نخبة بوست – منذ أيام تم الإعلان عن نمو الناتج المحلي بنسبة (2.4 %) في الربع الثاني من العام الحالي 2024 مقارنة مع (2 %) للربع الأول 2024.
وفي زحمة الأحداث المتسارعة في المنطقة لم يتم التوقف عند هذه النسبة كما يجب رغم أهميتها في هذا التوقيت، ودلالاتها التي تتمثل بالنقاط التالية:
1 – تأكيد على منعة الاقتصاد الأردني وقدرته على النمو رغم كل الظروف والتحديات الإقليمية والعالمية.
2 – نسبة الـ 2.4 % التي تحققت هي أعلى من المتوقع، وتأتي مع استمرار التحديات الضاغطة على الاقتصاد الأردني نتيجة العدوان على غزة، وفي مقدمة التحديات:
أ) – تراجع قطاعات مهمة في الناتج الإجمالي المحلي، في مقدمتها قطاع السياحة.
ب) – تعطل حركة الملاحة عند باب المندب والبحر الأحمر، وأثر ذلك على سلاسل التوريد والقطاعات الاقتصادية، وفي مقدمتها التجارة والنقل.
3 – العدوان على غزة بدأ منذ 7 أكتوبر 2023 (أي في الربع الرابع من العام 2023)، وقد كان الاقتصاد الأردني حتى (الربع الثالث 2023) يشهد أرقامًا «تاريخية» في القطاع السياحي (زوارًا وإيرادات) وفي مختلف المدن وتحديدًا في المثلث الذهبي: (العقبة – وادي رم – والبترا)، وأرقامًا «تاريخية» في حجم الصادرات.. إلا أن كل ذلك بدأ بالتراجع في الربع الرابع من 2023 بسبب العدوان على غزة وتبعاته المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد الأردني.
4 – معدل النمو في العام 2023 – بالأسعار الثابتة وبحسب تقرير دائرة الإحصاءات العامة – بلغ (2.6 %)، وفي الربع الرابع من 2023 بلغ (2.3 %)، وفي الربع الأول من 2024 بلغ (2 %) ليصل إلى (2.4 %) في الربع الثاني من 2024.. ودلالات هذه المعدلات تؤشر على أن معدل النمو تأثر بالعدوان على غزة بدءًا من الربع الرابع 2023، وكذلك الربع الأول من العام الحالي 2024، إلا أنه عاد وتحسن ارتفاعًا في الربع الثاني.. وهذا ما يحدونا إلى الأمل بأن تبقى معدلات النمو مع نهاية العام الحالي عند معدلاتها ولا تتراجع عن (2.6 %) كما كانت نهاية 2023، مع الإشارة إلى أن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية قد توقع في تقريره بالأمس أن يسجل الاقتصاد الأردني ارتفاعًا طفيفًا لا يتعدى (2.6 %) في العام 2025 – شريطة تحسن الظروف الجيوسياسية، واستمرار التقدم في تنفيذ الإصلاحات – (بالمناسبة، «البنك الأوروبي» يتوقع ألا تتعدى نسبة النمو في منطقة جنوب وشرق المتوسط للنصف الأول من 2024 نسبة 2.1 %).
5 – قبل المضي قدمًا بتحليل معدلات النمو، لا بد من الاستدراك والتأكيد على أن هذه النسب جميعها لا تحقق الطموحات المستهدفة في «رؤية التحديث الاقتصادي»، والتي تستهدف معدلات نمو (5.6 %) في العام 2033، كما لا تتوافق هذه المعدلات مع فرضيات موازنة 2024، ولا فرضيات الموازنة التأشيرية للعامين 2025 و2026.. ولكن، في مثل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة، من عدوان إسرائيلي على غزة اقترب من عامه الأول، ومع توسع رقعة الحرب في الإقليم مع العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان.. في مثل هذه الظروف نقول إن الحفاظ على مثل هذه المعدلات يعد أمرًا مهمًّا ولافتًا، في وقت تراجعت فيه معدلات نمو دول عديدة في الإقليم والعالم، أحجام اقتصاداتها أكبر بكثير من حجم الاقتصاد الأردني، ناهيك عن محافظة الأردن على معدلات تضخم هي من الأقل إقليميًا وعالميًا، وناهيك عن استقرار وقوة الدينار الأردني وتراجع «الدولرة»، ووصول الاحتياطات الأجنبية في البنك المركزي لمعدلات تاريخية (20 مليار دولار) تغطي احتياجات المملكة لنحو (8.7) أشهر.
6 – يواصل القطاع الزراعي مساهمته الأعلى في معدل النمو المتحقق وبنسبة (6.2 %) مساهماً بمقدار (0.24) نقطة مئوية، وكان القطاع الزراعي قد ساهم في الربع الأول من 2024 بنسبة (5.7 %) وبمقدار (0.30) نقطة مئوية، الأمر الذي يؤكد نجاعة السياسات والاستراتيجيات المتبعة والتي أدت لنجاح وتطور هذا القطاع الذي عاد ليساهم بقوة في رفع معدلات النمو وتحقيق مستهدفات «رؤية التحديث الاقتصادي 2033».
7 – جميل أن تساهم قطاعات النقل والتخزين والاتصالات بنسبة (4.8 %) مساهمة بمقدار (0.08) نقطة مئوية في معدل النمو المتحقق، رغم أن قطاع النقل من القطاعات التي تأثرت كثيرًا بتداعيات العدوان على غزة.
8 – إذا كان القطاع السياحي في مقدمة القطاعات المتضررة بسبب تداعيات العدوان على غزة، فإن قطاع الإنشاءات أيضًا كان من الأكثر تراجعًا وبنسبة (-1.5 %)، وهو الذي كان قد نما بنسبة (3.5 %) في الربع الرابع من 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022، وبمساهمة مقدارها (0.11) نقطة من معدل النمو المتحقق.
باختصار: ليست هذه المعدلات هي طموحات الاقتصاد الوطني، ولا مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي.. ولا يمكن لهذه المعدلات أن تخلق مزيدًا من الوظائف، ولكنها في الوقت الحالي وفي هذه الظروف تعد جيدة بالمقارنة مع حجم التحديات والضغوطات، ويمكن البناء عليها وتحقيق الأفضل منها، من خلال جذب مزيد من الاستثمارات ودعم القطاع الخاص بكافة قطاعاته الصناعية والتجارية والخدماتية، على أن تبقى ظروف المنطقة «تحت السيطرة» دون مزيد من التصعيد وتوسيع رقعة الحرب وطول أمدها.