في ظل التطور التكنولوجي السريع، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، يخترق مجالات متعددة بدءًا من الصناعة والصحة وصولًا إلى التعليم والترفيه.
هذا التطور أثار تساؤلات ومخاوف حول مستقبل البشرية، وما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيحل مكان الإنسان في العديد من الوظائف والمهام، وبينما يرى البعض في هذه التكنولوجيا فرصة لتحسين الكفاءة والإنتاجية وتوفير الوقت والجهد، يعبر آخرون عن قلقهم من تأثيرها السلبي على سوق العمل والبطالة ومستقبل الأيدي العاملة.
في هذا التقرير، نستعرض تأثيرات الذكاء الاصطناعي على مختلف جوانب الحياة، ونتساءل: هل يحل الذكاء الاصطناعي مكان البشر بالفعل؟ وما هي التحديات والفرص التي تطرحها هذه التكنولوجيا الحديثة؟
جدية: الذكاء الاصطناعي سيشكل بوابة واسعة للأعمال الإبداعية الريادية
من جانبه، يؤكد استشاري علوم البيانات والذكاء الاصطناعي حسين جدية، أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل كبير على الوظائف التي تتضمن أعمالًا روتينية، وتحديدًا الأعمال الروتينية المتكررة.
وأشار جدية إلى أن الذكاء الاصطناعي سيشكل بوابة واسعة للأعمال الإبداعية الريادية، وبذلك سيكون العبء على كاهل الإنسان لتحسين قدراته ورفع مستواه المهاري والإبداعي، وبالتالي ستندثر بعض الوظائف، إلا أنه في الوقت نفسه سيخلق فرصًا جديدة.
الذكاء الاصطناعي سيحول البشرية لإلغاء مفهوم “الوظيفة” إلى مفهوم “المهنة”، وسيخلق فرص عمل جديدة، على سبيل المثال: لن تبقى وظيفة محلل البيانات كما هي بل ستتحول إلى مهنة باني نماذج تحليل البيانات، وبالتالي تكون مصدر التدريب للتطبيقات الذكية التي تقوم بأعمال تحليل البيانات
وقال جدية “سيكون لدينا فرص عمل جديدة مرتبطة بمراقبة العدالة الموضوعية لنماذج التحليل؛ لضمان حيادية البيانات، كما ستتشكل هيئات حكومية جديدة يناط بها هذا العمل وبالتالي ستخلق هذه التقنية فرص عمل جديدة”.
على صعيد متصل، وصف جدية الذكاء الاصطناعي بـ “الثورة”، وقال “إن لكل ثورة ضحايا في بدايتها ولكن بعد مرور المرحلة الانتقالية لهذه الثورة ستستقر الأمور وسيتم إعادة التدوير لقدرات البشر لتؤدي مهامها بشكل مختلف.
وأضاف أنه رغم موت بعض الوظائف إلا أنها ستخلق فرصًا جديدة، والإنسان وحده من يقرر اقتناص الفرص الجديدة، لافتًا في كلامه إلى الموروث الإنجليزي القائل بـ “مات الملك ليعيش ملك جديد”، في إشارة منه إلى أن الذكاء الاصطناعي لن يحل عوض الإنسان بشكل قطعي بل سيبدل وظائف بظائف بديلة عنها.
وحول الحاجة لوجود مظلة تشريعية تشرف على استخدامات الذكاء الاصطناعي، شدد جدية على أهمية الحاجة إلى وجود قوانين ومظلة تشرف على الامتثال لهذه التشريعات، كونه يرى أن مقابل ثورة الذكاء الاصطناعي هنالك أيضًا خطر الاستبداد الرقمي الذي سيؤثر بشكل كبير على خصوصية الفرد ويحد من حريته ويوجه قراراته ويتنبأ بأفعاله عوضًا عن مراقبة وضبط قدرات نماذج الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات والتفريق بشكل دقيق بين صناعة القرارات وبين اتخاذها.
أبرز الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي
من كان يعتقد أنه بالإمكان القيام بنسخ شبكية العين، هذا بالفعل ما قام به الباحثون في جامعة سنترال فلوريدا “UCF” ، ببناء جهاز للذكاء الاصطناعي ينسخ شبكية العين، وقد ينتج عن البحث ذكاء اصطناعي متطور يمكنه تحديد ما يراه على الفور.
أصبح بإمكانك التحدث إلى الروبوت الدردشة الآلي ChatGPT ليزودك بما تحتاجه من المعلومات والمهام، فضلاً عن إمكانية قيامك بإعداد فيديو لفيلم سينمائي كامل، فقط بواسطة إصدار أوامر نصية أو صور أو مقاطع فيدي

حتى بات بمقدورك أيضا أن تتفحص السلع التي اشتريتها وتتأكد من مدى أصالتها، فقط بمجرد أن توجه كاميرا هاتفك على سلعة ما باستخدام تقنية Feature Print””، بل ذهب الذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من ذلك، ففي مجال الأمن العسكري، يسمح نظام Dedrone’s City-Wide Drone Detection بالوصول الفوري إلى بيانات الطائرات المسيرة “طائرات بدون طيار” في مجالها الجوي دون الحاجة إلى تثبيت الأجهزة أو صيانتها، إذ يسمح هذا النظام للمستخدمين بتحديد مناطق التنبيه بسهولة وتلقي إشعارات فورية عندما تدخل الطائرات المسيرة لمنطقة عسكرية ما.
ومن خلال تقنية Cal Fire يمكن اكتشاف الحرائق في الغابات قبل تمددها، فقط بمجرد استشعار التقنية للدخان، وعليه يقوم بتنبيه إدارة الإطفاء عبررسالة نصية للتحرك نحو الحريق، كل هذا وما زال مجال الذكاء الاصطناعي بمراحل تطور متتالية ومتسارعة لغاية هذه اللحظة.
في ذات الوقت، لا يمكن إغفال الآفات المترتبة على استخدام وتطور الذكاء الاصطناعي، إذ أصبح يشكل تهديدا نتيجة إساءة استخدام البعض له، والمتمثلة في نشر التضليلات وتزييف الحقائق وبثها بشكل يضاهي الواقع.
فالتخوف الحقيقي أيضا يكمن في أن يصل تطوره ليلبي أغراضًا عسكرية مثل “صنع جنود آليين” يقاتلون عوضًا عن البشر؛ مما يجعل العالم في أسوأ حقبة بشرية، نتيجة لما سيترتب عنه من ممارسات “خبيثة” لا رحمة فيها، إلا أنه مازال التخوف من أن يحل الذكاء الاصطناعي عوضًا عن وظائف التي يقوم بها الإنسان.
الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة وليس وسيلة “تهديد”
وفي سياق التهديدات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على بعض الوظائف والأعمال، أشار الرئيس التنفيذي لشركة Excellence Smart Solutions ، فيصل القاسم إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يشكل خطرًا لأنه أداة مساعدة رئيسية في عدة وظائف مهمة للإنسان وليس بمقدوره أن يحل محلها.
لا يوجد وظائف اندثرت أبدًا، لكن هناك موظفين “قد انتهوا” بسبب الكسل أو عدم التطور الذاتي المعرفي والمهني، مؤكدا أنه حتى يكون الموظف قادرًا على مواكبة التطورات واستخدام أحدث السُبل في عمله، لا بد له أن يسعى لتطوير مهاراته وقدراته وكسب المعارف الجديدة
وقال القاسم إننا لن نشهد ارتفاع البطالة بسبب تطور التقنيات التكنولوجية وأهمها الذكاء الاصطناعي، مشددا على دور الجهات الأكاديمية في تطوير التخصصات الوظيفية والحد من اختفاء بعض الوظائف، وذلك بجعل المناهج أكثر مواكبة للتطورات التكنولوجية السريعة وإدخال التعلم المهني وتكثيف البرامج التدريبية للطلاب.
وحول التشريعات لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، قال القاسم إن التشريعات الدولية جيدة، ولكننا ما نعلمه عن الذكاء الاصطناعي هو فقط تخيلات وقصص وأخبار سمعناها من الناس فقط ولكن لا نعلم البُعد العلمي لهذا المجال وفوائده.
خلاصة القول: الذكاء الاصطناعي مساعدًا ومكملًا للإنسان وليس بديلاً عنه
في الختام، يبقى السؤال حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيحل مكان البشر محوريًا في ظل التقدم التكنولوجي المستمر، لا شك أن الذكاء الاصطناعي يحمل في طياته إمكانيات هائلة لتحسين حياتنا بطرق متعددة، من زيادة الكفاءة إلى تحقيق اختراقات في مجالات مثل الطب والتعليم والصناعة.
ومع ذلك، يجب أن نكون واعين للتحديات والمخاوف التي تثيرها هذه التكنولوجيا، خاصة فيما يتعلق بسوق العمل والأخلاقيات والخصوصية.
الحل يكمن في إيجاد توازن بين الاستفادة من فوائد الذكاء الاصطناعي وضمان حماية حقوق الإنسان وتوفير فرص عمل عادلة للجميع؛ فالمستقبل يتطلب منا التعاون والعمل المشترك لتحقيق أفضل النتائج من هذه الثورة التكنولوجية، بحيث يكون الذكاء الاصطناعي مساعدًا ومكملًا للإنسان، وليس بديلاً عنه.