* تطوير المناهج هو “عملية جوهرية” تستند إلى فلسفة المجتمع وتوجهاته؛ لذا تطوير المناهج التعليمية يجب أن يكون مدروساً بعناية ويعتمد على فهم عميق لاحتياجات المجتمع وظروفه
* التعليم لا يمكن أن يكون منفصلاً عن الواقع المحيط، بل يجب أن يتفاعل مع التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لضمان تقديم تعليم فعال يساهم في بناء جيل قادر على مواجهة التحديات.
* فلسفة التربية والتعليم في أي مجتمع تنبع من ثقافته، والتي تشمل العادات والتقاليد، الدين، والقيم، بالإضافة إلى متطلبات العصر
* التعليم في الأردن يهدف إلى إعداد هذا المواطن الصالح من خلال المرور بمراحل تعليمية متعددة تبدأ من المرحلة الأساسية وحتى المرحلة الثانوية
* الفن ليس مرفوضاً بشكل عام، لكن يجب أن يكون له أهداف تربوية واضحة؛ إذا كان الفن مجرد ترفيه من دون أهداف تربوية، فنحن هنا نبتعد عن الهدف الحقيقي للعملية التعليمية
نخبة بوست – شذى العودات
في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، بات تطوير المناهج التعليمية ضرورة ملحة لمواكبة هذه التغيرات؛ وفي الأردن، أثارت التعديلات الجديدة على المناهج التعليمية جدلاً واسعاً بين المعلمين والخبراء وأولياء الأمور، حيث انقسمت الآراء بين مؤيد لضرورة التحديث، ومعارض لبعض التغييرات التي قد لا تتوافق مع الهوية الثقافية والتربوية للمجتمع الأردني.
ومن هذا المنطلق، قدمت الخبيرة التربوية د. أدب السعود، في تصريح خاص لـ”نخبة بوست”، رؤيتها النقدية حول هذه التعديلات، مؤكدة على ضرورة أن يكون التطوير قائماً على فلسفة المجتمع وقيمه الأساسية، مع ضرورة الانفتاح على التجارب العالمية بما يتناسب مع الواقع المحلي.
نحن في صراع ثقافي مستمر، والتعليم هو سلاحنا الرئيسي في هذا الصراع
فلسفة المجتمع كأساس لتطوير المناهج
بدأت السعود حديثها بالتأكيد على أن تطوير المناهج هو “عملية جوهرية” تستند إلى فلسفة المجتمع وتوجهاته؛ فهي ترى أن أي تطوير للمناهج التعليمية يجب أن يكون مدروساً بعناية ويعتمد على فهم عميق لاحتياجات المجتمع وظروفه الاقتصادية والسياسية.
التطوير ليس عملية ثابتة بل هو عملية تتغير مع تغير حاجات المجتمع؛ وهو ما يعكس الفهم الديناميكي لدور التعليم في تحسين وتطوير المجتمع
الخبيرة التربوية د. أدب السعود
وأشارت السعود إلى أن فلسفة التربية والتعليم في أي مجتمع تنبع من ثقافته، والتي تشمل العادات والتقاليد، الدين، والقيم، بالإضافة إلى متطلبات العصر؛وأكدت أن عملية التطوير يجب أن تنطلق من هذه الأسس، مشيرة إلى أن “عندما يتم اتخاذ قرار تطوير المنهاج، يجب أن يكون هذا القرار متوافقاً مع فلسفة المجتمع التي تنبع من ثقافته وتاريخه.”

وتوضح هذه الرؤية أن التغيير في المناهج ليس فقط عملية تحديث للمعلومات بل هو إعادة تقييم لمجمل النظام التعليمي بناءً على احتياجات وظروف المجتمع الحالي؛ فالتعليم لا يمكن أن يكون منفصلاً عن الواقع المحيط، بل يجب أن يتفاعل مع التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لضمان تقديم تعليم فعال يساهم في بناء جيل قادر على مواجهة التحديات.
الفرق بين التطوير والتغيير: الحاجة إلى تطوير مستمر
إن أحد أبرز المحاور التي تناولتها السعود في حديثها هو الفرق بين التطوير والتغيير؛ فهي ترى أن المجتمع دائماً بحاجة إلى التطوير المستمر للمناهج بما يتناسب مع احتياجاته وتحدياته، إلا أن التطوير يجب أن يكون قائماً على أسس علمية ومنطقية.
نحن بحاجة إلى تطوير دائم، لكن إذا كان التطوير لا يعدو كونه تغييرا لأسباب معينة أو ضغوطات، فهذا ليس تطويراً حقيقياً
الخبيرة التربوية د. أدب السعود
وتشير هذه النقطة إلى أهمية أن تكون عملية التطوير مدروسة ومبنية على أسس تربوية وفلسفية تتماشى مع المجتمع وليس استجابة لضغوط خارجية أو توجيهات غير مرتبطة بالواقع المحلي.
وأكدت أن التغييرات التي لا تنبع من احتياجات المجتمع ولا تهدف إلى حل مشكلاته الحقيقية ليست تطويراً بل قد تكون تغييراً غير مبرر.
وأضافت أن هناك “إطاراً ثابتاً” للتطوير يجب ألا يتم تجاوزه؛ وأوضحت أن التطوير يجب أن يكون منسجماً مع فلسفة المجتمع وقيمه وثوابته، وهو ما يضع حداً للتغييرات التي قد تؤدي إلى تشويه الهوية الثقافية أو الدينية للمجتمع.
العملية التعليمية تهدف إلى إعداد المواطن الصالح
وركزت السعود في حديثها على الهدف الأساسي للعملية التعليمية في أي مجتمع، وهو إعداد “المواطن الصالح”. وأوضحت أن هذا المواطن ليس فقط الشخص الذي يتمتع بالمعرفة العلمية، بل هو الفرد الذي يمتلك القيم الوطنية والأخلاقية، ولديه القدرة على التعامل مع تحديات المجتمع والمساهمة في حل مشكلاته.
التعليم ليس فقط لتقديم المعلومات، بل لتشكيل شخصية الإنسان القادرة على حل مشكلات الأمة
الخبيرة التربوية د. أدب السعود
وأشارت إلى أن التعليم في الأردن يهدف إلى إعداد هذا المواطن الصالح من خلال المرور بمراحل تعليمية متعددة تبدأ من المرحلة الأساسية وحتى المرحلة الثانوية.
وأكدت أن الهدف من هذه المراحل هو تمكين الطالب من اكتساب مجموعة من المهارات والمعارف التي تعزز قدراته على التفكير النقدي وحل المشكلات.
ونوهت إلى أن “التربية الوطنية” يجب أن تكون جزءاً أساسياً من المناهج التعليمية، حيث يتعلم الطلاب من خلالها قيم المواطنة والانتماء الوطني.

التعليم يجب أن يسهم في تشكيل المواطن الصالح الذي ينتمي لوطنه ويمتلك القدرة على حل مشكلاته
الخبيرة التربوية د. أدب السعود
وهذا الهدف يتطلب من المناهج أن تكون قادرة على توفير الخبرات التعليمية التي تعزز من قدرة الطالب على التفكير النقدي والتحليل وحل المشكلات.
وبهذا الصدد أكملت أنه يجب أن نعيد النظر في المناهج الحالية، ونسأل أنفسنا: هل هي قادرة على إعداد هذا المواطن الصالح؟.
الفنون والثقافة في المناهج التعليمية: هل هي أولوية الآن؟
إن أحد الجوانب التي أثارت الجدل في التعديلات الجديدة هو إدخال المزيد من المواد الفنية والموسيقية إلى المناهج التعليمية.

وبينما يرى البعض أن هذا التطوير ضروري لتعزيز الإبداع والتفكير الفني لدى الطلاب، كان هناك اعتراضات من فئات واسعة من المجتمع، حيث رأى البعض أن التركيز على هذه المواد في الوقت الراهن قد يكون غير مناسب، خاصة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
وبالرغم من ان السعود لم تكن معارضة تماماً لتدريس الفنون، لكنها أكدت على ضرورة أن يكون هذا التعليم موجهًا نحو تحقيق أهداف تربوية واضحة.
الفن ليس مرفوضاً بشكل عام، لكن يجب أن يكون له أهداف تربوية واضحة… هل نحن بحاجة إلى فنون تعزز الانتماء الوطني والثقافة؟ نعم، لكن يجب أن يكون هذا الفن هادفاً
الخبيرة التربوية د. أدب السعود
وأوضحت أن الفن يمكن أن يشمل العديد من الأشكال مثل الشعر والخطابة والنثر، وأشارت إلى أن “الفن في التاريخ الإسلامي لعب دوراً مهماً في ترسيخ القيم الوطنية والثقافية”.
ولكنها حذرت من أن التركيز على الفنون بطريقة غير مدروسة قد يبتعد عن الأهداف التربوية الحقيقية.
إذا كان الفن مجرد ترفيه من دون أهداف تربوية، فنحن هنا نبتعد عن الهدف الحقيقي للعملية التعليمية
الخبيرة التربوية د. أدب السعود
وأشارت إلى أن الظروف التي تمر بها الأمة حالياً تتطلب التركيز على المواد التي تعزز الانتماء الوطني وتساهم في حل المشكلات السياسية والاقتصادية؛ وقالت: “نحن نمر بمرحلة عصيبة… يجب أن تكون أولوياتنا في التعليم متناسبة مع هذه المرحلة.”
المناهج الجديدة بين التأصيل الثقافي والانفتاح على الآخر
وفي هذا السياق، ناقشت السعود في حديثها موضوع الانفتاح على التجارب الأجنبية في مجال التعليم وكيفية التعامل معها.

وبينما أكدت على أهمية الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة؛ شددت على ضرورة أن يتم هذا الانفتاح بحذر ووفقاً لاحتياجات المجتمع المحلي.
نحن لا نرفض الانفتاح على الآخر، لكن يجب أن نكيف هذه التجارب لتتناسب مع ثقافتنا وواقعنا
الخبيرة التربوية د. أدب السعود
وتابعت إلى أن هناك تجارب تعليمية عالمية قد تكون ناجحة في بيئات معينة لكنها قد لا تتناسب مع البيئة الثقافية والاجتماعية في الأردن.
ونوهت على أهمية أن تكون عملية تطوير المناهج منطلقة من احتياجات المجتمع وليس استنساخاً لتجارب الآخرين دون مراعاة الفروقات الثقافية.
نحن مجتمع له خصوصيته وثقافته، ولا يمكننا أن نتبنى تجارب الآخرين بشكل كامل دون تعديلها لتتناسب مع واقعنا
الخبيرة التربوية د. أدب السعود
وفسرت إلى أن “التعليم ليس مجرد نقل للمعرفة بل هو عملية تشكيل للهوية الثقافية والوطنية.” ودعت إلى ضرورة أن تكون المناهج الجديدة قادرة على تعزيز الانتماء الوطني والهوية الثقافية للأردن.
الفجوة بين التعليم وسوق العمل: تحديات ومقترحات
وفي هذا الجانب، تطرقت السعود إلى مشكلة الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، مشيرة إلى أن هذه الفجوة تمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه النظام التعليمي في الأردن.
وأوضحت أن هناك الكثير من الأبحاث والدراسات التي تُجرى في الجامعات الأردنية لكنها تبقى حبيسة الأدراج ولا يتم الاستفادة منها على أرض الواقع.

وأكدت على أهمية ربط المناهج الدراسية باحتياجات السوق من خلال توفير التدريب العملي والتطبيقي للطلاب أثناء فترة دراستهم.
نحن بحاجة إلى مناهج تركز على الجانب العملي وتمنح الطلاب الفرصة لاكتساب المهارات اللازمة للعمل
الخبيرة التربوية د. أدب السعود
وأضافت أن الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجات السوق تؤدي إلى تخريج طلاب غير مؤهلين للعمل بشكل مباشر، مما يخلق تحديات كبيرة أمام الشركات وأصحاب العمل.
التعليم الفني.. تعزيز الذوق العام أم ترفيه غير هادف؟
و استكمالاً لنفس السياق ، وفيما يخص الجدل القائم حول المناهج الجديدة التي تركز بشكل أكبر على الفنون والموسيقى، أشارت السعود إلى أن الفن يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتعزيز الذوق العام والانتماء الوطني، لكنه يجب أن يكون هادفاً ويحقق غايات تربوية.
الفن يمكن أن يكون أداة لتعزيز القيم الوطنية والثقافية، وليس مجرد وسيلة للترفيه
الخبيرة التربوية د. أدب السعود
وأكدت أن الفنون يجب أن تكون جزءاً من العملية التعليمية، لكن يجب أن تكون موجهة نحو تحقيق أهداف تربوية واضحة ترتبط بالواقع الثقافي والاجتماعي؛ في قولها: “نحن بحاجة إلى فن يعزز الهوية الوطنية والقيم الثقافية.”

إعداد المعلمين: المفتاح الأساسي لإنجاح عملية التطوير
وفي هذا الجانب، أكدت السعود على أن نجاح أي عملية تطوير للمناهج يعتمد بشكل كبير على كفاءة المعلمين وقدرتهم على تطبيق هذه المناهج.
المعلم هو الركيزة الأساسية في العملية التعليمية والمعلمين يجب أن يكونوا مؤهلين تأهيلاً كاملاً وقادرين على تطبيق المناهج الجديدة بطريقة فعالة
الخبيرة التربوية د. أدب السعود
وأضافت أن هناك حاجة لتطوير برامج إعداد المعلمين في الجامعات والكليات لتزويدهم بالمهارات اللازمة للتعامل مع الطلاب بشكل فعال؛ بحيث أن المعلم الجيد هو الذي يمتلك القدرة على إيصال المعرفة بطريقة فعالة ويساهم في تشكيل شخصية الطالب.
الخاتمة: مسار حتمي لتطوير المناهج دون التفريط بالهوية والثوابت
ختاماً، إن تطوير المناهج التعليمية في الأردن هو خطوة هامة نحو تحسين جودة التعليم، لكن هذا التطوير لا يمكن أن ينجح ما لم يكن منسجماً مع هوية المجتمع واحتياجاته.
وكما أوضحت السعود، فإن التعديلات على المناهج يجب أن تكون مدروسة بعناية، تعتمد على فلسفة تربوية واضحة تعزز من الانتماء الوطني وتساهم في حل مشكلات المجتمع؛ فمن الضروري أن تكون العملية التعليمية شاملة، تشمل تطوير المعلمين والبيئة التعليمية، مع التركيز على إعداد جيل قادر على مواجهة تحديات العصر.
في النهاية، يبقى الحوار المفتوح بين جميع الأطراف المعنية السبيل الأمثل لضمان أن تأتي هذه التعديلات بما يخدم الأجيال القادمة ويحقق تطلعات المجتمع.