نخبة بوست – لطالما حامت الشكوك حول نزاهة العمليات الانتخابية في الأردن وعزز ذلك اعترافات مسؤولين سابقين بتدخلهم الصريح والمباشر في الانتخابات ولمرات متعددة ، وهذا السلوك أضعف الثقة في العملية الانتخابية واعتبرها الكثيرون مجرد أداة في يدّ الحكومات تستخدمها لصناعة النخب وتعزيز تضامناتها الاجتماعية والقوى الداعمة للحكم ، مما رسخ القناعة لدى الكثير بأن إصلاح الحال من المُحال ، ولأن المعطيات كانت تشير إلى أن الصندوق الانتخابي كان مكبلاً بقيود لا يمكن الانفكاك منها ، وهذه القناعة أضعفت الثقة بالدولة وأجهزتها ورسخت القناعة أنها تدار من قبل مجموعة صغيرة تستثمر كل شيء لمصلحتها الخاصة ، كل ذلك أفرغ مخزون الثقة بها وبأجهزتها وأدواتها إلى الحد الذي بات أي فعل يقوم به أي مسؤول موضع شك وريبة وتساؤل .
أظهرت ليلة الامس ومع بدء ظهور نتائج الاقتراع للدورة البرلمانية الحالية ، أن ثمة تغير جوهري قد طرأ على العقل الرسمي وعلى مستويات عدة ، فشفافية التصويت ومصداقية النتائج ونزاهتها أشارت إلى أن الدولة وأجهزتها جادةً في تطبيق الوعود السابقة والتي رافقت عملية التحديث وتلتها ، وهذا أعطى شعوراً بالارتياح العام بأن الدولة بدأت تتغلب على مخاوفها وترددها بأن الانفتاح قد يقود إلى مخاطر لا تُحمد عقباها وكانت تستشهد بما حصل في العديد من الدول المجاورة من اضطرابات ، ولأن الخيارات كانت محدودة أمام مستويات صنع القرار في مواجهة واقع معقد من كل النواحي الخارجية منها والداخلية فإن إشراك المجتمع في صناعة القرار أو على الأقل اطلاعه مباشرةً على آليات صنعه يعتبر قراراً موفقاً و حكيماً ، فنزاهة العملية برمتها ستضع المواطن من جديد في مواجهة قراءة جديدة وتقييم جديد للدولة وأجهزتها وهذا قد يعيد ترميم الثقة المفقود والمواطنة الهلامية والهشة .
وإذا ما أردنا توصيف المشهد كما يفعل الفرنسيون عندما يغيّروا نصاً مؤسساً في الدستور أو يغيروا شيئاً جوهرياً في آلية الحكم بأن يطلقوا رقماً جديداً على الجمهورية ، الجمهورية الثانية أو الثالثة وهكذا ، إذاً هل يمكن بناءاً على هذا التصنيف الفرنسي أن نطلق لقب المملكة الثانية بسبب ما يحصل من تغيرات جوهرية في البلد طبعاً هذا ليس من حق أحد لكنه مجرد سؤال .