاً: التيار الإسلامي، أو الديمقراطي، أو الوسطي، أو تيار العدل، أو تيار الحرية، لأسباب عملية وتطبيقية واصطلاحية؛ فهذه المرجعيات والقيم والمثل ينتسب إليها أو يزعم الانتساب إليها جميع التيارات والجماعات والمؤسسات والبرامج والأشخاص، ويحق لأي شخص أو حكومة أو جماعة في الدول العربية والإسلامية أن يصف نفسه بأنه “إسلامي” حتى غير المسلم، أو “وسطي”، ولا تقدم هذه التسمية صفة مميزة للمنتسبين إليها تجعل الدارس أو المحلل يقدم فهماً لها يميزها عن غيرها؛ فجميع الجماعات والتيارات والمؤسسات والحكومات في العالم الإسلامي هي إسلامية، المعتدلة منها والمتطرفة، الحكومية والمعارضة، السرية والعلنية، السلفية والصوفية؛ لأنها ينتسب إليها مسلمون أو مواطنون في الدول الإسلامية، ويؤمنون بها مرجعية أو شريعة ومنهجاً، ولا يستطيع التيار الوسطي على سبيل المثال أن يزعم أنه وحده المعني بالآية الكريمة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) أو المفاهيم الوسطية المستمدة من الكتاب والسنة؛ فهي أفكار و مبادئ يعتقد جميع المسلمين أنهم مشمولون بها، ويؤمنون بها، ويدعون إليها “كل على شاكلته ووجهته”.
وهي هنا عندما تفعل ذلك ستكون يمينية أو يسارية أو وسطية، محافظة أو ليبرالية، معتدلة أو متشددة، وستبقى في جميع الأحوال والمواقف والاختلافات إسلامية، فتكون إسلامية يمينية، أو إسلامية يسارية، أو إسلامية ليبرالية، ومن ثم فإن ما تقدم به نفسها أو تعرف به هو منهجها العملي، وموقفها في سياسات الحكم والإصلاح والإدارة، عل سبيل المثال هل هي مع: العدالة الضريبية أم المساواة الضريبية، المسؤولية الفردية، أم مسؤولية الدولة والمجتمع، خصخصة التعليم والصحة والرعاية أم إسنادها إلى الدولة، توزيع الموارد و النفقات العامة في الوجهة التي تخدم الطبقات الوسطى والفقيرة أم الشركات والاستثمارات والمدن، بمعنى من يستفيد أكثر من الضرائب المدفوعة.
بالطبع، فإن المثل والمرجعيات والفلسفة تنشئ وجهات نظرة متعددة ومختلفة؛ فالاختلاف ليس على القبول بالثوابت أو رفضها، ولا إبطالها أو إعمالها، ولكنه اختلاف في التفسير والتطبيق، وقد دار في العالم العربي والإسلامي في مرحلة التحولات نحو الخصخصة واقتصاد السوق، جدل إعلامي وسياسي حول ضريبة الدخل، و”التأمين الصحي” والرعاية الاجتماعية والصحية، ودور الدولة والمجتمع والشركات، وهي مناسبة لملاحظة الرؤية التطبيقية لـ “لإسلاميين” و “الوسطيين” على تعددهم وتقديم الأفكار والمواقف حول الضريبة وتوزيعها وتحصيلها والتأمين الصحي وإدارته وتنظيمه، ودور الحكومة والمجتمعات والقطاع الخاص في ذلك. هكذا، فإننا بحاجة أن نتجاوز الجدل الطويل والممل حول المبادئ والأفكار العامة، لننتقل إلى مسائل من قبيل العمل والضرائب والتعليم والرعاية الصحية والاجتماعية والبيئة والحكم المحلي، وتمكين المجتمعات والمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، وأن يُعاد تجميع المجتمعات والنقابات والفئات الاجتماعية والمهنية وفق مصالحها في هذه القضايا، وتتنافس التيارات والاتجاهات في مخاطبة الناس والرأي العام حول جدوى وأهمية السياسات المختلفة.
و إذا كانت هذه الحركات تعتقد أنها تعبر عن فهم وتطبيق النصوص الدينية في السياسة والمجتمع، فهل يجوز أن تعتبر فهمها هذا هو الإسلام؟ وهل تنتفي صفة الإسلام عن الحركات والجماعات والحكومات الأخرى؟ فإذا كانت الإجابة بالنفي، فما معنى تسمية “إسلامي”؟ هل ثمة فرق بين تسمية الحركات والجماعات الإسلامية لنفسها «إسلامي»، وبين تسمية الدول والمنظمات لنفسها «إسلامي»، مثل منظمة المؤتمر الإسلامي والدول الإسلامية والعالم الإسلامي؟
“الإسلامية” مختلفة حتى من وجهة نظر أصحابها عن الإسلام، أو ليست منطبقة معه بالضرورة، وغالباً ما تكون الإسلامية محاولة أو ادعاء، تمثل الإسلام أو تطبيقه، أو الادعاء أو الاعتقاد بأن فكرة أو فهماً ما أو جماعة ما هي الإسلام، أو تمثل القراءة الصحيحة للإسلام. عندما أقول ادعاء الإسلام أو زعمه لا أعني الظلال السيئة للكلمة أو معناها الشائع، لكن أقصد المعنى العملي بمعنى القول أو الظن أو الاعتقاد بأن هذا الفهم أو الفكر هو الإسلام، أو الفهم الصحيح للإسلام.
تاريخياً؛ تشكلت “الإسلامية” حول الادعاء أو الزعم أو الاعتقاد بعدم “إسلامية” حالة أو أوضاع الدول والمجتمعات؛ فهي مقولة ناشئة في أصلها حول الزعم بعدم إسلامية الأوضاع القائمة أكثر مما هي إصلاحية تقدم فكرة أو برنامجاً أو بديلاً إسلاميا، وكانت في جوهرها أو معظمها دعوة إلى التصحيح بما يلائم الإسلام أو محاولة التأثير على الدولة والمجتمعات، لتكون “إسلامية” أو منسجمة مع الإسلام، ثم تطورت “الدعوة” والعملية التأثيرية إلى صراع وثورات وجدل سياسي وديني، وتعددت المفاهيم وإن كانت تجمع بينها “الإسلامية”؛ بمعنى نفي الإسلام عما سواها أو الدعوة أو العمل على تطبيق أو إنشاء الإسلامية غير المتصورة عملياً في غالب الأحيان، لم تكن نظرياً سوى عدم مخالفة الشريعة الإسلامية، وعملياً لم تكن سوى احتكار “الإسلامية” أو مظنة أو توهم الانفراد بـ”الإسلامية” أو التمثيل أو الفهم الصحيح للإسلام.
“الإسلامية” كما يفهمها اليوم أصحابها المعتدلون، ليست ضد الكفر وليست الإسلام أيضاً، إنها بديل إسلامي أو حل إسلامي لأوضاع ومشكلات وأزمات قائمة، وليست مهتمة بإعلان حكمها على الآخر، إن كان لديها حكم عليه، وتظهر براغماتية متطورة في القبول والمشاركة دون تغيير في الفكر والرؤية الرافضة الانفصالية عن المجتمعات والدول والأوضاع الإسلامية العامة وتبريرات عملية في التدرج والقبول دون تنازل فكري أو فقهي، وهنا تتعدد الخطابات والأفكار لدرجة محيرة تصعب الإحاطة بها، ويكاد يكون لكل تيار أو للمجموعة الواحدة في الجماعة نفسها معتدلة كانت أو متشددة أو وسطية عدة خطابات متباينة فيما بينها؛ خطاب خاص بالمجموعة يعكس محاولتها السيطرة أو القيادة الداخلية للجماعة، وخطاب عام للجمهور والناخبين، وخطاب ثالث للمتدينين بعامة، وخطاب رابع للجماعة والتنظيم بعامة، وخطاب خامس للشركاء والحلفاء الإسلاميين من غير الجماعة، وخطاب سادس للشركاء السياسيين من غير المتدينين أو غير الإسلاميين، وخطاب سابع للسلطة السياسية في اللقاءات والدوائر المغلقة بعيداً عن الإعلام والنشر، هذا الأخير تبريري تطميني، وقد يزيد عليه البعض التقرب والخضوع والتسول والطاعة والولاء والوشاية! وبالمناسبة؛ لا فرق في ذلك بين معتدلين ومتشددين، الأمر نفسه ينطبق على حالات الالتزام والاحترام واللباقة والنزاهة والعفة، وقد يقدم البعض في مناسبات وحالات استعراضات وفهلوات دينية وشعبوية!
يؤكد “الإسلاميون” دائماً، أن الحالة والأوضاع القائمة اليوم للدول والمجتمعات (الإسلامية) ليست إسلامية، لكن ذلك الحكم بعدم إسلاميتها منح الجماعات “الإسلامية” حرية واسعة بلا حدود ولا قواعد ولا مبادئ للعمل والمشاركة، جعلها أكثر مرونة، بل جعلها بلا هيئة أو فكرة يمكن توقعها، فنفي “الإسلامية” عن الآخر، وإن كان يبدو تطرفاً في الحكم والنظرة إلى الآخر؛ جعلها أيضاً في حلّ من تطبيق القواعد الإسلامية والالتزام بها، بما في ذلك الصدق والوفاء بالوعود والعهود، حتى الأحكام الفقهية والشرعية السائدة والمعروفة لجميع المسلمين، وبطبيعة الحال القوانين والأعراف السائدة، والتي تواضع الناس على احترامها والقبول بها؛ فالأحكام الشرعية تطبق في دولة إسلامية، وتصير الجماعة في حل من الالتزام بها في غياب هذه الدولة، والقوانين التي وضعتها الدولة غير شرعية وغير معترف بها وتملك الجماعة الحق في رفضها وعدم الالتزام بها، وتكون “التقية” المسماة “تدرج” قانوناً متقبلاً ومتواطأ عليه في الجماعة وأنصارها.
الحالة “الإسلامية” هذه تذكر بالفئة التي وصفها القرآن والتي تقول “ليس علينا في الأميين سبيل”؛ فالمبادئ تطبق على أهل الملة فقط، ولا مبادئ أو قواعد بالنسبة للأغيار، الواقع أنها مقولة أسست لنظام البنوك في حالتها القائمة؛ فالمسيحية التي تحرم الربا، واليهودية التي تسمح بالتعامل الربوي مع غير اليهود كانت مخرجاً لإنشاء البنوك وتفويض اليهود بإدارتها وتنظيمها، طالما أنهم لا يعتقدون أن ذلك حرام، كان ذلك في القرن الرابع عشر الميلادي، وكان له الدور الأكبر (على نحو ما) في تطوير النظام الاقتصادي والمالي للعالم!
لقد تحولت “الإسلامية” في فكرها الرافض والمنفصل وفي تطبيقها المشحون بالتقية والبراغماتية إلى سلوك خطير على الجماعات نفسها والمجتمعات والدول؛ فقد تكرست مع الزمن جماعات ومجتمعات منطوية على نفسها تكره غيرها، وفي الوقت نفسه يمكن أن تفعل كل شيء وتقبل بكل شيء بلا معيار أخلاقي أو ديني أو قانوني، فنحن في مواجهة جماعات تكاد تكون مجتمعات فرعية خارجة من المجتمع الرئيسي ومتماسكة ومغلقة في علاقاتها الاجتماعية والاقتصادية، بل وفي التعليم والحياة والأفكار والثقافة، ومعبأة تجاه المجتمعات والدول الأكبر بالكراهية والرفض والشعور بالنبذ والاضطهاد والمظلومية، وهي أيضاً مستعدة للحراك والعمل وفق قواعد الدولة والمجتمع دون إيمان أو التزام بها ودون إخلال بها، تشبه الفيروس الذي يعمل في النظام نفسه ومن خلاله ولكنه يدمره أو يسيطر عليه، ويقدر أيضاً على تطوير نفسه على نحو دائم ومستمر للتكيف مع القوانين وطرق الحماية والمقاومة التي يتخذها النظام!