* خريطة الشرق الأوسط قد لا تتغير جغرافياً، لكنها سوف تتغير تاريخياً على نحو يمنح الجغرافيا معنى جديدا ومختلفاً
* المرجح أن إيران سوف تتقدم إيجابيا باتجاه الغرب لكنه تقدم لن يعود بها إلى الزمن الشاهنشاهي
* لا تملك إسرائيل رؤية سياسية لمستقبل غزة ولبنان، وليس لديها شركاء أو حلفاء أكفاء وموثوقين ويملكون مصداقية شعبية في فلسطين ولبنان
* يجب أن نفهم ونحدد أين نحن موجودون، وفي الأحداث والمناسبات إن لم تكن تأكل فأنت طعام؛ وإن لم تكن لاعباً فأنت ملعب
* يتوقع أن تستأنف مشاريع العلاقات الإسرائيلية الجديدة مع دول عربية، ويأخذ المستقبل اتجاهاً اقتصاديا محايداً، وقد يندمج الأردن ولبنان والسلطة الفلسطينية في المشروعات الاقتصادية
* سيناريو الازدهار الاقتصادي والسلام السياسي يكتسب منطقاً جديداً بعد التغيرات المتوقع حدوثها في إيران، وما يمكن أن تفكر فيه بعد مقتل الرئيس السابق رئيسي
* يبدو النصر العسكري الذي حققته إسرائيل مستقلاً عن المسار السياسي أو التسوية السياسية، بل لعله يزيد الأمر صعوبة بالنسبة لها
* لا أمل بوقف الحرب وتحقيق السلام أو الاستقرار إلا بالإسرائيليين أنفسهم؛ عندما يختارون تغيير هذه الحكومة والبحث عن نخب سياسية بديلة قادرة على إدارة برنامج سياسي معقول
نخبة بوست – كتب: إبراهيم الغرايبة
بعد عام على 7 تشرين أول يبدو الشرق الأوسط متجها إلى مزيد من الصراع والأزمات السياسية والاقتصادية. وربما يضاف 7 تشرين إلى محطات وأحداث تظل عالقة في التأريخ للأحداث، كأن يقال قبل 7 تشرين وبعد 7 تشرين، ممثل 11 أيلول و 5 حزيران.
إن بومة منيرفا بما هي الحكمة لا تحلق إلا في الغسق، أي بعد انقضاء الحدث، لكنا ملزمون بالتفكير والاستشراف والتقدير والمقارنة، فالسؤال لا ينتظر الغسق، والتفكير بما يجب عمله يلح علينا جميعا في كل موقع في الدولة والمجتمع، فالاعتقاد أننا لا نتأثر أو نؤثر بما يجري يعني بداهة أننا خارج ما يجري، أي خارج التاريخ والجغرافيا.
وهذا ليس صحيحا بالتأكيد إلا إذا كنا غير موجودين بالفعل، لكننا موجودون، ويجب أن نفهم ونحدد أين نحن موجودون، وفي الأحداث والمناسبات إن لم تكن تأكل فأنت طعام. وإن لم تكن لاعبا فأنت ملعب.
يضاف 7 تشرين إلى محطات وأحداث تظل عالقة في التأريخ للأحداث، كأن يقال قبل 7 تشرين وبعد 7 تشرين، ممثل 11 أيلول و5 حزيران
هذه مقالة عصف ذهني؛ مجموعة من الأسئلة المستقبلية؛ لعلها تصلح تمهيدا للتفكير..
ماذا تريد إسرائيل على المدى البعيد في لبنان؟
كانت الإجابة التلقائية منذ عام 2006 أن إسرائيل تريد جبهة هادئة في لبنان، وتقبل من حزب الله مقابل حياده تجاه إسرائيل أن يكون له دور فاعل في لبنان وسوريا، لكن الصدمة التي حدثت في لبنان بعد المفاجآت العسكرية والأمنية التي وقعت قد تطور أو توسع أهداف إسرائيل في لبنان إلى نزع سلاح حزب الله وتحييده إلى الأبد.
ربما تؤثر الرؤية الدينية والأيديولوجية باتجاه مغامرة إسرائيلية أوسع وأكثر من ردع حماس وحزب الله، لكنها مغامرة مرتبطة بالسياسات والاتجاهات الأمريكية في المنطقة
وقد يقال إن ذلك هدف صعب أو معقد لأن حزب الله يستمد قوته من التمويل والتسليح الإيراني، وسيظل قادرا على الاستمرار ما دامت إيران قادرة على تمويله وتسليحه، ولذلك فإن الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بمستقبل الدور الإيراني في الإقليم!
ربما تؤثر الرؤية الدينية والأيديولوجية باتجاه مغامرة إسرائيلية أوسع وأكثر من ردع حماس وحزب الله، لكنها مغامرة مرتبطة بالسياسات والاتجاهات الأمريكية في المنطقة. التفكير في دور أو مغامرة إسرائيلية تتجاوز الحرب مع حماس وحزب الله يقتضي التفكير بما تريده الولايات المتحدة وحدود وآفاق سياساتها وعلاقتها بإسرائيل.

ربما تفكر الولايات المتحدة وتوافق إسرائيل على ذلك في تمكين الدولة اللبنانية من بسط سيادتها على لبنان، وإنهاء التحدي الذي يمثله حزب الله للدولة، ومؤكد أن الدول العربية المؤثرة سوف تدعم هذا التوجه، ومرجح أن إيران وسوريا ستوافقان على ذلك، مقابل مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية تبعدهما عن الصراع والتأثير في الإقليم على نحو يتعارض مع الاتجاه الدولي. لكنها استراتيجية عقلانية تحتاج إلى حكومة إسرائيلية عقلانية غير التحالف الأيديولوجي واليميني المهيمن في إسرائيل اليوم. إن إسرائيل برغم قوتها الاقتصادية والعسكرية تفقد بوصلتها السياسية.
هل تتغير خريطة الشرق الأوسط؟
مرجح أنها لن تتغير جغرافيا، لكنها سوف تتغير تاريخيا على نحو يمنح الجغرافيا معنى جديدا ومختلفا. يبدو أن التوازن الخطير بين إسرائيل من جهة وإيران وحلفائها (الحرس الثوري، وحماس وحزب الله والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي العراقي) يتغير لصالح إسرائيل، أو يمنحها تأثيرا جديدا بعد انتصارها العسكري والأمني.
ثمة سيناريو متوقع بأن تحتل إسرائيل لبنان أو أجزاء من لبنان كما فعلت عام 1982 وترتب أوضاعا سياسية وأمنية جديدة إن لم تكرر ما حدث فقد تكون شبيهة.

يتوقع أن تستأنف مشاريع العلاقات الإسرائيلية الجديدة مع دول خليجية، ويأخذ المستقبل اتجاها اقتصاديا محايدا تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والصراع الإسرائيلي اللبناني، وقد يندمج الأردن ولبنان وفلسطين (السلطة الوطنية الفلسطينية) في المشروعات الاقتصادية.
يفترض هذا السيناريو أن حماس وحزب الله سوف يتوقفان عن العمل العسكري ضد إسرائيل. وقد يتوقفان عن الوجود والتأثير السياسي؛ لكنه سيناريو يحتاج إلى وقت طويل، ليس بالسرعة المتوقعة للمتحمسين للمكاسب الاقتصادية أو السلام الاقتصادي؛ بمعنى أن الازدهار الاقتصادي ينشئ السلام السياسي.
يكتسب هذا السيناريو منطقا جديدا بعد التغيرات المتوقع حدوثها في إيران، وما يمكن أن تفكر فيه القيادة السياسية في إيران بعد مقتل الرئيس السابق رئيسي، واغتيال إسماعيل هنية في طهران، وانتخاب رئيس إيراني جديد، والانزعاج العالمي والإقليمي من سلوك “سلطة الحوثيين” وميليشيات الشيعة العراقيين.
ما مستقبل إيران؟ وما مصير مشروعها النووي؟
يبدو الجواب بداهة وتلقائيا ثلاث إجابات؛ خسرت إيران المعركة، وينعكس ذلك بالضرورة على مشاريعها العسكرية والإقليمية، سوف تخسر كثيرا في هذا السياق. قد تنسحب من العراق وسوريا ولبنان واليمن، أو يعاد تنظيم دورها على نحو يتفق مع الخضوع أو الاتفاقات والتفاهمات الجديدة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.
خسرت إيران المعركة، وينعكس ذلك بالضرورة على مشاريعها العسكرية والإقليمية. وقد تنسحب من العراق وسوريا ولبنان واليمن، أو يعاد تنظيم دورها على نحو يتفق مع الخضوع أو الاتفاقات والتفاهمات الجديدة
وربما تحصل إيران على مكاسب اقتصادية وتكنولوجية خاصة في مجال النفط مقابل التخلي عن دورها الإقليمي أو أن يتحول دورها باتجاه منسجم مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، كأن تعود ذراعا أمريكية قوية في المنطقة كما كانت في أيام الشاه قبل الثورة الإسلامية عام 1979. وقد تظل الأوضاع كما هي لكنها أقل تأثيرا، ويظل الإقليم معلقا وعاثرا في صراعاته وفشله وبؤسه، فلا ضير ولا ضرر في ذلك بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بل لعلهما يفضلانه هكذا!
ربما تحصل إيران على مكاسب اقتصادية وتكنولوجية خاصة في مجال النفط مقابل التخلي عن دورها الإقليمي أو أن يتحول دورها باتجاه منسجم مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، كأن تعود ذراعاً أمريكية قوية في المنطقة
المرجح أن إيران سوف تتقدم إيجابيا باتجاه الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل) لكنه تقدم لن يعود إلى الزمن الشاهنشاهي، وسوف يبقى التأثير على الميليشيات (الحشد الشعبي وحزب الله والحوثي وحماس) وتبقى بالتالي هذه الجماعات، لكنها سوف تكون أضعف مما كانت عليه قبل 7 تشرين.
قد تقدّم إيران تنازلات مقابل الحفاظ على مشروعها النووي، مثل التخلي عن الدور الإقليمي وتسليح وتمويل الميليشيات والجماعات الموالية لها والمعادية لإسرائيل والغرب
يبدو منطقيا القول إن إيران مصرة على مشروعها النووي وتربط مصيرها ووجودها المستقبلي بهذا المشروع فهو ما يمنحها قوة ردعية تمنع القوى العظمى من محاولة تدميرها أو تغيير نظامها السياسي القائم.
لكنها قد تقدم تنازلات في مجالات أخرى مقابل الحفاظ على مشروعها النووي، مثل التخلي عن الدور الإقليمي وتسليح وتمويل الميليشيات والجماعات الموالية لها والمعادية لإسرائيل والغرب.
وربما تكون إيران قد تجاوزت العجز النووي وصارت قادرة على امتلاك سلاح نووي، وفات الأوان بالنسبة لإسرائيل والغرب، وليس متاحا سوى الجلوس إلى الطاولة والتفاوض.
هل حققت إسرائيل أو سوف تحقق أهدافها؟
يبدو النصر العسكري الذي حققته إسرائيل مستقلا عن المسار السياسي أو التسوية السياسية، بل لعله يزيد الأمر صعوبة بالنسبة لإسرائيل، فالحالة الشعبية في فلسطين والبلاد العربية في أقصى مستوى من الغضب؛ ما يجعل الحكومات العربية في وضع حرج، فهي إن مضت في السلام مع إسرائيل ستجد نفسها في مواجهة تيار شعبي قوي وجارف يجعل السلام باردا ومكلفا.
يقال إن إسرائيل خسرت كثيرا في حربها في غزة ولبنان؛ خسرت اقتصاديا وعسكريا وأخلاقيا، ويقال إنها خسائر لا تعني شيئا طالما أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم دعما هائلا غير مشروط يعوض خسائر إسرائيل بل ويحولها إلى مكاسب جديدة وإضافية
وفي المقابل فإن إسرائيل لا تملك رؤية سياسية لمستقبل غزة ولبنان، وليس لديها شركاء أو حلفاء أكفاء وموثوقين ويملكون مصداقية شعبية في فلسطين ولبنان، ليس أمامها سوى التفاهم والتنسيق مع جميع القوى السياسية بما فيها حماس وحزب الله.
النخبة السياسية الأمريكية لم تعد تملك أفقاً سياسيا ولا كارزما تؤثر بها في العالم وتغيّر شيئا فيما يجري
ليس لدى نتنياهو وحلفائه سوى الحرب؛ حرب دائمة سيزيفية بلا أفق سياسي، ولا أمل سياسي للتحالف الحاكم في إسرائيل إلا بالحرب واستمرارها، ومن ثم فلا أمل بوقف الحرب وتحقيق السلام أو الاستقرار إلا بالإسرائيليين أنفسهم؛ عندما يختارون تغيير هذه الحكومة والبحث عن نخب سياسية بديلة قادرة على إدارة برنامج سياسي معقول.

وأظن شخصيا أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست قلقة من استمرار الحرب، بل إنها تريد ذلك بالفعل، فالنخبة السياسية الأمريكية هي أيضا لم تعد تملك أفقا سياسيا ولا كارزما تؤثر بها في الأمريكان والعالم وتغير شيئا فيما يجري.
فالولايات المتحدة تواجه أزمة وجودية كبيرة بسبب التنافس مع الصين والتحديات الاقتصادية والعالمية الجديدة، وليس لديها ما تفعله سوى حرب إسرائيلية مسلية في الشرق الأوسط! إن الولايات المتحدة الأمريكية تبتز العالم بالحرب الإسرائيلية، لكنها وياللهول لا تعرف ماذا تريد من هذا التهديد والابتزاز.