نخبة بوست – كان ذلك قبل نحو عشرين عاماً، حين اتّصل بي الحبيب فخري قعوار، وطلب منّي صورتين: واحدة لوالدي الراحل وأخرى لي، فسألته عن السبب ليجيب بأنّه سيصدر كتاباً سيحمل عنوان:”الراحلون”، ولمّا أجبته: ولماذا أنا يا أبا أنيس فلم أرحل بعد؟أجاب بسرعة: ستعرف السبب في الكتاب.
صدر الكتاب بعدها بنحو سنة، وبعثه لي مع إهداء حميم، فأخذت فوراً بتقليبه بحثاً عن صورتي، بين صور العشرات من الراحلين، لأجدها ضمن الحديث عن والدي، ويكتب تحتها: ويبدو أنّ الراحل سكجها رفض الرحيل لأنّه ترك لنا إبنه باسم محافظاً على قلمه ورسالته.
ويأتينا قبل قليل خبر رحيل الحبيب فخري، وحتى لو كان غاب عنّا كثيراً من السنوات لسبب المرض اللعين، وكانت إمكانية الشفاء مستحيلة، فالدمعة سالت على الخدّ، فهو الصديق والزميل العزيز وصاحب واحد من أجمل الأقلام في تاريخ الأردن.
كان مكتبه في “الرأي” صغيراً، ويقابل مكتبي الأصغر، ويأتي في آخر النهار ليحمل قلمه فيكتب زاويته اليومية الأثيرة “شيئ ما” وينتظر مع فنجان قهوة انتهاء “صفّه”، وحين تأتيه النسخة الأولى من المقالة يقوم بتصحيحها، ثمّ يتجوّل بين الزملاء الذي احتفظوا له بكلّ الحبّ.
أصدر فخري عشرات الكتب، ونشر عشرات آلاف المقالات، ويُسجّل له أنّه من المؤسسين الحقيقيين للقصّة الأردنية القصيرة المحترفة، وأيضاً فزاويته اليومية كانت من الأكثر انتشاراً بدليل رسائل القراء.
تعمّد والدي أن يكتب فخري مقدمة كتابه:”صور مبتداها في يافا”، فكتب نصّاً هو الأجمل عن صاحب الكتاب، وعنونه: “صور منتهاها في عمّان”، لم يكن ذلك غريباً، فالرجلان عرفا بعضهما البعض الآخر من القُدس حين بدأ أبو أنيس مسيرته الكتابية في صحيفة “فلسطين”.
فخري حبيب، وزميل، وصديق، وإنسان محترم، وأكثر من ذلك كلّه فقد كان من أيقونات الكتابة الأردنية، والحديث عنه يطول، ولكنّه لن يكتمل قبل أن أذكر كونه من أهمّ نواب برلمان التسعة والثمانين الأهم في تاريخنا، ولن تنسى القُبة خطاباته ومواقفه، وللتذكير أقول إنّ شعاره الانتخابي كان: “من الصحافة إلى البرلمان”. رحمك الله يا حبيب، وللحديث بقية.