نخبة بوست – أماني الخماش
بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي، ليل الاثنين، عملية “توغل” برية محدودة في جنوب لبنان تستهدف البنية التحتية لحزب الله، وسط تحليق مكثف للطيران وقصف مكثف بالمدرعات والدبابات على مناطق الجنوب.
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيان أن عملية “السهام الشمالية” محددة ضد أهداف لحزب الله، وأنها ستستمر “وفقا لتقييم الوضع”.
وذكر جيش الاحتلال، أنه بدأ “مداهمات محدودة ومستهدفة لحزب الله في منطقة الحدود بجنوب لبنان”، مشيرا إلى أن هذه الأهداف “تقع في قرى قريبة من الحدود، وتشكل تهديدا مباشرا للتجمعات السكانية في شمال إسرائيل”، بحسب نص البيان.
وأوضح جيش الاحتلال الإسرائيلي أن “العمليات تمت الموافقة عليها وتنفيذها وفق قرار القيادة السياسية”.
وأضاف أن “سلاح الجو والمدفعية يدعمان القوات البرية بضربات دقيقة على أهداف عسكرية في المنطقة”.
وشهدت البلدات الجنوبية اللبنانية تحليقا مكثفا للطيران الإسرائيلي. وأفادت تقارير إعلامية سابقة بتوغل قوات مشاة ودبابات إسرائيلية في بعض قرى الجنوب.
وبالتزامن، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن “ضربات وشيكة على أهداف لحزب الله في الضاحية الجنوبية”، وشن عقبها 8 غارات عنيفة على الضاحية.
أبو زيد: حزب الله يريد المعركة البريّة لهذه الأسباب ..
وفي ظل هذا التصعيد، قال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد “توقعنا توقيت العملية البرية استنادًا إلى المؤشرات التي كانت تتزايد بشكل تدريجي، مما يوحي بأن العمل البري يقترب. فقد بدأت ساعة الصفر الساعة 00:03 فجرًا، بتقدم قوات الكوماندوز كراس حربة لهجوم بري لن يكون محدودًا كما يحاول الاحتلال الترويج له.”
وأضاف أبو زيد أن “الاحتلال دخل بسقف أهداف منخفض، حيث أشار إلى أن العملية محدودة وضمن توقيت زمني قصير، في إشارة إلى أن قوات الاحتلال تخشى المفاجآت من حزب الله، ولا تريد الدخول بسقف أهداف مرتفع تعجز عن تحقيقه، فيتكرر سيناريو غزة وسيناريو 2006 جنوب لبنان.”
وأشار أبو زيد إلى أنه “ورغم كل الضربات التي تعرض لها الحزب، إلا أنه يبدو أنه أصبح يريد المعركة البرية، لأن الاشتباك البري قد يجعل قوات الاحتلال في الميدان الذي يحترف فيه حزب الله القتال، ويتخلص من التفوق الجوي الذي أرهق قيادة الحزب. إلا أن كل ذلك يعتمد على مدى ردة فعل حزب الله على التوغل البري، وهو الأمر الذي يمكن من خلاله قياس إمكانية صمود الحزب أو عدمه.” وتوقع أبو زيد “أن تكون هناك مفاجآت خاصة إذا ما توغلت الدروع.”
وتساءل أبو زيد: “بأي حق يتم غزو بلد عربي يمتلك السيادة، أمام أنظار ومسمع الجميع، وحتى القوات الدولية (اليونيفيل) المنتشرة جنوب لبنان؟”
اغتيال نصر الله يرفع الخطوط الحمراء
على صعيد متصل، وفي ضربة كسرت جميع قواعد الاشتباك ورفعت كل الخطوط الحمراء، اغتالت إسرائيل الأمين العام والقيادي الأول في حزب الله حسن نصر الله، في غارات شنتها على الضاحية الجنوبية لبيروت في الـ 27 من الشهر الماضي، مما شكّل صدمة كبيرة لبيئة الحزب ولبنان، والمنطقة بأكملها، وصعّد من احتمالية التوجه إلى سيناريو الحرب الشاملة.
هذه الخطوة أثارت تساؤلات عديدة حول مدى انعكاس اغتيال الأمين العام للحزب على مجريات الحرب مع إسرائيل، وعلى مدى قدرة الحزب على لملمة جراحه وتوحيد صفوفه وإكمال مسيرته في مواجهة إسرائيل.
وفي هذا الصدد، صرح محللون لـ “نخبة بوست” أن عملية اغتيال نصر الله جاءت لتفرض معطيات جديدة، وتبدأ مرحلة أخرى من مراحل الحرب التي لن تكون كما قبلها، مدخلة بذلك المنطقة إلى دائرة المجهول في ظل سيناريوهات صعبة ومعقدة.
ويرى المحللون ان عملية اغتيال نصر الله إما أن تكون نذيرًا بإشعال حرب شاملة تجر المنطقة إلى المزيد من الحروب والدمار، أو أن تذهب باتجاه تسوية العديد من الملفات، وأهمها ملف جبهة الشمال وملف غزة.
حزب الله: مستعدون لمواجهة أي غزو
من جانبه؛ قال نائب الأمين العام لجماعة حزب الله نعيم قاسم إن مقاتلي الجماعة مستعدون لمواجهة أي غزو بري وإفشال الأهداف الإسرائيلية، وذلك في أول خطاب علني منذ أن قتلت إسرائيل نصر الله في غارات جوية الأسبوع الماضي “قوات المقاومة جاهزة للالتحام البري”.
وجاءت تلك التصريحات في الوقت الذي واصلت فيه إسرائيل شن غارات جوية على بيروت وأماكن أخرى في لبنان في إطار حملة مستمرة منذ أسبوعين أودت بحياة عدد من قادة حزب الله إلى جانب نحو ألف لبناني وأجبرت مليون شخص على ترك منازلهم، وفقا للحكومة اللبنانية.
حزب الله يعيد ترتيب الأوراق ورص الصفوف
وفي محاولة لإعادة ترتيب الأوراق ورص الصفوف، وفي ضوء العمل تحت النار، يصعّد حزب الله من حدة ضرباته العسكرية على إسرائيل، مدخلاً بذلك مستوطنات ومدنًا وقواعد عسكرية جديدة تحت مرمى نيرانه، ليكسر بذلك قواعد الاشتباك المعلنة، ويرفع من حدة المواجهات.
وعلى الصعيد السياسي، من المتوقع اختيار رئيس المجلس التنفيذي للحزب، هاشم صفي الدين، لتولي زمام الأمور في الحزب، ليصبح بذلك الأمين العام لحزب الله خلفًا لحسن نصر الله. وهو الرجل الذي وصفته إسرائيل بالأكثر تشددًا من نصر الله.
طلب: ضربة قاسمة وإن تداركها الحزب سيتعافى
من جهته، قال الصحفي والمحلل السياسي رجا طلب إن اغتيال حسن نصر الله سيخلق فراغًا كبيرًا في هيكلية القيادة للحزب، ويرجع ذلك إلى تولي نصر الله مركز صنع القرار في الحزب منذ 32 عامًا، إذ كان مطلعًا على كافة التفاصيل المتعلقة بالحزب، ونشاطه السياسي، وحيثيات ارتباطه مع إيران والقوى الإقليمية.
وأشار طلب إلى أن إسرائيل تتبع سياسة الاغتيالات منذ وقت طويل، سواء مع المقاومة في فلسطين أو حزب الله، لاعتقادها بأن التخلص من القيادات البارزة وصانعي القرار سيضعف هذه التنظيمات.
وفيما يتعلق بمآلات اغتيال نصر الله، لفت طلب إلى أنه بالرغم من خطورة عملية اغتيال نصر الله، إلا أن هناك إمكانية لأن يحتوي حزب الله هذه الصدمة القاسمة، في حال كانت القيادات في مجلسي الشورى والتنفيذي ما زالت على قيد الحياة واستطاعت تدارك الأمور.
وأشار إلى أن رئيس المجلس التنفيذي للحزب، هاشم صفي الدين، والحاج نعيم القاسم من أبرز الشخصيات القيادية المرشحة لخلافة نصر الله، إلا أن الأبرز هو صفي الدين، وذلك في ضوء صلة القرابة مع الأمين العام السابق وحجم تبادل المعلومات والمعرفة بينهما في كافة الأمور المتعلقة بالحزب. وفي هذا السيناريو، سيكون الحزب قادرًا على التعافي بدرجة نسبية ومعقولة.
وفيما يتعلق بتأثير اغتيال نصر الله على مجريات الحرب مع إسرائيل، أشار طلب إلى أن إسرائيل ستعتبر ذلك لحظة تاريخية مناسبة لفرض ضغوط على الحزب وحلفائه، وخاصة حركة أمل، ممثلة برئيسها نبيه بري، للضغط على حزب الله لتطبيق قرار 1701 وفق الرؤية الإسرائيلية، مما يعني انسحاب قوات الرضوان وحزب الله إلى ما وراء الليطاني.
مدانات: أمريكا أعطت إسرائيل الضوء الأخضر
وفي سياق آخر، بين المحلل السياسي شادي مدانات أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، هو قائد ميداني، واحتمالية استشهاده كانت واردة في ظل اعتماد إسرائيل على تكنولوجيا بصمة الصوت، التي لعبت دورًا كبيرًا في عمليات الاغتيال التي نفذتها في فلسطين ولبنان، لاسيما أن قادة حزب الله هم ميدانيون شاركوا في المعارك على الأراضي السورية، ومن خلال ذلك استطاعت إسرائيل جمع معلومات وبصمات صوت وصور عن جميع قيادات الحزب.
وأضاف إسرائيل تتبع معادلة الردع من خلال توجيه ضربات استباقية قاسية في محاولة للتصعيد، وجميع عناصر حزب الله عرضة للاغتيال أو الموت في هذه الحرب.”
وأوضح مدانات أن الحزب استطاع إيجاد حل للتعامل مع القبة الحديدية، ومن خلال ذلك استطاعت صواريخه إصابة أهدافها بدقة، لكن إلى الآن لم يجد حلاً لمعالجة ثغرة بصمة الصوت التي تستغلها إسرائيل.
وفيما يتعلق بالسيناريوهات المتوقعة للحرب، لفت مدانات إلى أن إسرائيل تعتمد على استراتيجية قصف الجنوب، ثم الانتقال إلى حالة الحرب المفتوحة؛ وعلى الرغم من تكبدها الخسائر، إلا أنها تتبع سياسة التعتيم الإعلامي ولا تفصح عن نتائج الضربات التي تتعرض لها. كما أن القصف العنيف الذي تشهده الضاحية يستدعي رفع الخطوط الحمراء للحزب.
وأضاف أنه وبالرغم من تضارب التصريحات الأمريكية حول معرفتها بعملية اغتيال نصر الله، إلا أنها أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لتنفيذ الاغتيال. لكنها لا ترغب في التورط بحرب شاملة، ولا تريد أن تتعرض قواعدها العسكرية للاستهداف، خاصة في هذا الوقت الذي تعمل فيه على التصدي لروسيا بالإضافة إلى فترة الانتخابات الرئاسية التي تمر بها.
واختتم حديثه قائلاً “أمريكا أطلقت يد إسرائيل لتتصرف وفقًا لما تريد، والمحور سيعمل على تجاوز الخطوط الحمراء، وقد يتجه نحو الحرب المفتوحة.”
السبايلة: إسرائيل لم تترك لحزب الله مساحة لالتقاط أنفاسه
من جانبه، قال المحلل السياسي د. عامر السبايلة إن اغتيال حسن نصر الله شكّل صدمة غير مسبوقة للحزب، وطريقة التعامل معها قد تكون جديدة على الحزب، حيث لم يعتد على مثل هذا السيناريو من قبل، لاسيما أن الضربة استهدفت نصر الله وقيادة الحزب الكبرى، مما أدى إلى خلق حالة من الارتباك والذعر وعدم القدرة على التصرف.
وأشار السبايلة إلى أن إسرائيل لم تترك لحزب الله مساحة لالتقاط أنفاسه، إذ استمرت في عمليات القصف على معاقل الحزب، ثم بدأت بتهجير سكان الضاحية؛ وهذا الوضع لم يكن موجودًا في معادلة المواجهة السابقة، ولهذا يمكن القول إن الحدث كبير وغير اعتيادي.
خلاصة القول: اغتيال نصر الله ضربة قاسية للحزب
بالرغم من عدم وجود رغبة لدى إيران وأمريكا في الدخول بشكل مباشر في هذه الحرب، إلا أن معطيات المشهد تشير إلى الوصول لمرحلة يصعب فيها قراءة الأحداث القادمة؛ وفي ظل وجود حكومة يمين متطرف في الجانب الإسرائيلي، يبقى خيار الحرب المفتوحة من الخيارات المحتملة..
ولا بد من القول إن اغتيال نصر الله يُعدّ من أقسى الضربات التي تلقاها الحزب بعد اغتيال أمينه العام السابق عباس الموسوي. وباعتبار أن الحزب يمر بمرحلة صعبة الآن، تصعّد إسرائيل من حدة المواجهة للضغط على الحزب للقبول بأهدافها المعلنة من الحرب.