نخبة بوست – شذى العودات
في خضم الحياة الجامعية وما تحمله من تحديات وضغوط نفسية، قد يجد بعض الشباب أنفسهم في مواجهة مغريات تهدد مستقبلهم وتضعهم على حافة الهاوية. هذه هي قصة شاب جامعي، ذكي واجتماعي، لم يكن يدرك أن قراره بتجربة مخدر الكبتاجون سيتحول إلى كابوس يطارده لسنوات، يجره نحو الهاوية التي كادت أن تدمر حياته بالكامل.
البداية: الانزلاق نحو الهاوية
بدأت رحلة الشاب في سنته الثانية بالجامعة، حين كان يعيش أوج حياته الاجتماعية، مندمجًا في الأنشطة الجامعية ومليئًا بالطموح. في تلك الفترة، كان لديه صديق مقرب يتعاطى الكبتاجون لمساعدته في السهر والدراسة.
وكان الصديق يوصف الكبتاجون على أنه الحل السحري لكل طالب يسعى لتحقيق أعلى الدرجات دون جهد أو عناء. وبرغم أن الشاب كان على دراية بمخاطر المخدرات، إلا أن فضوله وحاجته لتحسين أدائه الدراسي دفعاه لتجربة المادة لأول مرة.
يروي الشاب ” لم أكن أتخيل أن تجربة بسيطة يمكن أن تقلب حياتي رأسًا على عقب. في البداية، بدا كل شيء مثاليًا: زادت قدرتي على التركيز، وارتفعت علاماتي، وشعرت بطاقة ونشاط غير مسبوقين. لكنه لم يكن يعلم أن هذه الطاقة الوهمية ستتحول لاحقًا إلى عبء ثقيل يحطم صحته النفسية والجسدية.
الانحدار.. من التسلية إلى الإدمان
ما بدأ كتجربة مؤقتة وسيلة للهروب من ضغوط الدراسة تحول بسرعة إلى عادة دائمة. لم يعد الشاب يستخدم الكبتاجون فقط خلال فترات الامتحانات، بل أصبح يلجأ إليه في جميع المناسبات الاجتماعية والأنشطة اليومية.
لكن تلك الثقة الزائفة سرعان ما تحولت إلى عزلة اجتماعية. بدأ الشاب يلاحظ أنه لم يعد قادرًا على التفاعل مع الآخرين أو الاستمتاع بحياته دون تعاطي المخدر. أصبحت حياته تدور حول كيفية الحصول على الكبتاجون، مهما كلفه الأمر.
محاولة الإقلاع.. صراع مع الذات
بعد فترة من الإدمان المستمر، أدرك الشاب أنه يعيش في دوامة لا تنتهي من الألم والعزلة. وحاول عدة مرات التوقف عن التعاطي، لكنه كان يواجه أعراض انسحاب جسدية ونفسية شديدة.
رغم هذه المحاولات الفاشلة، كان الشاب يدرك أن استمرار تعاطيه للكبتاجون سيؤدي في النهاية إلى تدمير حياته بالكامل.
القرار المصيري: قطيعة تامة
في لحظة من اللحظات الحاسمة، قرر الشاب أن يضع حدًا لمعاناته، واتخذ قرارًا جريئًا بالتوقف نهائيًا عن تعاطي الكبتاجون، دون رجعة. يقول: “كان ذلك القرار الأصعب في حياتي. قررت أن أقطع العلاقة مع هذه المادة المدمرة مهما كان الثمن. لجأت إلى البحث والتعلم عن كيفية التغلب على الإدمان، وأخذت زمام الأمور بيدي. بدأت بممارسة الرياضة مجددًا، واتبعت نظامًا صحيًا صارمًا، وركزت على تحسين نفسي جسديًا ونفسيًا.”
على مدار ثمانية أشهر طويلة، خاض الشاب رحلة شاقة للتعافي. ولم يكن الأمر سهلًا، فقد واجه العديد من التحديات النفسية والجسدية، لكن إصراره وعزيمته، إلى جانب دعم أصدقائه المقربين، كانوا العامل الحاسم في نجاحه.
التعافي.. استعادة الحياة والعودة للمسار الصحيح
اليوم، بعد مرور ما يقارب العام على انقطاعه التام عن الكبتاجون، يعود الشاب ليتحدث بكل فخر عن تجربته قائلاً: “أنا الآن شخص مختلف تمامًا، عدت إلى الحياة التي كنت أعيشها قبل الإدمان، وأصبحت قادرًا على التفاعل مع الآخرين بدون أي تأثير خارجي. لقد استعدت طاقتي الطبيعية وثقتي بنفسي، وأدركت أن الحياة الحقيقية تبدأ عندما تتحرر من قيود المخدرات.“
هذه القصة ليست مجرد اعترافات شخصية لشاب تمكن من التغلب على الإدمان، بل هي رسالة تحذير ودعوة لكل من يعتقد أن المخدرات قد تكون حلاً للهروب من ضغوط الحياة؛ فالإدمان ليس طريقًا للراحة أو النجاح، بل هو دوامة قاتلة تأخذ منك كل شيء.
أبو حمور: وسائل التواصل جعلت التعاطي يبدو وكأنه مرتبط بالمرح والسرور
وفي هذا الصدد أوضحت الأخصائية الإجتماعية ،د. شروق أبو حمور، تعليقاً على قصة الشاب، أن التكنولوجيا لعبت دورًا كبيرًا وفعّالًا في تغيير أنماط السلوكيات في حياتنا، مما جعل الحصول على المواد المخدرة أو السلع بشكل عام أسهل من السابق.
وتابعت أبو حمور أن تفكك الأسر والتفاوت الاقتصادي ساهم في زيادة مخاطر الإدمان، حيث غالبًا ما تبدأ التجربة “كمداعبة وتنتهي بالإدمان“، مؤكدة أن الشباب من الطبقات الفقيرة قد يتم استدراجهم بتقديم المخدرات مجانًا في البداية، ليصبحوا في النهاية فريسة لهذا الإدمان.
و فيما يخص استراتيجيات مكافحة المخدرات، لفتت أبو حمور النظر إلى أن هناك ثباتًا في معدلات الجرائم المرتبطة بالمخدرات خلال السنوات الأخيرة، ما يُظهر الحاجة إلى تبني استراتيجيات جديدة بعيدًا عن الأساليب التقليدية.
كما أضافت أبو حمور أن الفراغ، التفكك الأسري، واستغلال الشباب لبعضهم البعض، كانت عوامل رئيسية دفعت الشباب نحو تعاطي المخدرات.
وأكدت أن تأثير الشباب على بعضهم البعض كان قويًا جدًا، خاصةً في ظل طبيعتهم التي تميل إلى التجربة والتمرد والاندفاع.
وأوضحت بأن غياب التكامل بين الوالدين وتهميش دور أحدهما أدى إلى ظهور فجوة في الأسرة، مما زاد من مشكلات الشباب ودفعهم نحو التعاطي.
و أصرت أبو حمور على أن الحلول تكمن في التدخل المبكر قبل وقوع المشكلة، من خلال تكافل مؤسسات المجتمع المدني وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، مؤكدة على دور الأسرة في إعادة تأهيل المدمن بعد العلاج لمساعدته على العودة إلى الحياة الطبيعية.
دعوة للحياة ..
تجربة هذا الشاب مع الكبتاجون تلقي الضوء على حقيقة مريرة: المخدرات قد تمنحك نشوة مؤقتة، لكنها تدمر حياتك على المدى الطويل.
فالإدمان ليس فقط مشكلة جسدية، بل هو معركة نفسية وعاطفية تحتاج إلى شجاعة كبيرة وإصرار على التعافي. وهذه القصة تثبت أن الإرادة الحقيقية والدعم الاجتماعي يمكن أن يكونا مفتاح الخلاص من دائرة الإدمان المدمرة.
وفي النهاية ، إنها دعوة لكل شاب وشابة أن يتعلموا من هذه التجربة، وأن يدركوا أن الحياة بدون مخدرات هي الحياة الحقيقية التي تستحق أن تُعاش.