شهدت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا موجة من التعليقات الساخرة والآراء المتباينة حول التعديلات الجديدة التي طرأت على محتوى صفحات المناهج والكتب المدرسية.
التعديلات التي أثارت موجة من السخرية لدى البعض والتأييد لدى البعض الآخر تكمن بإضافة صور لفنانين أردنيين وعرب، من بينهم – على سبيل المثال لا الحصر- : عبده موسى، موسى حجازين، جوليت عواد، سميرة توفيق، والمطربة المصرية أم كلثوم، بالإضافة إلى شخصيات رياضية أردنية مثل عامر شفيع، موسى التعمري، وجوليانا الصمادي، كما احتوت بعض الدروس على إيقاعات لـ “الطبلة” .
وفي هذل الصدد، عبّر روّاد مواقع التواصل الاجتماعي عن امتعاضهم الشديد من هذه التعديلات، مؤكدين ضرورة أن تحتوي الكتب المدرسية على شخصيات أردنية قدمت بطولات وتضحيات وطنية وقومية.
وفي المقابل، رأى آخرون أن القضية الفلسطينية بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً من المناهج الدراسية التي اعتادوا رؤيتها بين دفتي الكتب أو على أغلفتها، مشددين على ضرورة تكثيف المحتوى الإسلامي والديني في المناهج.
مقارنة بين المناهج القديمة والجديدة ..
تداعيات التعديلات الفنية والرياضية، دفعت بعض المستخدمين إلى نشر صوراً من المناهج التعليمية القديمة للمقارنة بين محتوياتها التي تصوّر العائلة المتماسكة وبين المضامين الجديدة، مرددين عبارات تشير إلى انحدار المنظومة التعليمية في الأردن، وفق تعبيرهم.
وأكدوا أن مثل هذه المواضيع تزرع “النقم لا القيم” لدى الأجيال، وتخالف التعاليم الدينية. وأشاروا إلى أن المدرسة يجب أن تكون الوسيلة لتوعية الطلبة وحمايتهم من “التفاهات” التي تُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما ذهب بعضهم إلى القول إن هذه المناهج تهدف إلى الانسلاخ عن الهوية العربية، بدءاً من استبدال الأرقام العربية بالإنجليزية، وصولاً إلى التخفيف التدريجي من التركيز على القضية الفلسطينية والشخصيات الأردنية في الكتب المدرسية.
في حين تساءل آخرون عن التناقض في تقبّل دراسة كتبنا لأعمال وشخصيات أجنبية مثل “لودفيغ فان بيتهوفن” و”ويليام شكسبير” وفن الأوبرا الغربية، بينما تُثار “الخطوط الحمراء” عند الحديث عن الفنانين الأردنيين والأغاني التراثية.
كما يرى بعض المراقبين أن التهويل والتضخيم الإعلامي يأتي في إطار صرف انتباه المواطنين عن القرارات الحكومية الأخيرة، مثل قرار رفع الضريبة على السيارات الكهربائية، خاصة أن أدوات التعليم والأساليب التقليدية ونظام حشو المعلومات لا تزال على حالها ولم “تبارح مكانها”.
الجهني: المناهج التعليمية في الأردن تعرضت لـ”التجريف” .. وشخصيات لا تستحق الذكر
وفي هذا الصدد، قال مدير مكتب كتلة الإصلاح النيابية والناشط السياسي خالد الجهني إن المناهج التعليمية في الأردن تعرضت في السنوات الأخيرة إلى ما يشبه “التجريف”؛ مما أدى إلى استهداف الهوية الوطنية العربية والإسلامية في هذه المناهج.
وأضاف أن الأمر وصل إلى حد استيراد بعض المناهج من خارج الأردن، مؤكداً أن الأردن يمتلك كفاءات تربوية كبيرة أنجزت مناهج وطنية مميزة، وقادرة على المساهمة في بناء المناهج التعليمية في عدة دول عربية، وهذا بدوره يضع الأردن على سلم التعليم العربي والدولي.
وعبّر الجهني عن استيائه الشديد من إدخال دروس ومحتويات تعليمية جديدة في الكتب المدرسية خلال الفترات الأخيرة على حساب تغييب الهوية الوطنية وبعض الشخصيات مثل الشهيد فراس العجلوني، واصفاً إياها بأنها “ليست ذات أولوية”.
وفيما يتعلق بإضافة شخصيات فنية إلى المناهج الدراسية، قال الجهني “في تقديري الشخصي ورأي الكثير من أبناء المجتمع الأردني، أرى أنها لا تستحق أن تُذكر.”
لافتا إلى أن الإشارة إلى شخصيات فنية لا تلتزم بمعايير الفن الأصيل في أدائها أو في استخدام اللغة العربية الفصيحة تحمل الكثير من الدلالات.
ذوقان: واضعو المناهج يفتقرون لـ “الإعلام التربوي”
من جانبه، أوضح الخبير التربوي د. ذوقان عبيدات أن مادة التربية الفنية والموسيقية هي جزء من المواد والخطة الدراسية المقررة للطلبة، تمامًا مثل مادة اللغة العربية والتربية الاجتماعية والرياضيات والإنجليزية والعلوم، وخلال هذه المادة، يُفترض أن يتعلم الطلبة السلم الموسيقي ودرجات الأصوات والأداء الموسيقي والغنائي، وهذه موضوعات مقررة يجب دراستها.
ولفت عبيدات إلى أن الاعتراض على ذكر اسم الفنانة سميرة توفيق يرجع إلى عدة أسباب أولها هو أن الكثير من الناس لا يدركون أن مادة التربية الموسيقية جزء من المنهاج الدراسي، وأن الهدف من إدراج اسم سميرة توفيق هو عرض أغاني تعكس الثقافة الشعبية، مثل أغنية “بالله تصبوا هالقهوة وزيدوها هيل”، ولذلك جاء الاعتراض على ذكر اسم سميرة توفيق.
أما السبب الثاني، فأرجعه عبيدات إلى أن مؤلفي مادة التربية الموسيقية ينحازون للمادة الدراسية ويهملون الأبعاد القيمية والاجتماعية والثقافية للمجتمع. وهذا ما يفسر، وفقًا لعبيدات، عدم الاعتراض على الفنانين الآخرين مثل توفيق النمري وموسى حجازين وغيرهم.
كما افترض عبيدات أن سميرة توفيق تحمل جنسية عربية وليست أردنية، بالإضافة إلى أن البعض يرونها غير “ملتزمة” من الناحية الفنية.
أما السبب الرابع والرئيسي، وفقًا لعبيدات، فهو افتقار الجهات المسؤولة عن وضع المناهج للإعلام التربوي. إذ فشلوا في مخاطبة المجتمع والدفاع عن موقفهم في هذا الجانب. كما أنه لا يوجد في المناهج شخص تربوي قادر على مخاطبة المجتمع، وهنا تكمن المشكلة. فالتربية، وفقًا لعبيدات، تخاطب المجتمع “باستعلاء” على أساس أن التربية شأن يخص المختصين فقط.
وقال عبيدات في حديثه: “أنا لا أعترض على سميرة توفيق، ولو كنت مسؤولًا في المناهج لوضعت الأمر في إطار علمي خالص، وليس بشكل “اعتباطي” فالقضية ليست سميرة توفيق بحد ذاتها، إنما المشكلة تكمن في أن واضعي المناهج لا يدركون أهمية مخاطبة المجتمع ويتعاملون معه بتعالي.”
المجالي: الأمر “مبالغ فيه”.. وسميرة توفيق وثقت التراث الأردني
من جانبه يرى الكاتب عبد الهادي راجي المجالي أن مهاجمة وجود المطربة سميرة توفيق ضمن المنهاج “مبالغ فيها”، خاصة أن توفيق وثّقت التراث الأردني وأدّت أغانيها بإتقان باللهجة الأردنية، بالإضافة إلى ذلك، غنّت قصائد أردنية تُعتبر جزءًا من التاريخ والتراث الوطني.
وأشار المجالي إلى أن كاتب المادة لم يتمكن من تقديم سميرة توفيق كجزء من الموروث الثقافي والاجتماعي والسياسي، بل قدمها كفنانة مجردة، دون الاعتراف بأبعادها الثقافية.
خلاصة القول: العلم .. وسيلة لتطوير الفكر والثقافة
تمتلك كل جماعة بشرية عادات وتقاليد ومواريث تعبّر عنها بطرق متعددة، تشمل اللباس التقليدي، المأكولات، الفنون، الرقصات الشعبية، والأغاني، وللحفاظ على هذه التقاليد وتعزيز معرفة الأجيال الجديدة بها، يتم ذلك عبر المناهج الدراسية، ورش العمل، الفنون والحرف اليدوية، والنقل الشفهي للقصص والأساطير وغيرها.
من هذا المنطلق، يُعدّ العلم أكثر من مجرد وسيلة للحصول على شهادة؛ فهو وسيلة لتطوير الفكر، توسيع العقل، رفع مستوى الوعي، وترقية النفس. لذا، يولي المركز الوطني لتطوير المناهج أهمية كبيرة للتحديث المستمر والتطوير على المناهج الدراسية والكتب المدرسية لمراحل الطفولة المبكرة، التعليم الأساسي، والثانوي.
ومع ذلك، قد يتم إغفال بعض الأبعاد الثقافية والاجتماعية في هذا السياق، رغم أهمية عكس الصورة المجتمعية وإدراجها في المناهج التعليمية.