نخبة بوست – كتب الدكتور محمد حسن الطراونة
في الوقت الذي لم تعد فيه مهنة الطب في الأردن تتمتع بالبريق الاجتماعي والمادي كما في السابق، ولا سيما بسبب ارتفاع معدلات البطالة التي تتفاقم عامًا بعد آخر دون حلول جذرية وسريعة تخفف من وطأة هذا الوضع، أصبحت هذه المشكلة تهدد القطاع الصحي الذي يعاني بدوره من نقص حاد في التخصصات الطبية. تقليل عدد مقاعد كليات الطب في الجامعات الأردنية لا يعد حلًا جذريًا لمشكلة البطالة.
يمارس مهنة الطب في الأردن حوالي 28,000 طبيب، فيما يبلغ عدد طلاب الطب على مقاعد الدراسة حوالي 38,000 طالب وطالبة، سواء في الجامعات الأردنية أو غير الأردنية.
ووفقًا لتصريحات نقابة الأطباء، فإن المستشفيات الحكومية والخاصة والمراكز الطبية في مختلف القطاعات تستوعب حوالي 1000 طبيب سنويًا، في حين تشير الأرقام إلى وجود بين 3000 و4000 طبيب في الأردن يبحثون عن عمل، وهي أرقام مقلقة.
من بين القضايا التي تثير القلق تفاقم مشكلة هجرة الأطباء، التي تتزايد نتيجة نقص فرص العمل، وتدني الدخل، وعدم وجود رغبة حقيقية من السلطات الصحية في إيجاد حلول لمشكلات الأطباء في القطاعين العام والخاص. كما يُضاف إلى ذلك التضييق على الأطباء بسبب القوانين والتشريعات التي أثرت سلبًا على القطاع الصحي، خصوصًا في الفترة الأخيرة نتيجة عدم اهتمام الحكومة بالسياحة العلاجية والظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
أما فيما يتعلق بمشكلة لائحة الأجور، فلم يتم إيجاد حل جذري لها، وهي حق مشروع للأطباء، خاصة بعد مرور 15 عامًا على آخر تعديل. تعد هذه اللائحة من ركائز التحول نحو التغطية التأمينية الشاملة من خلال منظومة وطنية موحدة لأتمتة القطاع الصحي الخاص، بما يحقق العدالة لمقدمي الخدمة الصحية ومتلقّيها، ويخلق بيئة استثمارية جاذبة للقطاع الصحي.
تشير الأرقام والإحصائيات إلى أن هجرة الأطباء ارتفعت بنسبة 450% خلال السنوات العشر الماضية. ووفقًا للإحصائيات في المملكة المتحدة، “يحتل الأطباء الأردنيون المرتبة الأولى بين الدول العربية والثالثة عالميًا من حيث الأطباء المهاجرين إلى المملكة المتحدة”، سواء للدراسة أو العمل أو التخصص.
وعلى الحكومة الأردنية أن تأخذ هذا الوضع على محمل الجد. تقليل مقاعد الطب في الجامعات لا يحل المشكلة، بل هناك العديد من الحلول التي يمكن أن تتخذها الحكومة، مثل: زيادة فرص العمل في المستشفيات الحكومية، التوسع في برامج التخصص والإقامة، زيادة عدد مقاعد الإقامة في التخصصات الفرعية، تسويق الطبيب الأردني عربيًا وعالميًا، وزيادة الاستثمار في القطاع الطبي. هذه الخطوات ستسهم في رفد الاقتصاد الأردني، زيادة فرص العمل، والحد من ظاهرة هجرة الأطباء الأردنيين الذين يتمتعون بسمعة واسعة سواء في العالم العربي أو الدولي. يجب إعادة الأردن إلى خارطة السياحة العلاجية ليعود الوجهة العربية الأولى للعلاج كما كان في السابق.