نخبة بوست – بعد أن صدرت الإرادة الملكية السامية بإرجاء اجتماع مجلس الأمة في دورته العادية الأولى حتى تاريخ 18/11/2024، سيكون أمام النواب الجدد فرصة كافية لترتيب بيتهم الداخلي والتحضير للاستحقاقات الدستورية القادمة المتمثلة بانتخاب رئيس المجلس وأعضاء مكتبه الدائم، بالإضافة إلى تشكيل الكتل النيابية التي يعوّل عليها الكثير من المراقبين والمتابعيين لكي تكون الأساس في العمل التشريعي والرقابي.
ويبقى التساؤل الأبرز حول كيفية الاستفادة من هذه “الاستراحة” النيابية التي يقضيها أعضاء مجلس النواب منذ تشكيلهم في منتصف الشهر الحالي حتى موعد الدورة البرلمانية القادمة، حيث يجب التفكير مليا في استغلال أوقات فراغهم الحالية لتنفيذ التزامات نيابية على درجة عالية من الأهمية، تتمثل بعقد دورات تدريبية لأعضاء مجلس النواب العشرين.
إن اخضاع النواب الجدد لدورات تدريبية وتأهيلية لا يُعد من قبيل الترف النيابي، بل هو استحقاق تشريعي تم النص عليه صراحة في مدونة السلوك النيابية لأعضاء مجلس النواب التي جرى إقرارها في عام 2023، التي تنص في المادة (10) منها على أن “يخضع العضو الجديد لبرنامج تدريبي يتضمن معرفة التشريعات الأساسية الناظمة للعمل النيابي والنظام الداخلي للمجلس والأعراف البرلمانية المستقرة في الأداء البرلماني الناجح قبل مباشرة العمل البرلماني”.
إن هذا الحكم التشريعي في مدونة السلوك التي أقرها أعضاء مجلس النواب التاسع عشر والتي تسري في مواجهة الأعضاء الجدد، يلزم الأمانة العامة لمجلس النواب بالبدء في عقد دورات تدريبية وتأهيلية للنواب الجدد الذين تم انتخابهم لأول مرة أعضاء في المجلس النيابي، والبالغ عددهم (86) نائبا جديدا. فهؤلاء الممثلون الجدد الذين فازوا عن الدوائر المحلية والدائرة الانتخابية العامة يفتقر معظمهم لأبسط المعلومات الأساسية المتعلقة بآليات العمل النيابي والتشريعات الناظمة لعمل مجلس النواب كما وردت في الدستور الأردني والنظام الداخلي لمجلس النواب ومدونة السلوك النيابية.
إن محور هذه الدورات التدريبية يجب أن يشتمل على توضيح المقصود بالتمثيل النيابي في السلطة التشريعية ونطاقه، وطبيعة المسؤوليات الدستورية الملقاة على عاتق النائب المنتخب في مجال التشريع والرقابة على الحكومة بصورها المختلفة من سؤال واستجواب وطرح ثقة.
كما يجب تثقيف النواب الجدد بأبرز القواعد الدستورية الناظمة لتركيبة المجلس النيابي وعلاقته بمجلس الأعيان المعين، بالإضافة إلى تعريفهم بالأحكام الإجرائية التي تتعلق بسير العمل أثناء جلسات المجلس كما وردت في النظام الداخلي لمجلس النواب.
ومن الموضوعات الجوهرية الأخرى التي يجب توضيحها لعضو مجلس النواب المستجد مفهوم الحصانة النيابية بصورتيها الاثنتين؛ حرية الكلام والنقاش أثناء جلسات المجلس، وعدم جواز توقيف النائب أو ملاحقته أثناء اجتماعات المجلس ما لم يصدر القرار بالإذن بملاحقة العضو جنائيا، إلى جانب التأكيد على أهمية التزام النواب الجدد بنصوص قانون الكسب غير المشروع وتقديم نماذج إشهار الذمة المالية ضمن المدد الزمنية المحددة قانونيا.
وإلى جانب الدورات التدريبية التي يُفترض أن يخضع لها الأعضاء الجدد داخل مجلس النواب، فإن هناك التزام على الأحزاب السياسية بأن تنظم دورات ولقاءات تعريفية لنوابها الجدد، وذلك لكي تسهم في تأهيلهم وإعدادهم للعمل النيابي. فالنتائج النهائية للانتخابات الأخيرة تشير إلى أن هناك (104) من أعضاء مجلس النواب العشرين لهم انتماءات حزبية؛ يجب أن يتم تدريبهم على ممارسة أعمال التشريع والرقابة من منظور القواعد الناظمة لهذه المهام في التشريعات البرلمانية ذات الصلة، بالإضافة إلى الأحكام الداخلية الناظمة لتأسيس الحزب السياسي وأهدافه وبرامجه التي يسعى إلى تحقيقها.
إن هذه الدورات التدريبية يجب ألا يتقتصر حضورها فقط على النواب الجدد، بل يجب أن تشمل النواب القدامى الذين جرى إعادة انتخابهم من المجلس الجديد والبالغ عددهم (52) نائبا، حيث تتحقق الفائدة المرجوة من عقد هذه اللقاءات التعريفية بالنسبة لهم، خاصة في ظل حداثة التشريعات الداخلية التي تحكم عمل المجلس وسلوك أعضائه. فالدستور الأردني قد جرى تعديله في عام 2022 وتضمينه نصوصا مستحدثة تتعلق بتطوير آليات العمل النيابي، مرورا بالنظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2013 الذي خضع لسلسلة من التعديلات الجوهرية على نصوصه وأحكامه كان آخرها في منتصف عام 2023. كما صدر في العام ذاته مدونة سلوك نيابية تتضمن أحكاما مستحدثة عن تلك التي كانت في المدونة السابقة لعام 2015.
إن جمع أعضاء مجلس النواب العشرين، الجدد والقدامى معا، في دورات تدريبية مشتركة سيسهم في زيادة التعارف بينهم، وسيعمل على تمكين النواب الذين تم إعادة انتخابهم من تقديم يد العون والمساعدة لزملائهم الجدد في المجلس النيابي، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق ما لم يتقرر إلزامية هذه الدورات ووجوب حضورها من جميع أعضاء مجلس النواب العشرين.