نخبة بوست – تلقيت اتصالاً هاتفياً مدججاً بصواريخ ومحملاً بقنابل عنقودية من الغضب والعتاب. هاجمني به صديقي قديم لهذه الزاوية قائلا، يا عمي كلُّ الناس كتبت عن فضيحة المناهج وسميرة توفيق؟ معقول ما إلك رأي. يا رجل ليش ما فزعت، وأنت دائماً تفزع للناس في أوجاعهم ومآسيهم، وكما تفزع للشجر وتتصدى لمافيات الفساد؟
بعد أن أفرغ محدثي كامل عتاده، قلت له معك الحق، فهذه الزاوية ليست ملكي، إنها للحياة والقراء، ولهم أن يعتبوا ويهاجموا أو يستهجنوا صمت الكاتب عن قضية أو انحرافه عن مسار معتاد. ولكن هل من المفروض على الكاتب أن يكتب في كل شيء؟ وهل يستطيع أصلاً أن يفعل هذا، وحياتنا مليئة بالهموم والشجون.
مع احترامي لرؤية القارئ الكريم. أرى أن الترند أو القضية المجتزأة عن وجود صفحة عن المطربة الشعبية سميرة توفيق في منهاج مدرسي لا يمكن أن يحكم عليها من خلال عمل فزعوي شعبوي تعبوي. دارسة المناهج وتقييمها ونقدها عمل متخصص، ذو طابع خاص جداً، على من يتصدى له أن يكون دارسا ومطلعا وخبيرا ومتمرسا في كثير من الجوانب العلمية والاجتماعية والثقافية والنفسية.
لكن يبدو لي حالة السخط العامة التي تتلبس مجتمعنا، تعطي المبرر كي نأخذ بسوء نية أي عمل. كما أن الناس صارت أكثر جرأة على الفتوى في كل شيء. الكل يستطيع أن يبدي رأيه في أي شيء. بدءا من النظرية النسبية الخاصة وليس انتهاء بمحتويات الخلية النباتية أو بجدوى الكشف عن عنصر جديد في الجدول الدوري.
أحدهم صور صفحة من كتاب فيه فقرة عن الغناء الشعبي وصورة للمطربة سميرة توفيق. وبدأت القصية تتدحرج. أنتم لا تعلمون أولادنا عن أبطالنا بل تدرسوهم عن الفنانين، دون أن يكلف أحد نفسه ويسأل عن الصف الذي يدرس هذا المنهاج وما هي المادة التدريسية، حتى المركز الوطني للمناهج التزم الصمت مما جعل الكثيرين يسترسلون في السخرية والنيل من موروثنا الفني ومن الفن بشكل عام.
الصفحة تلك مأخوذة من منهاج التربية الفنية والموسيقية للصف الرابع الأساسي. وليست من كتاب للتربية الإسلامية أو اللغة العربية. وهذا الكتاب يحتوي وحدات حول الخطوط والظلال الرسم الفني، ووحدة عن التربية المسرحية ومسرح الدمى والكوميديا والتراجيديا، وثالثة عن الموسيقى والأغنية التراثية والوطنية وغيرها. أي أنه زاخر ومفيد وممتع. ففي زمننا لم ندرس مثل هذه المفردات حتى في الثانوية العامة. كما أن الفن عنصر هام في حياة الشعوب ودافع لتقدمها. كما أن المناهج لا تتجاهل أبطالنا وقدواتنا وشهداءنا، ومن يرغب بالتأكد عليه العودة إلى مناهج التربية الوطنية أو اللغة العربية.
للأسف فرغم الثقافة التي يتمتع بها مجتمعنا إلا أننا في كثير من الأحوال نأخذ ما يصلنا من أفكار على شكل مسلمات، دون تمحيص أو تدقيق أو دون تفكير ناقد واع. وهنا لا أطالب أن يصمت الناس، بل يناقشوا ولكن بحدود علمهم واطلاعهم ومعرفتهم. وأن لا يكونوا صدى لغيرهم، وألا ينخرطوا في سياسة الفزعة ونظرية عليهم عليهم، وين راحو النشامى، التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه. بل عليهم أن يمارسوا التفكير والنقد الواعي لكل ما يصلهم. فمناقشة المناهج لا تتم بهذه الجزئية القاصرة ولا من قبل غير مختصين.