نخبة بوست – بقلم: محمد أبو رمان، حسن جابر
برزت الحرب على غزة كنقطة محورية للسياسة الإقليمية والدولية، وبتأثيرات مباشرة على الأمن الوطني الأردني. ونظرًا لموقع الأردن الجيوسياسي ودوره التاريخي والسياسي في القضية الفلسطينية؛ فإن التطورات الراهنة تكتسب أهمية خاصة للأردن. حيث تثير الحرب المستمرة قضايا بالغة الحساسية، بما فيها من تدهور للمشهد الأمني في الضفة الغربية، وتنامي حدة سياسات اليمين المتطرف في إسرائيل، والمخاطر الإقليمية الأوسع الناجمة عن التصعيد الإسرائيلي في جنوب لبنان.
وفي هذا السياق، ظهر تياران رئيسيان داخل الأوساط السياسية الأردنية؛ الكتلة المحافظة، المكونة -إلى حد كبير- من النخب الأكبر سنًا، والتي تدعو لتخفيف حدة الموقف الأردني. بينما يشدد موقف أكثر ثباتًا، يُمثله وزير الخارجية أيمن الصفدي؛ على الصلة التي لا تنفصم بين الأمن الأردني واستقرار الضفة الغربية، وحيث عزز تطور الأحداث منذ السابع من أكتوبر 2023؛ من بروز الطرح الأخير، وتحققت استحالة فصل الأمن القومي الأردني عن التطورات الجارية في فلسطين.
فعلى سبيل المثال، عادت مسألة التهجير القسري للفلسطينيين إلى الظهور بقوة خلال العام الماضي، مما يثير مخاوف بشأن احتمال تدفق اللاجئين الفلسطينيين نحو الأردن. وفي هذا الصدد؛ يُصنف الأردن صراحة أن أي عملية تهجير تقوم بها إسرائيل للفلسطينيين من الضفة الغربية، من شأنها أن تعتبر تجاوزًا للخطوط الحمراء، وأن الأردن سيعتبرها “إعلان حرب عليه”. وعلى الرغم من ذلك، يتبنى القادة الإسرائيليون مثل وزير المالية (بتسلئيل سموتريتش) علانية مواقف تحريضية، بما في ذلك فكرة “إسرائيل الكبرى” التي تشمل الأردن. وهو ما يُشكل تهديدًا وجوديًا للأردن.
بذلك؛ تدفع المواقف الاستفزازية المتزايدة من الحكومة الإسرائيلية الأردن على اتخاذ مواقف أكثر حزمًا في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، لا سيما تلك المتعلقة بالقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية. حيث تعتبر الوصاية الأردنية على هذه المقدسات عنصرًا أساسيًا في هويته السياسية والدينية، كما أن أي تهديد متصور لهذه الأماكن المقدسة؛ يُمكن أن يزيد من حدة التوتر في العلاقة بإسرائيل.
إلى جانب الوضع في فلسطين، تُشكل الأزمات الإقليمية الأخرى؛ مثل ارتفاع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وحالة عدم الاستقرار المستمرة في سوريا؛ تحدياتٍ خطيرة للأردن. وللحفاظ على الاستقرار، ينبغي على الأردن أن يوجه بعناية علاقاته مع الجهات الدولية الفاعلة الرئيسية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والذين يواصلون دعم الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، بينما يُديرون ديناميكيات إقليمية معقدة. ومع ذلك، ما تزال العلاقات مع القوى الإقليمية مثل إيران محفوفة بالتوتر، بالنظر إلى وجهة نظر طهران للأردن كحليف غربي، وليست خيارات قابلة للتطبيق لاعتبارات عمَّان الاستراتيجية.
وبمرور عام على الحرب الإسرائيلية على غزة، يواجه الأردن مجموعة معقدة من المعضلات السياسية والأمنية. فمع غياب أفق للحل السلمي للقضية الفلسطينية، ومع تصاعد حدة التوترات الإقليمية المحيطة، تبقى الخيارات الأردنية محدودة بدرجة كبيرة. حيث يتطلب الوضع الحالي استراتيجيات دقيقة للموازنة ما بين تدعيم الاستقرار المحلي، مع الاستمرار في دعم الحقوق الفلسطينية. كما ينبغي على الأردن أن يستمر بتعزيز مكانته الإقليمية والدولية، بالاستمرار بالسعي في ترميم العمق الاستراتيجي في الدول العربية، لمواجهة التحديات المستقبلية وحماية أمنه الوطني.