تصادف اليوم السنوية الأولى لحرب غزة والتي بدأت في السابع من أكتوبر 2023 ؛ وفي هذا اليوم تتجدد الذكريات المؤلمة في أذهان سكان القطاع المنكوب أمام صمت وخذلان المجتمع الدولي.
تلك الحرب الدائرة في القطاع المحاصر منذ عام خلفت وراءها دماراً هائلاً في البنية التحتية وتسببت بسقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح، لم تكن مجرد مواجهة عسكرية تقليدية، بل عكست تحولات جذرية في طبيعة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وأعادت تسليط الضوء على تعقيدات الملف الفلسطيني من جوانب متعددة.
اليوم وبعد عام كامل على عملية “طوفان الأقصى” تتشابك مشاعر الحزن والغضب مع تساؤلات حول المستقبل السياسي والأمني لغزة وفلسطين بشكل عام، وسط جهود إقليمية ودولية للتهدئة وإعادة الإعمار، في ظل استمرار الانقسام الداخلي الفلسطيني وتصاعد التوترات في المنطقة.

شرارة “طوفان الأقصى” .. من هنا كانت البداية
تروي صفحات التاريخ حكايات نضال الشعب الفسلطيني ونكباته المتتالية، إلا أن عملية “طوفان الأقصى” سطرت تاريخا جديدا وأعادت رسم معالم كفاح ونضال الفلسطينيين، حتى إن العملية وصفت بداية لعهد جديد من تاريخ الصراع الفلسطيني.
فما إن أضحى ليل اليوم السابع من أكتوبر على الاحتلال الإسرائيلي حتى باغتت الفصائل المقامة الإسلامية في قطاع غزة “حماس” في ظرف ساعات، وتسلل المقاومون الفلسطينيون إلى مستوطنات غلاف غزة عبر السياج الحدودي، وعبر وحدات الضفادع البشرية من البحر، إضافة إلى مظليين من فوج “الصقر” التابع لكتائب القسام.
بعد ساعات من ذلك الهجوم، أعلن القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف عن بدء عملية “طوفان الأقصى”، مؤكدًا أن “الضربة الأولى التي استهدفت مواقع العدو ومطاراته وتحصيناته العسكرية قد تجاوزت 5 آلاف صاروخ وقذيفة، فيما أوقعت بالإسرائيليين بين جريح وقتيل وأسير.”
ما إن سمع الجيش الإسرائيلي دوي صفارات الإنذار في جنوب إسرائيل ووسطها ومدينة القدس، حتى أعلن حالة الحرب، وتحدث الجيش الإسرائيلي عن “عملية مزدوجة” قامت بها المقاومة الفلسطينية تشمل إطلاق صواريخ و”تسللاً”.
يمثل شهر أكتوبر عقدة للاحتلال الإسرائيلي، حيث تلقى هزيمة من مصر في 6 أكتوبر 1973، ثم جاءت ضربة قاسية من حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، بالإضافة إلى الهجوم الصاروخي غير المسبوق من إيران في الأول من هذا الشهر
هذه الأحداث دفعت وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بالتصريح عن أن حماس بدأت تشن “حربًا على دولة إسرائيل”.
لكن الحال، بدا مختلفا لدى حركة المقاومة الإسلامية “حماس” والتي صدرت عنها عدة تصريحات أبرزها تصريحات القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف.
محمد الضيف : اليوم يتفجر غضب الأقصى، وغضب أمتنا، ومجاهدونا الأبرار هذا يومكم لتفهموا العدو أنه قد انتهى زمنه.. نفذوا هجماتكم على المستوطنات بكل ما يتاح لكم من وسائل وأدوات، فقد آن الأوان أن تتحد كل القوى العربية والإسلامية لكنس الاحتلال عن مقدساتنا وأرضنا
محمد الضيف: اليوم كل من عنده بندقية ليخرجها، هذا أوانها، وليخرج كل منكم بشاحنته أو سيارته أو بلطته، اليوم يفتح التاريخ أنصع وأشرف صفحاته
كما نشر ناشطون فلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو تُظهر استيلاءهم على مركبات إسرائيلية في بعض المناطق الحدودية مع قطاع غزة، وذلك بعد انتهاء الاشتباكات في تلك المناطق.
وفي مشهد لم يعتد عليه المشاهد العربي ولا حتى الإسرائيلي، اقتحمت المقاومة في الساعات الأولى من عملية “طوفان الأقصى” عدة نقاط حول القطاع وداخل الغلاف، من بينها زيكيم وسديروت ومنيفوت وكيسوفيم ودير البلح وخانيونس وأشكول ورفح، فيما استهدفت مناطق أبعد قصفًا بالصواريخ في تل أبيب واللد والقدس وأسدود وعسقلان وسديروت وبئر السبع.
وعلى إثر هذه الأحداث، أغلقت إسرائيل المعابر والجواجز العسكرية ومنعت أي حركات تنقل بين البلدات.
وردًا على عملية “طوفان الأقصى”، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية ضد قطاع غزة سماها عملية “السيوف الحديدية”
فضيحة مدوية ” إسرائيل تقتل مواطنيها”
وبين تخبط وفضيحة تهدد الجيش الإسرائيلي، فبعد ثبوت أنه قتل بالخطأ أعداداً كبيرة من مواطنيه خلال عملية طوفان الأقصى، حسب صحيفتي يديعوت أحرونوت و هآرتس الإسرائيليتين، كشف موقع استقصائي أمريكي عن دلائل أن هذا القتل الجماعي بحق المواطنين الإسرائيليين لم يتم بالخطأ بل بشكل عمدي، بناء على ما يبدو أنه توجيه عسكري إسرائيلي يسمى توجيه “هانيبال”
الساعات الأولى من “طوفان الأقصى” أربكت الاحتلال
وفي سياق متصل ، أسفرت العملية خلال ساعاتها الأولى عن مقتل المئات من الإسرائيليين بين جنود ومستوطنين، وأسر وفقدان أكثر من 100، بعضهم جنود، كما وأدت إلى إغلاق المطارات المحلية في وسط وجنوب إسرائيل أمام الاستخدام التجاري، وأُلغيت عشرات الرحلات الجوية إلى تل أبيب في مطار بن غوريون
وقال أبو عبيدة إن عدد الأسرى لدى كتائب القسام يتراوح بين 200 إلى 250، وأضاف أن عشرات الأسرى فقدوا حياتهم جراء القصف الإسرائيلي.
صباح الـ 8 من أكتوبر .. ماذا حدث ؟
في صباح اليوم التالي، وكعادته، بدأ الاحتلال عمليته بقصف جوي على القطاع وأجلى سكان غلاف غزة، إذ شنت طائرات الاحتلال غارات عنيفة على أهداف في مخيم البريج وسط القطاع، استهدفت منازل قيادات حماس في غزة.
وقال سلاح البحرية إنه قضى على 5 مسلحين فلسطينيين تسللوا إلى منطقة زيكيم على الحدود الشمالية مع قطاع غزة.
توزعت الاشتباكات على 8 مواقع بمحيط قطاع غزة، منها معبر بيت حانون (إيريز) وكفار عزة وقاعدة زيكيم العسكرية ومستوطنات ناحل عوز وبئيري وماغن وقاعدة رعيم العسكرية.
31 كانون الثاني 2024
في الـ 31 كانون الثاني 2024، ارتفعت حصيلة القتلى من الجنود الإسرائيليين إلى 223 قتيلاً حسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
كما أعلنت وزارة الصحة في غزة ارتقاء أكثر من 37 ألف شهيد غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 86 ألف فلسطيني في القصف الإسرائيلي، 15694 منهم من الأطفال و10018 من النساء.
وأشارت إلى وجود أكثر من 8 آلاف في عداد المفقودين تحت الركام وفي الطرقات، حيث تمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي وصول طواقم الإسعاف إليهم.
واستشهد 498 من الكوادر الصحية، و246 من الكوادر التعليمية، و150 صحفيًا، وألحقت الغارات الإسرائيلية المتواصلة دمارًا واسعًا بالمباني السكنية والمرافق الحيوية، ودمرت 56 سيارة إسعاف، كما دُمِّرَت 56 مؤسسة صحية، وأخرجت 26 مستشفى و46 مركزًا للرعاية الأولية عن العمل.
وبلغ عدد النازحين قسراً في القطاع منذ بدء العدوان نحو 1.9 مليون نازح، بحسب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، يمثلون أكثر من 80% من تعداد سكان القطاع
فيما أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن عدد القتلى الإسرائيليين وصل إلى 1538 خلال الشهرين الأوليين من بداية المعركة، في حين تجاوز عدد الجرحى 5000.
حرب غزة كشفت “فشل” نتنياهو
مع مرور عام على عملية “طوفان الأقصى”، باتت أهداف ووهم إسرائيل في تحقيق مبتغاها وظفرها بالحرب عصية على التحقق. فتحولت هذه الحرب إلى حالة “حرب مستمرة”، فقط لأن إسرائيل لا يمكنها التراجع وتجرع مرارة الهزيمة، في حين أن المقاومة لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي بينما إسرائيل تسوي غزة بالأرض وتهدم القطاع هدمًا فوق رؤوس ساكنيه.
فيما تحدث الإعلام العبري عن ملفات تقع على عاتق حكومة بينيامين نتنياهو ما زالت غير قادرة على تحقيق أهدافها، منها: ملف الأسرى، وانتزاع سلطة حماس في قطاع غزة، والقضاء على ميليشيات إيران في المنطقة مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق.
أما حول الوزراء وقادة عسكريين إسرائيليين قتلوا أو أقيلوا أو استقالوا من مناصبهم نتيجة الانتقادات الحادة التي وُجهت لأداء الحكومة والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية عقب عملية “طوفان الأقصى”، واصفًا إياهم بـ “الفشلة”.
بيني غانتس | نائب رئيس الوزراء ورئيس الحكومة البديل في حكومة الطوارئ الوطنية التي شكلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو |
غادي آيزنكوت | عضو في حكومة الطوارئ الوطنية التي شكلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو |
أهارون هاليفا | رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية |
رونين بار | رئيس جهاز الأمن الداخلي الشاباك |
تامير يادعي | قائد القوات البرية في الجيش الإسرائيلي |
غدعون ساعر | عضو في حكومة الطوارئ التي تشكلت لإدارة الحرب على غزة |
آفي روزنفيلد | قائد فرقة غزة عام 2022 |
إبادة كاملة للعائلات في غزة
خلال سنة من الإبادة الجماعية في قطاع غزة، أباد الجيش الإسرائيلي 902 عائلة فلسطينية، وقتل كامل أفرادها، فيما أبيدت 1364 أسرة فلسطينية وقتل جميع أفرادها، ولم يتبقَ منها سوى فرد واحد في الأسرة الواحدة. وأباد كذلك 3472 أسرة فلسطينية، قتل جميع أفرادها، ولم يتبقَ منها سوى فردين اثنين في الأسرة الواحدة.
تشير إحصائيات جهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى عدد كبير من الضحايا والخسائر الناتجة عن الحرب مرصودة حتى هذا اليوم، حيث تتضمن هذه الأرقام ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الشهداء والجرحى:
ما خلفته الحرب من دمار
بعد عام من الحرب؛ تُقدّر نسبة دمار البنية الحضرية والمساكن اليوم في مدينة غزة بنحو 80%، في حين تصل إلى نسبة 90% في البنية التحتية.
أما محافظة شمال قطاع غزة، والتي تضم بلدة جباليا ومخيمها، وبلدة بيت حانون، وبيت لاهيا، فتقدر نسبة الدمار في البنية الحضرية والمساكن فيها بنحو 95%، في حين باتت البنية التحتية مدمرة كليًا بنسبة 100%، حيث كان يقطن هذه المحافظة قبل اندلاع الحرب زهاء 450 ألف نسمة.
اسرائيل تنفذ سلسلة من الاغتيالات لقادة حماس
وعليه، باتت عملية “طوفان الأقصى” تتبع بما يُعرف بـ “نظرية الدومينو”، فبعد العمليات التصعيدية في غزة، أطلق حزب الله اللبناني بدوره عمليات قصف متواصلة من جنوب لبنان باتجاه الجبهة الشمالية لإسرائيل، فيما أسماه جبهة إسناد لغزة.
ولتصعيد الحرب، قامت إسرائيل بشن غارات متعددة على الأراضي اللبنانية، حيث ما زعمت أنه أهداف عسكرية تتبع لحزب الله، كما شملت هذه الغارات عمليات اغتيال لعدد من قادة الحزب، معظمهم قُتلوا في قصف استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت.
من جانبها؛ لم تبقَ إيران مكتوفة الأيدي بينما إسرائيل تفجر هنا وتغتال هناك وتطال يدها حتى وصلت إلى إيران؛ فخلال عام واحد فقط، خاضت تل أبيب سلسلة عمليات اغتيالية طالت شخصيات وقيادات إيرانية ولبنانية وقيادات من حماس.
1 أبريل 2024 يعد تاريخ بدء الصراع والصدام المباشر بين كل من إسرائيل وإيران، حيث شنت طائرة مسيرة هجومًا على القنصلية الإيرانية مما أسفر عن مقتل القيادي محمد رضا زاهدي. وردت إيران بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة على أهداف في الأراضي المحتلة، مع التنسيق مع الولايات المتحدة.
وعقبها في 19 مايو 2024، وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته في حادث سقوط طائرة، مما أدى إلى توجيه أصابع الاتهام نحو إسرائيل.
في 30 يوليو 2024، اغتالت إسرائيل القيادي العسكري لحزب الله فؤاد شكر، وفي 31 يوليو، استهدفت إسماعيل هنية في إيران.
في 18 سبتمبر، نفذت إسرائيل عملية ضد حزب الله تسببت في غموض حول طبيعتها بتفجير أجهزة “البيجر”،
تلتها غارات مكثفة على لبنان في 19 سبتمبر، مما زاد من التوترات في المنطقة.
يوم الجمعة 27 سبتمبر/أيلول، بينما كان نتنياهو يعتلي منصة الأمم المتحدة ليخطب أمام العالم ويوجه تهديداته لدول في منطقة الشرق الأوسط متعهدًا بمواصلة القتال حتى تحقيق ‘النصر الكامل’، كان الجيش الإسرائيلي يغير بغارات جوية على الضاحية الجنوبية في بيروت.
في البداية، كانت هناك تضارب بخصوص نجاح الاغتيال من عدمه، حتى أكد الجيش الإسرائيلي بتاريخ 28 سبتمبر 2024 نجاح الاغتيال، ثم صدر بيانٌ من حزب الله نعى فيه أمينه العام، وتعهَّد بمواصلة ضرباته على إسرائيل ودعمه للمقاومة الفلسطينية، أدَّت تلك الغارات إلى سقوط 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 91 شخصًا. ذكر جيش الاحتلال أنه نجح أيضًا في اغتيال علي الكركي وهو قائد الجبهة الجنوبية لتنظيم حزب الله اللبناني، و نائب فيلق القدس العميد عباس نیلفروشان.
في الأول من أكتوبر الحالي أطلقت إيران حوالي 180 صاروخا باليستيا باتجاه إسرائيل. وهذا من شأنه أن يجعل الهجوم أكبر قليلا من هجوم إبريل/نيسان، الذي شهد إطلاق نحو 110 صواريخ باليستية و30 صاروخا من طراز كروز باتجاه إسرائيل.
ووصفت طهران هجومها، بأنه انتقام لقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران واغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله في غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية.
خلاصة القول: يبقى مشهد غزة “مأساويا”
بعد عام من “طوفان الأقصى”، يبقى مشهد غزة مأساوياً، حيث يعاني سكانها من آثار الحرب المدمرة في حين تمثل هذه الحرب تحولًا في مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مُعززةً مشاعر الفقد والألم في النفوس.
فهذه الأرقام تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتدخل الدولي لوقف العدوان على غزة من أجل تحقيق الأمل في مستقبل أفضل لشعب عانى طويلاً من الحروب والظلم، فالأسئلة تظل قائمة، بينما يبقى الألم حقيقيًا.