نخبة بوست – كتب : حسين الرواشدة
أسوأ ما يمكن أن تقدمه لمن تحبه أن تغشه وتخدعه، أو أن تزين له الصورة وتهوّن أمامه من قيمة الحدث، أنت -حينئذ – لا تحبه على الحقيقة وإنما تحب نفسك، وتبحث عن مصلحتك، وتنحاز إلى أنانيتك، وتمارس دور «شاهد الزور». الأردنيون لا يفعلون ذلك أبدا.
أرجو أن لا تأخذنا أصوات وصرخات هؤلاء الحمقى الذين يسيؤون الى بلدنا ورموزنا لمزيد من العبث والارتباك، او الفزع والتيئيس، او الانقسام والصدام، يكفي أن نكشفهم ونقول لهم : أنتم لا تمثلون الا أنفسكم المجروحة بالعقد والأمراض النفسية، أما مجتمعنا بكافة مكوناته فما زال يتمتع بالعافية والسماحة، والمحبة والاتزان.
أريد أن أصارح الذين أخذتهم شهوة الفوز بالمقاعد، أو الذين اختزلوا البلد في ذواتهم ومصالحهم والقريبين منهم، والآخرين الذين تمددت جذورهم إلى خارج حدودنا، واستوردوا بضائعهم من هناك : هذا الوطن لنا، نحن الأردنيين جميعا، المعلمين والفلاحين والعمال والعسكر، بنيناه وضحينا من أجله، وأنتم، في غفلة منا، قطفتم الثمرة فلا تستأثروا بها، اتركوا لنا أحلامنا بالحرية والكرامة، دعونا نعتز بهويتنا الأردنية، ونحب بلدنا على طريقتنا، دعونا نحميه دون أن تتهمونا بالخروج من «الملة» القومية والدينية التي تريدون اختطافها، املأوا جيوبكم مثلما تشاؤون، لكن حذار أن تتعاملوا معنا بمنطق الاستعلاء والاستهبال، فنحن، الأردنيين، أذكى مما تتصورون، وأقدر على الدفاع عن بلدنا وأنفسنا مما تتوقعون.
مشكلتنا ليست في مجتمعنا، هذا الذي يسجل كل مرة أفضل ما يمكن ان نتوقعه من صور التماسك والتوافق والانسجام، ويفرز كل يوم أجمل ما فينا من قيم الأخوة والنخوة والصبر، ولكن مشكلتنا في بعض النخب التي استقالت من فطرتها السليمة، وانساقت الى العبث بنواميسنا الوطنية، واستسلمت لصراعاتها وانحازت لمصالحها، واختارت أن تنام في «المقبرة» : تنبش رفات الأموات وتصدمنا بكوابيسها لتغتال أحلامنا، الواحد تلو الآخر.
الأردنيون كلهم: فلاحون ومعلمون، عمال وجنود، تجار ومهنيون وطلاب، فتحوا شرايينهم لكي ترتوي «شجرة» الوطن وتظل دائما باسقة، عضّوا على فقرهم وجوعهم وتعبهم لكي يبقى الأردن سيدا عزيزا، تحملوا فساد الفاسدين، ونهم الذين لا يملأ أعينهم إلا التراب، وهتافات الشامتين في الشوارع والمشككين على المنصات، ليظل بلدهم واقفا، ودولتهم قوية، وأمنهم صامدا أمام جحافل الشطار والعيارين.
هذا ليس مديحا للأردن، «الظل العالي»، وان كان يستحق أكثر من ذلك، ولكنه للتذكير بما فعله بعضنا بحق الوطن، وبما نحن مدينون به للوطن، في الشق الأول لا بد ان نتصارح اليوم – كأردنيين- بأن خلافاتنا السياسية أعمت بعضنا عن مشتركاتنا الوطنية، وبأن انتماءنا لبلدنا أصبح للأسف يقاس على «مساطر» جديدة لم نألفها، حتى كدنا نصدق بأن المداهنة هي أقرب طريق الى قلب الوطن، وان الفهلوة والشطارة أجدى وسيلة لخدمة عتباته الشريفة.
أما في الشق الثاني فلا بد أن نتصارح، أيضا، هذا البلد الذي بنيناه جميعا هو ملكنا جميعا، وخيمتنا التي أظلت الأحرار من كل مكان حين ضاقت بهم بلدانهم، وبالتالي فإن قوته من قوتنا، وعزمنا من عزمه، وإذا جاز لنا أن نختلف على أي شيء فيه فلا بجوز لنا ان نختلف عليه، أو أن نتركه لبعض الذين يرونه مجرد «حقيبة» سفر، أو محطة رحلة، أو تمثال بعين سائح معجب لا يهمه منه سوى التقاط صورة للذكرى.