نخبة بوست – سارة الرفاعي
من المخيف أن تُضطر النساء إلى تعلم لغة الحياة في ظل غياب اللغة الإنسانية التي تحترم كيانهن، حيث تجد المرأة المعنفة نفسها في مجتمع تفتقر بعض فئاته إلى لغة الحب والاحترام، ويستبدلونها بلغة “الضرب والتعنيف”.
وفي ظل وجود العنف، يصبح الهروب من استحقاقات الواقع الأليم هو الخيار الوحيد المتاح أمامها، دنيا سعيد أمرأة ثلاثينية تروي معاناتها التي بدأت عند دخولها القفص الذهبي بالطرق التقليدية حيث عقد قرانها على أحد أقاربها الذي كان مرتبطاً بزوجة سابقة قبلها.
تقول دنيا “حياتي كانت مش بزيادة مع أبوي المتسلط” مُوضحة أن قرار الزواج كان متسرعاً للهروب من واقع المنزل لتجد نفسها في منزل جديد لكن الواقع أصبح يسوء فزوجها أكثر تسلطاً من والدها.
“عابس وبخيل ومتسلط “.. هكذا وصفت دنيا زوجها الذي غابت بينهما لغة الحوار والحب والتفاهم بالإضافة إلى تعنيفها جسدياً ولفظياً، موضحة أن معاناتها في حياتها الزوجية لم تقتصر على التعنيف وحسب، إنما قلبهُ كان معلقاً بزوجته السابقة ليتخذ قراره الشخصي بأن يجمع بينها في بيت واحد.
تضيف دنيا والدموع انحبست في عينيها “لهون وبس “، إذ لم تعد تحتمل هذه المعاناة المخلوطة بالتعنيف مع زوجها فضلا عن عدم الحب وتعلق قلبه بأنثى أخرى واجبارها على العيش مع طليقته لتتخذ قرارها أخيرا بالانفصال عنه والعودة الى بيت اهلها الذي ظنت سابقا أن بيت الزوجية سوف يكون ارحم من والدها.
رماني عن الدرج .. قائلا: ماذا فعلت؟!
بعد اتخاذها قرار الإنفصال عن زوجها عادت دنيا مرغمة إلى بيت والدها لتجده قد ازداد شراسة وعنفا حيث دفعها على الدرج قائلا لها: ” ماذا فعلت لتغضبي زوجك !؟”.
ما بين الحياة اليائسة في بيت الزوجية وبيت العائلة اختارت دنيا أن تعود للمعاناة مع والدها محطمة النفسية والقلب، قصة دنيا واحدة من بين عشرات لا بل مئات الحالات لنساء وفتيات قاصرات تعرضن للتعنيف في بيت الأهل أو الزوجية.
القانون والثقافة المجتمعية
وفي تعليقها على هذا الموضوع، قالت المحامية إسراء محادين إن حالات العنف ضد المرأة موجودة بكل مكان ولا يوجد آليات حماية لاحقة للمعنّفات، ولفتت إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى الثقافة المجتمعية التي تتعامل بتثاقل مع رعاية الفتيات فيتم تزويجهن كيفما اتُفق وبالتالي يدفعن الثمن.
من جانبها، قالت المحامية الشرعية نور صنوبر إن حالة “دنيا” تعد واحدة من ضحايا الأفكار المجتمعية التي مازالت تلقي بظلالها على بعض الأسر حتى وقتنا الحالي مع الأسف.
وأوضحت أن الحد من الانتهاكات الأسرية ضد المرأة يتم من خلال زيادة الوعي والتثقيف عبر المناهج الدراسية والحملات الإعلامية الدورية، إضافة إلى التربية السليمة ضمن نطاق الأُسر، كما من المفيد أيضا العمل على تمكين المرأة علميا واقتصاديا واجتماعيا لتصبح قادرة على التخلص من الضغوطات التي قد تكون سبباً في تعرضها للتعنيف.
المرأة الحلقة الأضعف بالمجتمع
وفي ذات السياق صرّحت الاخصائية التربوية والأسرية إيمان عثامنة أنه في السنوات السابقة لم تكن هناك إحصائيات كافية حول حالات العنف ضد المرأة، لكن تم تسليط الضوء بشكل أكثر على هذه القضايا بالوقت الحاضر على المستوى المحلي.
وأكدت أن المرأة هي الحلقة الأضعف سواء في بيت أهلها أو زوجها، لذا يجب التأكيد على التربية والتنشئة الصحيحة للوصول للاستقرار النفسي بالأسرة، ونوهت إلى أن الفتيات يتمثل تفكيرهن بأن الزواج هو وسيلة للتخلص من مشاكل الأهل وبوابة لتحقيق الأمنيات، لذا من الضروري توعية الفتيات بضروة عدم الإقدام على خطوة الزواج إلا بقناعة مُمثلة بالخيار الصحيح.
ارتفاع حالات العنف ضد المرأة
على صعيد متصل، شهدت حالات العنف ضد المرأة ارتفاعا خلال العام وذلك بحسب أحدث الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الإدارة العامة للأمن الوطني ، حيث بلغت نسبة العنف المعنوي ضد المرأة 31.6%، فيما بلغت نسبة العنف المادي 59.2%، والعنف الجنسي 3.1% والعنف الاقتصادي 6.1% .
في حين بلغت نسبة المعتدين من المتورطين في قضايا العنف ضد المرأة الذين تمت إحالتهم إلى القضاء 88.79 %، وفق الإحصاءات ذاتها.
الخلاصة: ضرورة توفير الحماية المجتمعية للنساء المعنّفات
تعد قصص النساء اللواتي تعرضن للعنف، مثل قصة “رماني عن الدرج”، شاهدة على الحاجة الملحة لتعزيز الجهود لمكافحة هذه الظاهرة وضمان بيئة آمنة ومحترمة للنساء في مجتمعاتهن.
إذ يشكل العنف ضد المرأة ظاهرة مقلقة في المجتمعات حول العالم، والأردن ليس استثناءً، ففي السنوات الأخيرة، تصاعدت الدعوات لمكافحة هذه الظاهرة وتوفير الحماية للنساء من مختلف أشكال العنف التي يتعرضن لها.
وبالنهاية؛ تتنوع أشكال العنف بين الجسدي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي، وتترك آثارًا جسيمة على الضحايا وعائلاتهن، مما ينعكس سلبًا على المجتمع بأسره، وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لزيادة الوعي وتقديم الدعم للضحايا، لا تزال التحديات كبيرة في مجال تطبيق القوانين وتحقيق العدالة.