نخبة بوست – كتب : فادي السمردلي
إن الحديث عن الحزب باعتباره مؤسسة يقودها شخص واحد أو تتلخص في شخص الرئيس فقط هو انحراف خطير عن المفهوم الحقيقي للعمل الحزبي فالحزب ليس ملكية خاصة تُدار وفقًا لأهواء فرد أو تفضيلاته الشخصية بل هو كيان سياسي ينطلق من فكرة جماعية، حيث يتشارك أعضاؤه الأهداف والمبادئ، ويسعون سويًا لتحقيقها لأن هذا التمركز حول الرئيس يحول الحزب من منظومة تهدف لخدمة الوطن إلى مسرح يديره فرد يسعى للظهور المستمر، على حساب باقي الأعضاء وعلى حساب العمل المشترك.
المشكلة الأساسية تكمن في أن البعض من الرؤساء الحزبيين باتوا يعتبرون أنفسهم مرادفًا للحزب يظهرون في كل مناسبة، يتحدثون باسم الجميع، يفرضون آراءهم وكأنهم الوحيدون الذين يفهمون ويتحدثون باسم الحزب فهذه العقلية المدمرة لا تقصي فقط الكفاءات الموجودة داخل الحزب، بل تخلق جوًا من التملق والانتهازية حيث يتسابق الجميع لإرضاء هذا الشخص بدلاً من المساهمة بأفكارهم وآرائهم المستقلة. هذه ليست قيادة، بل هي استبداد مقنع.
عندما يسيطر الرئيس على كل جوانب المشهد، يُمنع الأعضاء الأكفاء من الظهور، وتُغلق الأبواب أمام أي إمكانية للنقد البنّاء أو التغيير الداخلي.
إن الحزب بهذه الحالة يتحول تدريجيًا إلى آلة تسويق شخصية للرئيس، ويُطرد منه التنوع والتعددية التي تعد أساس الديمقراطية الحزبية فهل يعقل أن يختزل كل حزب بشخص واحد أو عدد قليل من الأشخاص وكأن الآخرين لا قيمة لهم؟ هذا التفكير هو الذي يقود الأحزاب إلى الفشل والإفلاس السياسي.
أنتم، كأمناء عامين، تقع على عاتقكم مسؤولية كبيرة في تصحيح هذا المسار.فلا يمكنكم أن تظلوا شهودًا صامتين على هذا التوجه الخطير.
إن واجبكم هو العمل على تمكين كافة الأعضاء من الظهور والمشاركة، وعدم السماح بأن يتحول الحزب إلى مسرح لرئيس واحد يكرس لنفسه صورة القائد الأوحد فهذا التركيز الفردي ليس فقط دليلاً على ضعف الحزب، بل هو جريمة بحق الحياة الحزبية بأكملها.
الابتعاد عن العمل الجماعي، والظهور المتكرر للرئيس كأنه وحده يحمل الحزب على كتفيه، يخلق حالة من الركود الفكري والسياسي داخل الحزب.
من أين تأتي الأفكار الجديدة؟ ومن يصحح المسار عندما يخطئ الرئيس؟ إن هذا الاحتكار للأضواء يقطع الطريق أمام التجديد، ويحرم الحزب من الاستفادة من طاقات وإمكانات أعضائه المتعددة.
إن الحرس القديم الذي يستمر في تعزيز هذه العقلية يقتل روح الحزب ويقوض مستقبله.
إن ظهور الرئيس بشكل منفرد في كل مناسبة، وفي كل منصة، هو تصرف أناني يهدف إلى تمجيد الذات على حساب الكيان الذي من المفترض أن يخدمه. إذا كان الحزب سيظل رهن إشارة شخص واحد، فما الذي يميزكم عن النظم الدكتاتورية التي تحاربونها؟ إن تركيز السلطة والظهور في يد فرد واحد يقود الحزب إلى الجمود، ويخلق حالة من التملق والولاء الأعمى، ويخنق أي فرصة للتقدم والتطور.
لذلك، لا بد من إعادة النظر بشكل جدي في طريقة إدارة الأحزاب. إن وجود رئيس للحزب هو أمر ضروري، لكنه يجب أن يكون قائدًا حقيقيًا، لا مجرد زعيم صورة ويجب أن يشجع الآخرين على الظهور، لا أن يقمعهم في الظل. يجب أن يُعطى كل عضو الفرصة للمساهمة الفاعلة، دون خوف من تهميش أو إقصاء فالحزب هو للجميع، ولا يمكن أن يُختزل في شخص واحد مهما كانت قدراته أو مكانته.
إن استمرار هذا الوضع هو بمثابة قتل بطيء للحياة الحزبية، حيث تتحول الأحزاب إلى مؤسسات خاوية من المضمون، تدور في فلك رئيس واحد، ولا تقدم شيئًا حقيقيًا للجمهور أو للوطن فأنتم، بصفتكم أمناء عامين، لديكم القدرة والمسؤولية لإعادة الأمور إلى نصابها، ووقف هذا الانحراف الخطير فلا يمكن أن تظلوا متفرجين على هذا المشهد المخزي. حان الوقت للعمل على تحقيق التوازن الحقيقي داخل الأحزاب، وإفساح المجال للجميع للظهور والإسهام، وإعادة الهيبة للعمل الحزبي الجماعي.
الحزب ليس للرئيس وحده، وإذا استمررتم في دعمه بهذه الطريقة، فأنتم تدفعون بالأحزاب نحو الهاوية.
اصحوا قبل فوات الأوان..وليس المقصود شخص او حزب معين فهذا جرس انذار نتيجة ملاحظات منذ حوالي العشرين عام … فلنقتدي ونطبق رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني في رؤيته لمنظومة العمل والتحديث السياسي .