نخبة بوست – رانا النمرات (بترا)
في ظل تزايد الضغوط الحياتية والاجتماعية، أصبح الحديث عن الصحة النفسية ضرورة ملحة تتطلب منا التفكير في كيفية حماية عقولنا وتعزيز رفاهيتنا النفسية.
ويحتفل العالم في العاشر من أكتوبر سنويًا باليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يسلط الضوء هذا العام على “الصحة النفسية في مكان العمل”، وذلك بهدف إبراز الدور المحوري الذي تلعبه بيئات العمل في تشكيل الصحة النفسية للعاملين.
وأكدت منظمة الصحة العالمية في بيان لها أن الصحة النفسية هي مسؤولية جماعية تتطلب تعاونًا بين الحكومات وأصحاب العمل والنقابات، بالإضافة إلى مشاركة العاملين وممثليهم. وشددت المنظمة على أن البيئة التي يعمل فيها الفرد تؤثر بشكل كبير على حالته النفسية، حيث يمكن أن تكون مصدر دعم أو ضغط. ومع تزايد معدلات الضغوط النفسية في أماكن العمل، من الضروري العمل على توفير بيئات عمل صحية تضمن رفاهية الجميع.
ومن جانبه، أشار الدكتور محمد الطعاني، مدير مستشفى المركز الوطني للصحة النفسية وأخصائي الأمراض النفسية وعلاج الإدمان، إلى أهمية تعزيز الوعي بالصحة النفسية في بيئات العمل، مشددًا على أن هذا الوعي يساهم في الحفاظ على التوازن النفسي للموظفين. وأوضح الطعاني أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين استخدام المؤثرات العقلية والصحة النفسية، حيث تزيد العديد من هذه المؤثرات من خطر الإصابة باضطرابات مثل الاكتئاب والقلق، بالإضافة إلى اضطرابات ذهانية كالفصام. كما أشار إلى تزايد حالات العنف الأسري كنتيجة لهذه الاضطرابات.
وأكد الطعاني أن الجهل بأهمية الصحة النفسية يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الحالات المرضية، مما يؤثر سلبًا على الأداء اليومي للفرد وعلاقاته الاجتماعية والعائلية. وأشار إلى أن اضطرابات القلق والاكتئاب هي الأكثر شيوعًا في الأردن، حيث تزداد نسبة استخدام المؤثرات العقلية بين السكان، ويتم علاج الاضطرابات غالبًا من خلال العلاج الدوائي والعلاج المعرفي السلوكي، الذي يهدف إلى تغيير أنماط التفكير المشوهة.
وحول العلاقة بين الأمراض النفسية والجريمة، أوضح الطعاني أن معظم المصابين بالاضطرابات النفسية هم ضحايا، وأن الغالبية العظمى من مرتكبي الجرائم لا يعانون من أي اضطرابات نفسية. ومع ذلك، فإن الانتكاسات الشديدة قد تدفع بعض المرضى لارتكاب جرائم نتيجة لفقدان السيطرة أو الإدراك. وأشار إلى أن تقديرات عالمية تشير إلى أن نحو 15% من نزلاء السجون يعانون من اضطرابات نفسية متوسطة إلى شديدة، وأن 70-80% من مرتكبي الجرائم العنيفة لديهم تاريخ في إساءة استخدام المؤثرات العقلية.
ومن جهته، أشار الدكتور فراس الحبيس، الأستاذ المشارك في قسم علم النفس بالجامعة الأردنية، إلى أن الإدمان قد يكون وسيلة للهروب من المشكلات النفسية، حيث يلجأ بعض الأفراد إلى تعاطي المؤثرات العقلية في محاولة للتخفيف من القلق والاكتئاب، لكنهم يجدون أنفسهم عالقين في دائرة مفرغة تزيد من معاناتهم. وشدد الحبيس على أهمية الوعي بالصحة النفسية، موضحًا أن نقص هذا الوعي قد يؤدي إلى اتخاذ خيارات غير سليمة مثل تعاطي المخدرات.
وأضاف أن الأفراد الذين يعانون من اضطرابات شخصية، مثل “السايكوباثية” أو الشخصية الحدية، قد يتجهون إلى سلوكيات ضارة نتيجة عدم قدرتهم على السيطرة على تصرفاتهم. وأوصى الحبيس بضرورة التوجه إلى المعالجين النفسيين عند الشعور بمشكلات نفسية، لتجنب الخيارات غير السليمة التي قد تتسبب في أضرار جسيمة.
ومن ناحيتها، أشارت الدكتورة آلاء توفيق، الأخصائية التربوية ومدربة الذكاء العاطفي للأطفال، إلى أن تأثير الأسرة يظهر بشكل كبير على الصحة النفسية للأفراد، حيث تؤثر البيئة العائلية المستقرة إيجابيًا على قدرة الأفراد على مواجهة تحديات الحياة. وفي المقابل، فإن الأسر التي تعاني من التعنيف أو الإهمال تجعل أفرادها أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية. وأضافت توفيق أن الأسر التي تعاني من الفقر والبطالة تسجل معدلات أعلى من الاضطرابات النفسية، خاصة بين الأطفال واليافعين.
وأكدت توفيق أن شعار اليوم العالمي للصحة النفسية هذا العام، الذي يركز على توفير بيئة عمل داعمة نفسيًا، يتطلب وعيًا بضرورة التخفيف من الضغوط غير المبررة التي قد تفرضها بيئات العمل على الأفراد. كما سلطت الضوء على الضغوط الإضافية التي تواجهها النساء في العمل، مشددةً على ضرورة النظر في أدوارهن المتعددة في المجتمع.
واختتمت توفيق حديثها بتقديم نصائح للحفاظ على الصحة النفسية، منها تنظيم الأولويات، والبحث عن رفقة داعمة، والانتباه إلى الصحة الجسدية، مشددةً على أهمية طلب المساعدة من الأخصائيين النفسيين لتخفيف آثار التوتر المزمن.